التوترات الخفية في اللد تظهر الغليان ضد وجود “الوافدين الجدد من المستوطنين”

.التوترات في اللد
Spread the love

 شجون عربية _ في 10 مايو عاد يغال إرليخ وعائلته في وقت متأخر من الليل من تجمع عائلي ليجدوا المدينة التي يسكنها مشتعلة.

وقال إرليخ، وهو يهودي متدين يقيم في مدينة اللد المختلطة وسط البلاد: “وصلت إلى الشارع ورأيت شبانا عربا يشعلون النيران في حاويات القمامة، وبعضهم يحمل سكاكين”.

استدعى إرليخ الشرطة، كما قال، لكنهم لم يحضروا قط. “رأينا حيّنا يحترق. كنيس، كلية تمهيدية ما قبل الخدمة العسكرية، وكل شيء”

في وقت لاحق من نفس الليلة، أيقظ ابن مها النقيب والدته وأبلغها أن ابن عمها موسى حسونة قد قُتل برصاص يهودي مسلح مع اندلاع الاشتباكات في جميع أنحاء المدينة.

وقالت النقيب، وهي عضو سابق في المجلس البلدي بمدينة اللد: “أبلغني بالخبر، لكنني لم أستطع فهم ما حدث، ومع من عليّ أن أتحدث، كنت خائفة للغاية”.

شهدت إسرائيل اضطرابات مدنية واسعة النطاق في الأيام الأخيرة، مع ظهور مدن مختلطة  كخط أمامي في المواجهات العنيفة. انفجرت احتجاجات العرب في إسرائيل ضد السياسات الإسرائيلية في القدس وغزة لتتحول إلى مواجهات عنيفة. ورد متطرفون يهود بشن هجمات انتقامية، حيث هاجمت حشود عنيفة العرب في الرملة وبات يام وعكا.

لم تشهد أي مدينة نفس القدر من العنف الذي شهدته اللد. لطالما كان اسم المدينة، التي تقع على بعد عشرين دقيقة فقط من تل أبيب، اسما مرادفا للإهمال والجريمة والخلل الرسمي.

خلال الاضطرابات الدامية قُتل رجلان: حسونة، ميكانيكي سيارات يبلغ من العمر (31 عاما) وأب لثلاثة أطفال، ويغال يهوشوع (56 عاما)، كهربائي يهودي من ضاحية مجاورة، الذي قُتل على يد حشد عربي قام برشق مركبته بالحجارة.

تكشفت الهجمات والهجمات المضادة في جميع أنحاء المدن الإسرائيلية المختلطة، وخاصة في اللد التي شهدت معركة مثيرة للجدل على هويتها بين السكان اليهود والعرب في السنوات الأخيرة. حوالي 80% من سكان المدينة يهود و20% عرب.

يدور الكثير من الجدل حول مجموعة من السكان اليهود المتدينين الذين انتقلوا إلى المدينة كجزء مما يسمى بـ”غرعين توراني”، وهي مجموعات منظمة حول فكرة تعزيز الوجود القومي الديني اليهودي في المدن التي تضم عددا كبيرا من غير اليهود أو السكان غير المتدينين. في اللد، كما هو الحال في بعض المدن الأخرى التي يوجد بها “غرعين توراني”، تصاعدت التوترات بين السكان المحليين من العرب والوافدين الجدد اليهود المتدينين، الذين يسكن الكثير منهم في أحياء عربية الفقيرة.

يتهم السكان العرب “غرعين توراني” بالسعي لتهويد أحيائهم وطردهم من المدينة، في حين يجادل أعضاء المجموعة  وأنصارهم بأنهم يسعون فقط لدعم المجتمعات ذات الخصائص الاجتماعية والاقتصادية المتدنية.

خرجت التوترات بين الجانبين عن السيطرة في 10 مايو عندما أطلق يهودي إسرائيلي مسلح النار على حسونة وقتله في ظروف لا تزال موضع جدل.

يلقي والد حسونة، مالك، باللائمة في مقتل نجله على رئيس بلدية اللد، يائير رفيفو، الذي شجع المجموعة على الهجرة إلى المدينة بهدف الحفاظ على الأغلبية اليهودية في اللد.

وقال حسونة: “لولا رفيفو، لما تواجد المستوطنون هنا لإطلاق النار عليه. وجودهم مسؤوليته”.

ظروف مقتل موسى المثيرة للجدل ستكون الشرارة التي ستشعل أعمال العنف في اللد وتدخلها في حالة من الفوضى.

قنبلة موقوتة

لطالما تغلغلت التوترات الخفية في اللد، مما يدفع العرب واليهود إلى رؤية الصراع على هوية المدينة مستمرا.

منذ أن أصبح رئيس بلدية في عام 2014، زاد رفيفو من الاستثمار في الأحياء العربية، لكنه حذر أيضا من أن تصبح اللد “مدينة عربية”، وسعى إلى الحد من صوت الآذان، وقال إن الثقافة العربية عنيفة بطبيعتها.

“زادت الميزانيات في المناطق العربية خلال السنوات القليلة الماضية”، كما يقول أفيف فاسرمان، خصم قوي لرفيفو وشغل منصب نائب رئيس بلدية اللد بين عامي 2014-2017، “لكن الموسيقى والطاقة والأجواء – كانت معادية تماما للعرب”.

شجع رئيس البلدية على تدفق اليهود المتدينين إلى المدينة لزيادة الوجود اليهودي هناك، بما في ذلك مجموعة غرعين ذات الدوافع الأيديولوجية، والتي يدعمها بشكل صريح. أسس ساعده الأيمن، مدير البلدية أهارون أطياس، مجموعة غرعين هناك منذ حوالي 25 عاما.

وتقول أمل عرابي، وهي مخططة حضرية في جمعية “سيكوي” غير الربحية لدعم الشراكة العربية اليهودية: “تشهد المناطق العربية في المدن المختلطة – بما في ذلك اللد – استثمارات بلدية أقل بكثير من تلك اليهودية”.

لكن غرعين تمكنت من تأمين بعض المزايا الإضافية على الجانب. في السنوات الثلاث الأخيرة، تلقت الغرعين في اللد نحو 6 ملايين شيكل (1.84 مليون دولار) على شكل مخصصات من ميزانية البلدية.

تقول المجموعة وأنصارها إن وجودهم يهدف إلى متابعة برنامج للارتقاء الاجتماعي، ويصرون على أن جميع الأطراف في المدينة المضطربة ستستفيد منه. تنخرط مجموعة غرعين في مبادرات اجتماعية وتربوية، بما في ذلك مركز يهودي عربي محلي في رمات إشكول.

وقالت عوفرا لاكس، وهي صحافية قومية متدينة ومن سكان اللد: “لا أحد يحاول طرد الآخر. هناك أشخاص جاءوا إلى هنا لتعزيز المدينة وللقيام بعمل جيد، والسعي إلى مبادرات اجتماعية مع المجتمع والعيش في تعايش”.

لكن آخرين يرون أن وجودهم يخل بالتوازن الحساس للحياة في المدن المختلطة المتوترة في إسرائيل، ويتهمونهم بالسعي لتهويد المدينة. يقول السكان العرب إنهم يواجهون مضايقات منتظمة وحتى عنف من الوافدين الجدد، الذين هناك البعض منهم مسلح.

وقال أمنون بئيري سوليتسيانو، الذي يشارك في إدارة “مبادرات إبراهيم”، وهي جمعية غير ربحية لدعم الحياة المشتركة: “هناك الكثير من الألاعيب، من أجل تقليل العداء العام. ولكن لا تخطئوا: هذه حركة أيديولوجية، حركة إستراتيجية، التي تعمل لتهويد المدينة. هذا هو الهدف النهائي لجميع أنشطتهم: بكل وسيلة ممكنة، لاستيطان المدينة، ولإنشاء سيادة يهودية هناك”.

وفقا للنقيب وسكان عرب آخرين تحدثوا إلى “تايمز أوف إسرائيل”، تم استهداف غرعين وممتلكاتها على وجه التحديد خلال الإضطرابات، وزعموا أن معظم المعابد والمباني التي أُحرقت أو تضررت كانت تابعة لغرعين توراني التي يزدرونها.

وقالت النقيب، في محاولة لتفسير المواجهات: “إذا ضربت شخصا بشكل متكرر، فسوف يرد في النهاية. هذا لا يبرر العنف، ولكن هذا هو الوضع”.

من جهتهم، يقول أنصار غرعين توراني إنهم لا يرون أن وجودهم في المدينة يشكل تهديدا.

وقالت لاكس: “تم تحميل سكان اللد اليهود، الذين أتوا لمساعدة السكان، المسؤولية بالكامل. هذا بمثابة الإلقاء باللوم على الضحايا”.

انفجار

حوالي الساعة 1:30 من صباح 11 مايو، غادر موسى حسونة، أحد سكان اللد، منزل صهره، حيث تمت دعوته لتناول الإفطار في رمضان، وكان برفقته ثلاثة آخرين.

احتج العرب على السياسات الإسرائيلية في القدس ليلة الإثنين، عندما انطلقت الصواريخ من غزة. بعد أن حاولت الشرطة فض حشد كبير بالقرب من المسجد الكبير في اللد، تحولت التظاهرة إلى مواجهات عنيفة. ألقى سكان عرب حجارة وزجاجات حارقة على منازل ومؤسسات يهودية، وفقا للشرطة.

وفقا لعائلة حسونة، لم يكن موسى مشاركا في المواجهات وحاول فقط العودة إلى منزله. لكن يهوديا مسلحا أطلق النار على الحشد القريب فقتله.

“موسى لم يكن مجرما أو إرهابيا. لكن كان رجل عائلة يخرج من منزله إلى العمل ويعود إلى المنزل، لا أكثر، قبل أن يتعرض لإطلاق النار”، كما قال والده مالك وهو جالس في فناء منزله هذا الأسبوع.

تم اعتقال الشخص الذي أطلق النار على حسونة مع عدد آخر من اليهود في المكان. ودافع سياسيون من اليمين عن مطلق النار، الذي لم يتم نشر اسمه، بدعوى أنه تصرف من منطلق الدفاع عن النفس.

وكتب وزير الأمن العام أمير أوحانا على تويتر، “اعتقال مطلق النار في اللد وأصدقائه الذين تصرفوا بهذه الطريقة دفاعا عن النفس أمر مروع”، وأضاف أنه لو كان القرار بيده فكان سيطلق سراحه.

في ليلة 11 مايو، حضر الآلاف من سكان اللد العرب جنازة حسونة، التي تحولت في النهاية إلى اشتباك عنيف. ألقى المتظاهرون الحجارة والزجاجات الحارقة على السكان اليهود، ما أدى إلى اشتعال النيران في أجزاء من المدينة. حيث سارع اليهود لإنقاذ لفائف التوراة من المعابد.

وقال رفيفو: “هذه حرب أهلية… انتفاضة عرب إسرائيل. كل العمل الذي قمنا بها هنا على مدى سنوات من أجل التعايش ذهب هباء”، واصفا ما حدث في بـ”ليل البلور”.

بعض الضحايا اليهود، من بينهم إرليخ، فروا من المدينة إلى حين استعادة النظام. ردا على المواجهات من جهة السكان العرب، قام يهود بحرق المقبرة الإسلامية وهاجموا مسجدا في اللد. في مدينة الرملة المختلطة المجاورة، احتشد يهود متطرفون – الذين قاموا بتداول دعوة “للدفاع عن النفس” عبر وسائل التواصل الاجتماعي في اليوم السابق – لرشق المركبات العربية المارة بالحجارة.

وقال يسرائيل سامط، الذي يقود مجموعة الغرعين: “نحن هنا ولن نترك. بعض العائلات تركت لفترة وجيزة لالتقاط أنفاسها، ولكن معظمنا لا يزال هنا، يحاول إعادة البناء. نحن هنا لنبقى”.

هذا على الأقل هو شعور يشاركه بعض سكان اللد العرب.

تقول رلى داوود، وهي من سكان اللد وتدير حراك “نقف معا” العربي اليهودي المشترك: “لن يذهب أحد منا إلى أي مكان. إما أن نتمكن من العيش معا بشكل جيد، أو العيش معا بشكل سيء. لا يوجد لدينا خيار آخر”.

إلا أن سكان عرب آخرين في المدينة كانوا أقل تفاؤلا بشأن احتمالية التعايش في المستقبل جنبا إلى جنب مع غرعين توراني.

“طالما بقي هؤلاء اليهود المتدينين هنا، سيكون هناك صراع. إنهم مستوطنون”، كما قال الشاب علي نصاصرة وهو يقف من أمام المسجد الكبير في اللد. “طالما أنهم هنا، ستبقى دماؤنا تغلي”.

المصدر: تايمز أف إسرائيل

Optimized by Optimole