هل هناك من يتذكر أنه يوجد فلسطينيون

Spread the love

بقلم: إيلي فوده – أستاذ في قسم دراسات الإسلام والشرق الأوسط في الجامعة العبرية، وعضو في إدارة معهد “متفيم” المعهد الإسرائيلي لسياسة خارجية إقليمية —

في مركز الانتخابات يوجد حالياً قضايا سياسية واقتصادية داخلية- مثل وضع بنيامين نتنياهو القانوني وغلاء المعيشة وقضايا سياسية وأمنية مثل إيران، غزة، سورية وحزب الله. مسألة العلاقات بين إسرائيل والفلسطينيين أُزيحت إلى الهامش، إن لم تكن قد اختفت تماماً من الخطاب العام والسياسي. مع انسحاب تسيبي ليفني من السباق الانتخابي اختفى (وربما أيضاً صمت) الصوت الوحيد الذي تحدث عن الحاجة الملحة إلى معالجة الموضوع السياسي.
لا شك في أن اختفاء المشكلة الفلسطينية من جدول الأعمال هو نجاح كبير لليمين الذي نجح في تحويل الانتباه عن المشكلة التي من المفترض أن تكون الأهم في المعركة الانتخابية. الفلسطينيون أيضاَ ساهموا في هذه الخطوة، من خلال الخطابات الحادة التي قوّت من الشعار المعروف لنتنياهو وآخرين، والذي بحسبه “لا يوجد من نتحاور معه”.
الهدوء النسبي في مناطق السلطة وفي منطقة ج في الضفة الغربية، واستمرار التعاون الممتاز بين الجيش الإسرائيلي وبين قوات الأمن الفلسطينية (الذي يجري معظمه أو كلّه من وراء الكواليس) يعززان الدعاية المغلوطة بأن الزمن يعمل لمصلحة إسرائيل، وخصوصاً لمصلحة الذين يعملون على تعزيز الاستيطان اليهودي في المناطق المحتلة. لكن ساعة الرمل للنزاع ما تزال تتكتك، ومن المتوقع عاجلاً أو آجلاً حدوث انفجار. الاعتراف الآن بالنتائج المدمرة لعدم حل المشكلة الفلسطينية يمكن أن يؤدي إلى بدء عملية تؤدي إلى مصالحة تاريخية بين الشعبين. وفي استطاعة الانتخابات أن تؤدي دوراً مركزياً في تغيير السياسة إزاء الفلسطينيين.
ضرورة الإسراع في معالجة المشكلة ناجم عن سببين على الأقل. السبب الأكثر إلحاحاً يتعلق برئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس الذي بلغ الـ83 من العمر، وصحته ليست جيدة. معارضته المتواصلة استخدام العنف، ودوره في اتفاقات أوسلو وتمسُّكه بها شكّلا مدماكاً مهماً في علاقات إسرائيل بالفلسطينيين. لم يكن عباس خالياً من الأخطاء مثل رفضه (أو عدم تجاوبه) مع اقتراحات أولمرت في سنة 2008، والإدلاء بتصريحات حادة، وخصوصاً بعد قرار دونالد ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، لكن عباس هو أكثر الزعماء الذين عرفتهم الحركة الفلسطينية اعتدالاً. لم يعيّن عباس وريثاً له، والصراع على الزعامة يمكن أن يكون قبيحاً وعنيفاً، وأن يجعل أيضاً من الصعب إجراء مفاوضات.
السبب الثاني للإلحاح يتعلق بالمسار الديموغرافي الجاري في المنطقة الممتدة بين نهر الأردن والبحر المتوسط (إسرائيل، الضفة الغربية، غزة). عدد الفلسطينيين هناك يتساوى تقريباً مع عدد اليهود. وهذا المسار سيؤدي إلى واقع نشوء دولة واحدة، غير يهودية (في أغلبيتها) وليست ديمقراطية (في هويتها).
الغموض المتوقع أن يسود مع نهاية عهد عباس يقود بالطبع إلى تساؤل: هل من الصائب إجراء مفاوضات مع الفلسطينيين في هذه الفترة، وخصوصاً في الوقت الذي يبدو الانقسام بين “فتح” و”حماس” غير قابل للحل؟ لكن يجب أن نتذكر أن اتفاقات أوسلو وُقّعت مع عرفات عندما كان في ذروة ضعفه في العالم العربي. جرى ذلك بعد أن خسرت إنجازاته في الانتفاضة قوتها جرّاء تأييده غزو العراق الكويت في سنة 1990. إن قيام حكومة تقود سياسة جديدة إزاء الفلسطينيين في إمكانها أن تمنح اعترافاً بسياسة عباس التصالحية، وبذلك تتعزز مكانته وموقفه في المجتمع الفلسطيني في مواجهة الخيار النضالي الذي تقترحه “حماس”. حقيقة أن شارون جعل عباس بمثابة مقاول تنفيذي لخطة الانفصال عن غزة ولم يجعله شريكاً في الانسحاب، ساهمت في جعل “حماس” قادرة على تصوير ما حدث على أن الانسحاب الإسرائيلي جاء نتيجة نضال عسكري، كما فعل حزب الله بعد انسحاب إسرائيل من الجنوب اللبناني.
لقد كانت حكومات إسرائيل بخيلة في تقديم بادرات حسن نية إلى عباس؛ الحكومة الحالية لم تقدم له ذرة إنجاز ولا اعترافاً بالبناء الفلسطيني في قلقيلية الذي من المفترض أن يوسع قليلاً أراضي السلطة. لقد كان هذا جزءاً من عملية أوسع، بالتنسيق مع بعض الدول العربية المعتدلة، كان الهدف منها أن تكون خطوة تسبق البدء بمفاوضات إسرائيلية – عربية وتقديم بادرات من الجانب العربي. لكن نتنياهو خضع لضغط من أطراف اليمين في حكومته. وتحول هذا إلى نمط في سلوكه: إحراز تقدُّم من وراء الكواليس، لكن في العلن التراجع إلى الوراء.
نتنياهو وشركاؤه في اليمين عثروا على طريقة للالتفاف على القضية الفلسطينية عبر التوجه إلى الدول العربية المعتدلة التي تتخوف من إيران ومن الإرهاب وتعتبر إسرائيل شريكاً محتملاً في هذا الصراع. صحيح أن هذه الدول غير مهتمة بصورة خاصة بالموضوع الفلسطيني وترغب في إزاحة هذا الحمل عن ظهرها، لكن ما دامت إسرائيل لا تتقدم في حل النزاع، ليس من الممكن خرق السقف الزجاجي الذي يحول دون العلاقات العلنية، وستبقى العلاقات في معظمها مخفية وراء الكواليس. لدى زعماء الدول العربية ما يكفي من المشكلات الداخلية ولا ينقصهم أن يخاطروا بالقيام بخطوات رسمية مع إسرائيل من دون الحصول على مقابل سياسي يخدمهم في الساحة الداخلية. لكن بالاستناد إلى استطلاع أجراه معهد “متفيم”، يعتقد 54% من المواطنين اليهود في دولة إسرائيل أن الدول العربية ستطبّع علاقاتها مع إسرائيل أيضاً من دون الفلسطينيين. كل ذلك لأن نتنياهو أقنعهم أن ذلك ممكن.
الانتخابات المقبلة فرصة، ربما هي الأخيرة، لإعادة القضية الفلسطينية إلى مركز جدول الأعمال الوطني. وذلك انطلاقاً من الإدراك أن أي تقدم مهم في حلها هو بمثابة إحراز تقدم مهم أيضاً في حل المشكلات الأساسية لدولة إسرائيل.

المصدر: صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية، عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية

Optimized by Optimole