هآرتس: وضع نتنياهو القانوني يطرح علامات استفهام

Spread the love

عاموس هرئيل – محلل عسكري اسرائيلي/

تستضيف إسرائيل في الأسابيع الأخيرة مجموعة من المسؤولين الكبار في المؤسسة الأمنية الأميركية. ذروة سلسلة الزيارات كانت أول من أمس مع وصول رئيس هيئة الأركان المشتركة في الجيش الأميركي الجنرال مارك ميلي الذي حلّ ضيفاً على رئيس الأركان أفيف كوخافي. في الدولتين يحرصون على التأكيد أن شبكة العلاقات بين المستويات المهنية جيدة ووثيقة، وخصوصاً اليوم، لكن يبدو أنه يوجد وراء القطار الجوي اعتباران إضافيان لا يتناولهما الكلام علناً. والاثنان لهما علاقة بتهدئة مخاوف- التخوف الإسرائيلي من تخلٍّ أميركي، والتخوف الأميركي من عملية غير منسقة من جانب إسرائيل.
القلق الإسرائيلي له علاقة بالخطوات الأخيرة التي قامت بها إدارة ترامب- الامتناع من الرد، حتى الآن، على الهجمات الإيرانية في الخليج التي شملت ضربة قوية لمنشآت النفط السعودية وإسقاط طائرة أميركية من دون طيار غالية الثمن، وبعدها قرار الرئيس سحب الجنود من المنطقة الكردية في شمال شرق سورية، الأمر الذي مهد الطريق أمام الغزو التركي. في إسرائيل يتخوفون من التوجه الذي يدل على خروج الولايات المتحدة من المنطقة، الأمر الذي يترك لإيران مجالاً أوسع للعمل.
في المقابل، يبدو أن الأميركيين قلقون، إلى حد ما، من القرارات التي من الممكن أن تُتخذ في إسرائيل. تتحدث القيادة الإسرائيلية من دون توقف عن المخاطر المتوقعة من محاولات إيران التمركز العسكري في جنوب سورية، وعن تهريب السلاح المتطور إلى حزب الله في لبنان، وعن تعاظم القوة الإيرانية في العراق واليمن. اشتباك عسكري كبير بين إسرائيل وبين إيران ووكلائها يمكن أن يجر الأميركيين إلى حرب إقليمية، لا يرغب ترامب، على الأقل بحسب تصريحاته، فيها.
بمقدار ما هو معروف، هجوم كهذا ليس مطروحاً على جدول الأعمال حالياً، لأن إيران لا تزال، من حيث المبدأ، ملتزمة بالاتفاق النووي مع الدول الخمس الكبرى (الدولة السادسة الولايات المتحدة التي انسحبت منه في أيار/مايو السنة الماضية)، ولم تتخط خروقات إيران الأخيرة للاتفاق الحدود التي تُعتبر محتملة. ومع ذلك التصريحات الإسرائيلية الأخيرة بشأن إيران عدائية بصورة خاصة.
أول من أمس زار نتنياهو ووزير الدفاع نفتالي بينت، الحدود السورية واللبنانية. نتنياهو أعلن أن إسرائيل ستعمل على إحباط تهريب السلاح الفتاك من إيران إلى سورية، وستكبح محاولات تحويل العراق واليمن إلى قواعد لإطلاق الصواريخ”. وأضاف بينت رسالة إلى القوات الإيرانية في سورية: “ليس لديكم شيء هنا”. في الأمس خلال حفل رسمي لإحياء ذكرى شهداء عملية قادش، قال الوزير: ” من الواضح لأعدائنا أننا سنرد على أي محاولة لمنعنا من العيش. وسيكون ردنا دقيقاً جداً ومؤلماً جداً. أوجّه هذا الكلام، ليس فقط إلى الذين يريدون النيل منا في الساحة الجنوبية، بل أيضاً في الشمال”.
المسؤولون الإسرائيليون لمّحوا في كلامهم أيضاً إلى الأزمات الداخلية التي تواجهها القيادة في طهران مؤخراً – موجة الاضطرابات الواسعة في العراق ولبنان التي تكتسي توجهاً معادياً لإيران، والاحتجاج العنيف الذي نشب في الأسبوع الماضي في إيران نفسها، رداً على رفع أسعار الوقود. التحذيرات من خطوات إيرانية محتملة ضد إسرائيل هي حقيقية، لكن أيضاً لا يمكن فصل الاعتبارات الإسرائيلية عن صورة الوضع الداخلي، وفي مركزها قرار إحالة نتنياهو على المحاكمة، والحائط المسدود الذي وصلت إليه الاتصالات بشأن تأليف حكومة.
طوال سنوات، نال نتنياهو مديحاً محقاً على المسؤولية وضبط النفس اللذين أظهرهما إزاء استخدام القوة العسكرية، في الأساس من خلال رفضه الخضوع للضغوط الشعوبية والانجرار إلى حروب غير مجدية في قطاع غزة. في الجبهة الشمالية أيضاً، أدار الأمور برفق في أغلب الأحيان، ومنع اشتباكاً واسعاً مع الإيرانيين. كانت له كبوة واحدة موثقة: قبل أسبوع من الانتخابات الأخيرة، في أواسط أيلول/سبتمبر، كان ثمة حاجة إلى الاستعانة بالمستشار القانوني للحكومة أفيحاي مندلبليت (بتشجيع من الجيش) لإيقافه عن القيام بعملية في غزة كان يمكن أن تؤدي إلى تأجيل الانتخابات، وكان قد طلب شنها من دون نقاش مسبق لها في المجلس الوزاري المصغر.
سُئل في الأسبوع الماضي شخص كان في السنوات الأخيرة على معرفة وثيقة بـ”المعركة بين الحروب”، أي عمليات الجيش الإسرائيلي خارج الحدود، إلى أي حد يرتبط استمرار المواجهة بين إيران وإسرائيل بالعمليات التي تقوم بها الأخيرة. الجواب، بحسب قوله، هو “20-80″، أي أن إسرائيل هي التي تفرض إلى حد كبير إلى أين تتطور الأمور.
يفرض هذا الوضع على كل أجهزة الرقابة – لجنة الخارجية والأمن، المستشار القانوني، وسائل الإعلام – إظهار يقظة متزايدة. وفي الأساس يحمّل رئيس الأركان كوخافي مسؤولية خاصة، وهو الذي أظهر، بعد عملية الاغتيال الأخيرة في غزة، أن كل القرارات اتُخذت بموضوعية، ولم يكن لها صلة بالاعتبارات السياسية.
في ظروف يكون رئيس الحكومة فيها قلق على مصيره الشخصي، ووزير الدفاع الجديد يريد استغلال الوقت المتاح له، القصير نسبياً، كي يبرز سياسياً، كل الأنظار تتوجه إلى رئيس الأركان. كوخافي نفسه، الذي كان يضغط من أجل اتباع خط صارم في العمليات الأخيرة في غزة وسورية، هو حالياً الشخص الراشد والمسؤول. ناهيك عن أن عدداً من المسؤولين الآخرين في القيادة الأمنية يتماهون أكثر مع نتنياهو، أو ينظرون إلى ما يحدث في الأساس من زاوية تكتيكية، تشدد على ضرورة مواصلة إحباط العمليات. رئيس الأركان السابق، غادي أيزنكوت، بدا متشدداً بصورة خاصة – وأحياناً بدا كأنه يقاتل المستوى السياسي. الآن، يواجه كوخافي اختباراً مماثلاً على الرغم من إرادته.
المنظومة العسكرية لا يمكن أن تكون محصنة تماماً إزاء الاعتبارات السياسية التي تشغل المؤسسة فوقه. هيئة الأركان العامة ليست ديراً، والألوية في الجيش يعرفون جيداً ما يجري في الدولة. لكن قادة الفرق الذين زارهم نتنياهو وبينت في الأول من أمس، وكذلك الطيارين الذين يخرجون للقيام بمهماتهم الليلية، يجب أن يكونوا واثقين بأن القرارات الأمنية المتعلقة بمسائل الحياة والموت تتخَذ بموضوعية. في الوضع الأبوكاليبتي الموجود فيه نتنياهو، والذي برز في الأيام الأخيرة من خلال التهجمات المسعورة على النيابة العامة والشرطة، تزداد الشكوك في هذا الشأن.

المصدر: صحيفة هآرتس الاسرائيلية _ عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية

Optimized by Optimole