يسرائيل هَيوم: جهد “حماس” لتحصين مكانتها في القطاع يصطدم برغبتها في تنفيذ هجمات في الضفة الغربية

يسرائيل هَيوم: جهد “حماس” لتحصين مكانتها في القطاع يصطدم برغبتها في تنفيذ هجمات في الضفة الغربية
Spread the love

يوآف ليمور – محلل سياسي اسرائيلي/
الجهد العنيد الذي توّظفه “حماس” في محاولات القيام بهجمات في يهودا والسامرة [الضفة الغربية]، يجري في موازاة جهد لا يقل عناداً عنه، هدفه المحافظة على الهدوء في قطاع غزة.
ظاهرياً، يبدو أن ما يجري هو جهدان متعارضان، لكن عملياً هما يكملان بعضهما بعضاً، ويشكلان جزءاً من هوية الحركة المتعددة الأوجه. “حماس” معنية بالهدوء في غزة لإعادة بناء البنى التحتية المدنية في القطاع، ورفع مستوى حياة السكان، وتقليص الانتقادات الداخلية الموجهة إليها بشأن الوضع الاقتصادي الصعب في القطاع. وتعمل أيضاً لزيادة قوتها العسكرية (بالصواريخ والحوامات، وخصوصاً بالصواريخ المضادة للدبابات) استعداداً لاحتمال نشوب مواجهة.
في مقابل ذلك، “حماس” معنية بزعزعة الاستقرار في الضفة الغربية. الهدف الدائم هو مهاجمة إسرائيل، لكن لديها أهدافاً ثانوية لا تقل أهمية، في طليعتها إخراج الجمهور الفلسطيني من حالة اللامبالاة. لا تزال ذكرى الانتفاضة الثانية حارقة في ذاكرة المدنيين في الضفة، وهم مشغولون بحياتهم اليومية، ويُظهرون اهتماماً قليلاً جداً بالنضالات الوطنية.
تعتقد “حماس” أن الهجمات، والعمليات الإسرائيلية – العسكرية التي ستأتي لا محالة من بعدها، ستثير الشارع الفلسطيني وتوحده وراء الحركة، وستمس، بالتالي، بحكم السلطة الفلسطينية.
نقطة التحول من ناحية “حماس” كانت صفقة شاليط. ولا ينحصر ذلك فقط في الثمن الباهظ الذي حصلت عليه في مقابل خطف جندي واحد، بل في الدماء الطريّة و(المهنية) التي تدفقت في عروقها. الشخص الذي عمل على تركيز الجهود في السنوات الأولى كان صالح العاروري- في البداية من تركيا، وبعدها من قطر، واليوم من لبنان – إلى أن عُيّن ليكون الرقم الثاني في الذارع السياسية للحركة. هذا التعيين يُعتبر ترقية مهمة بالنسبة إليه، لكنه أيضاً أقل من مكانة رئيس الحركة السابق خالد مشعل، الذي هو أساساً من سكان الضفة، وحوّل الجزء الأساسي من اهتمام الحركة إلى الضفة؛ إسماعيل هنية الذي أتى بعده هو من غزة، وقد نقل مركز الثقل إلى القطاع. لم تعد غزة “مشروعاً” بل أصبحت محط الاهتمام المركزي للحركة ومركزاً لنشاطها.
هذا التغير في الموازين لا ينعكس فقط في تدفق الأموال بل أيضاً في اتخاذ القرارات. صعود أهمية القطاع نقل مركز القوة إلى المثلث العسكري -الداخلي – الغزاوي الذي يقوده يحيى السنوار ومحمد ضيف ومروان عيسى. بالنسبة إليهم المهم الآن هو تحصين مكانة الحركة في غزة، وبعدها تأتي الأمور الأُخرى؛ هذا لا يعني أنهم أصبحوا في “حماس” من دعاة السلام، لكن بخلاف الماضي، تتصرف الحركة بصورة عقلانية وليس انفعالية.

الهجوم الذي سيؤدي إلى حرب

يتجلى انتقال القيادة إلى غزة في مجالين آخرين: العلاقة مع إيران والجهود الإرهابية في الضفة الغربية. بالنسبة إلى الأول، بخلاف النظرة السائدة، تدير “حماس” سياسة مركبة: لعدة أسباب – بدءاً من رغبتها الحفاظ على استقلالها إلى بقايا الصراع السني – الشيعي – تفضّل ألّا تكون تابعة لطهران بصورة كاملة من الناحية الاقتصادية، كي لا تكون خاضعة لإرادتها من الناحية العسكرية. العاروري الذي اقترب كثيراً من حزب الله، يدفع في هذا الاتجاه، لكن بنجاح محدود؛ السنوار ومجموعته يفضلان البقاء فقراء، لكن فخورين ومستقلين.
الموضوع الثاني، الإرهاب، انتقل هو أيضاً إلى المسؤولية الكاملة والحصرية لغزة. وذلك لأسباب أيديولوجية أقل وبراغماتية أكثر: قيادة الخارج، برئاسة العاروري، لم تنجح في القيام بهجمات إرهابية مهمة، وكان القرار تركيز الجهود في القطاع، بواسطة المبعدين في صفقة شاليط الذين جُمعوا في “قيادة الضفة”. وكل ناشط يحاول تجنيد خلايا في بلدته الخاصة.
هذا الجهد تقوم به أيضاً قيادة الخارج. الفارق هو أنه في غزة تحصل “قيادة الضفة” على قدرات يسمونها اليوم في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية “جيش حماس” – تنظيم عسكري نظامي مؤلف من نحو 30 ألف مقاتل، وبالإضافة إلى وسائله القتالية، لديه قدرات تكنولوجية لا بأس بها تمكنه من المناورة في جهود الهجمات في الضفة. كما أن سيطرة التنظيم على الجزء الغربي من معبر إيرز – وبالتالي استخدام كل من يدخل إلى إسرائيل لأسباب إنسانية أو تجارية، من أجل تحقيق أهدافها – حسّن جهد شن هجمات في الضفة.
يكشف الشاباك طوال الوقت عن العشرات من الجهود المتوازية في “قيادة الضفة” لتعبئة واستخدام خلايا إرهابية في الضفة. المقصود هو جهد تكتيكي في أساسه – الذين يقومون بذلك في غزة لا يُعتبرون من كبار المسؤولين في “حماس”، ولا يتولون مناصب حساسة في الحركة- لكن قد تكون له تأثيرات استراتيجية. وتدل التجربة على أنه إذا نجح هجوم كبير، وإذا جرى ربطه بغزة، فإن هذا يمكن أن يفرض على إسرائيل خوض حرب – وذلك بعد عام ونصف العام من الانتقادات القاسية الموجهة إلى الحكومة لامتناعها من القيام برد واسع على إرهاب البالونات الحارقة بالقرب من السياج الحدودي في غزة.

محدودية عمليات الإحباط

تقرأ “حماس” الصورة بطريقة مختلفة. إنها مقتنعة، من الرسائل العلنية والسرية التي تصلها، بأن إسرائيل ستفعل أي شيء لمنع وقوع حرب – بما في ذلك السكوت عن هجوم كبير من الضفة. وثمة شك في أن تكون محقة؛ تماماً مثلما كان خطف الشبان الثلاثة وقتلهم في صيف 2014، الشرارة التي أدت إلى عملية “الجرف الصامد”. سيكون من الصعب على إسرائيل أن تضبط نفسها في مواجهة هجوم يؤدي إلى سقوط عدد كبير من المصابين، أو هجوم يثير صدى وسط الجمهور.
حتى الآن “حماس” على حق في أن إسرائيل ليست معنية بنشوب حرب، وستفعل أي شيء لمنعها. وكجزء من ذلك توظف المؤسسة الأمنية جهداً هائلاً في محاولة إحباط الإرهاب من القطاع. وما يجري هو تحدّ مركزي للمؤسسة الأمنية بقيادة الشاباك، الغرض منه ثلاثة أهداف: منع حدوث هجوم وإنقاذ الأرواح، منع نشوب حريق واسع في الضفة يمكن أن ينزلق إلى انتفاضة ثالثة، ومنع احتمال التدهور إلى معركة في غزة.
مشكلة إسرائيل الأساسية هي في صعوبة إحباط هجمات من غزة. لقد تغيرت معادلة الإرهاب في الضفة الغربية في 2002، بعد أن استعادت إسرائيل السيطرة على كل المناطق الفلسطينية. في المقابل، عناصر “حماس” في غزة يتمتعون بالحماية، باستثناء جولات القتال. والنتيجة هي أن المعلومات الاستخباراتية تُجمع في جبهتين – غزة والضفة – لكن عمليات الإحباط تجري في واحدة منهما، في الضفة.
يفرض هذا على الشاباك أن يعمل بطريقة مركزة جداً كي يتأكد من عدم انزلاق هجوم من بين أصابعه، وهذا يفرض على الجيش الإسرائيلي ألّا يتدخل في عمل “آلة جز العشب” – عمليات تجري منذ عملية “الجرف الصامد”، وفي إطارها يُعتقل في كل ليلة كل من توجد معلومات أو شبهات بتورطه في الإرهاب، وإحباط الإرهاب قبل وقوعه.
في ظل التوجيهات السياسية القائمة بمنع التصعيد في القطاع، من الصعب على المؤسسة الأمنية تغيير هذه المعادلة. لكن ثمة شك في أن يستمر الواقع الحالي في غزة وقتاً طويلاً. فهو هش للغاية ومتفجر جداً، ومن المعقول أكثر أن يتوجه نحو أحد الاتجاهين: التسوية أو التصعيد (وربما تصعيد في نهايته جهود تسوية).

في أي من هذه السيناريوهات، يجب على إسرائيل وضع “قيادة الضفة” في أعلى سلم الأولويات. سواء من خلال معالجة لينة، محادثات وشروط، أو معالجة عنيفة – في الأساس عمليات إحباط مركزة، أيضاً بهدف الردع – من دون ذلك فإن إسرائيل ستكون معرّضة دائماً لخطر هجوم يمكن أن ينجح، ويفرض عليها خوض حرب تحاول منعها.
المصدر: صحيفة يسرائيل هَيوم الاسرائيلية – عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية

Optimized by Optimole