يديعوت أحرونوت: ما هو موقف الشاباك من الشعبوية الأمنية في الضفة الغربية ؟

السلطة الفلسطينية ترسل خطاب سياسي إلى واشنطن
Spread the love

شؤون آسيوية_بقلم: د.أفنير برنيع – مسؤول سابق في الشاباك وباحث

منذ عدة أشهر، تزايدت أعمال “الإرهاب” شمالي الضفة الغربية، والتي تُنسب غالباً إلى مجموعة “عرين الأسود”، وهي مجموعة عفوية من دون هيكلية أو إطار فصائلي تجمع شباناً فلسطينيين من منطقة نابلس. لقد شكل نشاط هذه المجموعة مفاجأة للجيش والشاباك، وفي ظل غياب رد استخباراتي فعّال، اتُخذ القرار مؤخراً بالعقاب الجماعي: التضييق على حركة جميع سكان نابلس، وذلك بعد أن عمد المستوطنون إلى تعليم الطرق وإغلاق مداخلها. ما هي الأهداف التي أرادوا تحقيقها من خلال هذا الإجراء؟ لأن النتيجة جاءت عكس ما هو مطلوب، مع ارتفاع منسوب الكراهية لإسرائيل، وازدياد الدعم لمجموعة “عرين الأسود” وتزايد أعداد المنضمين إليها. ألم تكن ردة فعل المؤسسة الأمنية شعبوية، بناء على طلب المستوطنين، بدلاً من أن تكون عقلانية؟
عارض الشاباك، على مدى أعوام، العقوبات الجماعية بحجة أن ضررها أكبر من فائدتها، معتبراً أن محاربة “الإرهاب” تتم من خلال عمليات استخباراتية-فردية وليس جماعية، إذ يجب التمييز بين “الإرهاب” وبين المجتمع الفلسطيني الواسع، لأن عدم التمييز بين الاثنين من شأنه أن يقود إلى اتخاذ خطوات صعبة قد يكون وقعها جيداً على آذان الشعبويين، لكنها من دون أي أهمية استخباراتية مهنية. مؤخراً صرح ضابط في الجيش قائلاً: “عندما يتم إطلاق النار عليك ويموت الناس، عليك إيقاف ذلك”. صحيح، لكن هل هذه هي الطريقة الوحيدة؟

يبدو أن ثمة تخوفاً كبيراً من طرح هذه المسألة وسط كثيرين من العاملين في المجال الأمني خشية التعامل معهم كيساريين أو انهزاميين. وفي الآونة الأخيرة، انجرّ الشاباك خلف المؤسسة العسكرية وفقد تأثيره وقدراته المهنية، وذلك بسبب انتقادات الجمهور القاسية له منذ موجة العمليات في آذار/مارس ونيسان/أبريل. ثمة تخوف لدى الشاباك من الاعتراف بأن المعلومات الاستخباراتية عن “الإرهاب المسلح” للأفراد، أو عن مجموعات كـ “عرين الأسود” قليلة جداً، وحتى لو قاموا بشيء إزاءها، فستنشأ مجدداً مجموعات أُخرى.

وعندما يرفض الشاباك الاعتراف، يتخذ إجراءات تفتقر إلى الذكاء. فعلى سبيل المثال، “المخرّب” عدي التميمي، الذي قتل الجندية نوعا لازر في مخيم شعفاط، هرب ولم يتم القبض عليه، ونتيجة ذلك تم فرض حصار لعدة أيام على مخيم شعفاط، الذي يعيش فيه قرابة 100.000 فلسطيني، وبعد عشرة أيام عاد التميمي ونفذ هجوماً آخر في معاليه أدوميم و”قُتل”. هل تجرأ أحد وأعلن أن حصار مخيم شعفاط كان قراراً خاطئاً؟
يبدو واضحاً للجميع أن ما يجري في الضفة الغربية هو عبارة عن حالة مقاومة شعبية متصاعدة، لا علاقة لها بـ “حماس”، أو الجهاد الإسلامي، أو “فتح”. فالشارع هو الذي ينهض ويحتج ونشاطه غير مرتبط بقواعد التنظيمات “الممأسسة”. والاغتيال لا يكون “ناجعاً” إلاّ عندما تكون الأهداف محددة، لكن الوضع مختلف اليوم، وكل مَنْ في الميدان في حالة غليان.

وبعكس الرأي السائد، لا يدور الحديث بالضرورة حول اتجاهات جديدة؛ فانتفاضة السكاكين عام 2015-2016، التي باغتت أجهزة الأمن والشاباك، ولم يكن بيد هذه الأخيرة ما يمكن القيام به إزاءها، كانت أيضاً انتفاضة الجيل الشاب الذي لم يعد يؤمن بقيادته، التي، بحسبه، لم تقم بما هو مطلوب منها لوقف الاحتلال. إن ظاهرة “إرهاب” الأفراد هي ظاهرة عفوية غير منظمة تتطور منذ عدة أعوام، وها هي الآن تعود من جديد بعد استراحة قصيرة.

والسبب لذلك هو أن الفلسطينيين باتوا يفهون جيداً الاستراتيجية الأمنية الإسرائيلية، وبالتالي يلاحظون تطور الظاهرة التي في إطارها تنشأ “جيوب” فلسطينية معزولة نحو 150 ويمكن إغلاقها ببساطة في الوقت الذي يتجوّل المستوطنون بحرية على الطرق الالتفافية. وليرفع يده من يعتقد أن هجمات المستوطنين-نحو 100 هجوم خلال الشهر الأخير فقط، جزء كبير منها يجري بغض نظر من الجيش-لا تخترق وعي الفلسطينيين؟ ألا نشاهد أمام أعيننا السيناريو الذي يسعون من خلاله إلى تأجيج الأوضاع على الأرض بهدف إيجاد ذريعة جماهيرية لحملة “السور الواقي 2″؟
إن هذه الاتجاهات ستتعمق وستدفع بالفلسطينيين إلى مزيد من اليأس، فهؤلاء لا يرون أن قيادتهم تعمل بشكل ناجع، ولا أمل لديهم بأبو مازن وبالفصائل الممأسسة، ويعرفون أن السلطة تمر في مرحلة تفكك، وبالتالي يعلمون أن القادم أسوأ. وعند هكذا مستوى من اليأس، الاغتيالات التي يقوم بها الجيش تزيد من رغبة الفلسطينيين في الاحتجاج، وليس العكس.

إذاً، إلى أين نتجه؟ لقد نسينا كلياً موضوع الأفق السياسي الذي يمكن أن يمنح الأمل للطرف الآخر. صحيح أن رئيس الحكومة يائير لبيد ووزير الأمن يتطرقان، من وقت إلى آخر، إلى هذا الموضوع بشكل فضفاض، وأيضاً رئيس هيئة الأركان السابق غادي آيزنكوت، لكن تصريحاتهم لن تقود إلى تغييرات حقيقية، وبدلاً من ذلك تتمأسس في الوعي مقولة أنه من غير الممكن تغيير الوضع القائم.

الشاباك هو المسؤول عن تقدير ما يجري في الضفة، على الرغم من أننا لا نعرف ما هو تقديره للوضع وتوقعاته بالنسبة إلى المستقبل، كما أننا لا نعلم إن كان يطرح مواقفه أمام المستوى السياسي ومتخذي القرار، وإن كان هؤلاء يتعاملون معها كما يجب.

الوضع القائم ليس صحيحاً؛ نشاط “الشاباك” لا يجب أن يتأثر بالجو العام المتغير أو بالانتخابات، وعلى الشاباك ألاّ يتخوف من طرح تقديراته.

Optimized by Optimole