دبلوماسي بريطاني سابق: واشنطن لم تدرك درجة تغيّر قواعد اللعبة في الشرق الأوسط

دبلوماسي بريطاني سابق: واشنطن لم تدرك درجة تغيّر قواعد اللعبة في الشرق الأوسط
Spread the love

 

 

كتب الدبلوماسي البريطاني السابق أليستر كروك مقالة في موقع الميادين باللغة الإنجليزية تناول فيها المحادثات النووية في فيينا، قال فيها إن الرئيس الأميركي جو بايدن تحدث لأول مرة عن أمره بغارات جوية أميركية ليلة الأحد على ما أسماها “الميليشيات المدعومة من إيران” على الحدود السورية العراقية، خلال استقباله الحار لصديقه، الرئيس الإسرائيلي المنتهية ولايته رؤوفين ريفلين، في المكتب البيضاوي الاثنين الماضي. وقال بايدن لريفلين: “ما يمكنني قوله لكم هو أن إيران لن تحصل على سلاح نووي في عهدتي”، واصفاً هذه “الضربات” العسكرية (الثانية خلال فترة رئاسته) بأنها “رسالة واضحة” لإيران.

وتساءل الكاتب: ما هي هذه الرسالة تحديداً، نظراً إلى أن تعليقات بايدن تزامنت مع حديث وسائل الإعلام الأميركية الرئيسية أن محادثات فيينا النووية على وشك تحقيق اختراق؟

وقال إنه على مدار الأشهر الماضية، تعرضت أهداف شديدة الحساسية في العراق وسوريا، مثل الحظائر الدقيقة التي تقيم فيها وكالة الاستخبارات المركزية والقوات الخاصة الأميركية، طائراتها بدون طيار في العراق وحوله، للهجوم بشكل متكرر. كل ذلك تم من دون تسجيل أي خسارة بشرية أميركية واحدة.

وأشار الكاتب إلى أن هذه الغارات عالية الدقة تعود إلى طائرات مسيّرة جديدة أكثر تطوراً تدخل في المزيج الاستراتيجي  والتي لا تمتلك الولايات المتحدة دفاعات فعالة ضدها (فالطائرات المسيّرة تطير على ارتفاع منخفض، وتختلط مع الطيور). وهذا هو أمر عظيم. وقال إن ذلك قد يعرّض ذلك الوجود الأميركي بأكمله في العراق للخطر، إذ أصبح الكونغرس الأميركي قلقاً بسبب هذا الخلل في ميزان القوى.

وطرح الكاتب سؤالاً: هل كانت الاعتداءات الأميركية على حركتين مقاومتين معروفتين أنذاك تقول ببساطة لإيران: “تراجعي”، أو هل كانت تهدف – كعرض قوة نموذجي للولايات المتحدة – للضغط على إيران لتقديم تنازلات في محادثات فيينا النووية. ليس واضحاً، ربما كلاهما؟

وأضاف: أياً يكن الأمر، لا يهم. فقتل أعضاء المقاومة العراقية يغذي فقط شهية “الحشد الشعبي” لطرد الولايات المتحدة من العراق، والإدارة الأميركية لا تفعل شيئاً لوقف هذه الهجمات المتطورة بطائرات مسيّرة. وإذا كان تصميم هذه الهجمات للضغط على إيران في فيينا، فإن هذا لن ينجح كذلك. فالولايات المتحدة واقعة في معضلة صنعتها بيديها، ولا يمكنها حلها بهذه الطريقة.

ورأى الكاتب أن فريق بايدن يريد أن يتم دفع القضية النووية الإيرانية الحساسة إلى الخلف وجعلها “محاصرة” تحت مراقبة “خطة العمل الشاملة المشتركة”، مع فرض قيود مرهقة على إيران، حتى تكمل واشنطن إنشاء محورها تجاه الصين. ولكن لتحقيق ذلك، سيتعين على أميركا التخلي عن جميع العقوبات التي تعرقل تجارة إيران مع العالم.

وأوضح الكاتب أن معضلة بايدن هي أنه إذا رفع جميع العقوبات عن إيران، فلن يترك له ذلك أي نفوذ قسري يمكنه من خلاله إرغام طهران على التفاوض بشأن قيود على ترسانتها من الصواريخ الباليستية وتحالفاتها الإقليمية. فمن الواضح أن بايدن لا يمكنه فعل الأمرين معاً. إن إرغام إيران على القيام بما يقول رئيسها المنتخب إبراهيم رئيسي إنه لن يحدث أبداً، يعني فرض قدر كافٍ من الألم للحض على تغيير السلوك. وهذا من شأنه أن يفشل محادثات فيينا. هذا هو منطق الموقف الأميركي وواضح أنه منطق مشوش وغير مقنع.

وتساءل كروك: لذا، ما الذي نفهمه من وعد بايدن لـ”إسرائيل” بأن “إيران لن تصل أبداً إلى إنجاز سلاح نووي في عهده؟

وأجاب قائلاً: لا يبدو أن الولايات المتحدة قد استوعبت درجة تغيّر قواعد اللعبة التي تغير فيها التوازن الاستراتيجي في الشرق الأوسط. لقد فقدت “إسرائيل” والولايات المتحدة “الميزة” العسكرية أمام صواريخ “كروز” الذكية والطائرات المسيّرة المتطورة التي تعمل “كسرب”، وهي تطوّق القواعد العسكرية الإقليمية للولايات المتحدة وتحيط بـ”إسرائيل” كذلك.

ورأى الكاتب أن كل هذه السرديات المدوية الصادرة من واشنطن قد تلعب دوراً جيداً في الداخل الأميركي، لتخفيض انتقادات الصقور هناك لـ”ضعف” بايدن، لكنها في الأساس سرديات جوفاء. لقد أنشأت إيران وحلفاؤها قوة ردع – بطريقتهم الخاصة – أقوى من الرؤوس النووية، التي أصبحت قابليتها للاستخدام في المنطقة محدودة للغاية. فصواريخ “كروز” ليست مقيدة بهذا الشكل: فاستخدامها يمكن إنكاره، ويمكن توجيهها بدقة، وهي فعالة للغاية.

وختم الدبلوماسي السابق مقالته بالقول: كيف حُشرت الولايات المتحدة في مثل هذه المعضلة؟ من خلال تصديق دعايتها الخاصة. فبعد قمة بايدن- بوتين، رد بايدن على سؤال حول التدخل الروسي في الانتخابات، بالقول: “دعونا نفهم ذلك: كيف سيكون الأمر إذا كان يُنظر إلى الولايات المتحدة من قبل بقية العالم على أنها تتدخل في انتخابات الآخرين، والجميع يعرف ذلك؟ ماذا سيكون الأمر لو انخرطنا في أنشطة يشارك فيها بوتين؟ من شأن ذلك أن يقلل من مكانة بلد، يحاول يائساً الحفاظ على مكانته كقوة عالمية”.

يا لهذه الصلافة الصادقة!

*أليستر كروك، مدير “منتدى النزاعات”، دبلوماسي بريطاني سابق، وباحث مختص بشؤون الشرق الأوسط والحركات الإسلامية.

نقله إلى العربية بتصرف: هيثم مزاحم

Optimized by Optimole