هروب إسرائيل من لبنان هو الذي خلق تهديداً استراتيجياً متواصلاً

قدرات حزب الله
Spread the love

بقلم: مئير إيندور – مقدّم احتياط إسرائيلي ورئيس “منظمة متضرري العمليات ألماغور” –

صدَق معارضو الانسحاب من لبنان حين حذروا من أن الفراغ الذي سيخلّفه الجيش الإسرائيلي وراءه هناك سرعان ما سيمتلئ بقوات حزب الله. لكن حتى هؤلاء لم يكونوا يتوقعون هذه الكميات الهائلة من الصواريخ الطويلة المدى والقذائف القصيرة المدى التي ستملأ كل منطقة “الحزام الأمني”. فقد أصبح هذا الحزام منطقة تجميع وانتظام وانطلاق بالنسبة إلى مخرّبي حزب الله، كمبعوثين للإيرانيين، في طريقهم إلى “احتلال تل أبيب”، على حد تعبيرهم، وشمال الجليل. ولم يتوقع هؤلاء، بالتأكيد، هذه الأنفاق الذكية التي أُعدّت لنقل قوات الكوماندوز التابعة لحزب الله إلى داخل الأراضي الإسرائيلية.
عندما انكب إيهود باراك ويوسي بيلين، مهندسا الانسحاب – الفرار [من الجنوب اللبناني]، على التخطيط له، لم يتوقع حتى المعارضون لهما أن يضع حزب الله خططاً لاحتلال أجزاء من إسرائيل. أقصى ما كان في تقديرات هؤلاء هو استئناف عمليات القصف على مدينة كريات شمونه ومنطقة شمال الجليل. كانت هذه هي مساحة الجدل بين الصقور والحمائم، وكانوا ينتظرون اعترافاً وتقديراً دوليين لقاء الانسحاب الإسرائيلي.
العميد احتياط إيفي إيتام كان بين الذين شاركوا في القتال ضد حزب الله، حين كان قائداً لشعبة الجليل، المسؤولة عن قوات جيش لبنان الجنوبي في الجنوب اللبناني، في الفترة 1997- 1999. كان إيتام أحد أشد معارضي الانسحاب من منطقة “الحزام الأمني”، والذي تم بعد نحو سنة من إنهاء مهماته العسكرية هناك. وهو من قال عن تلك الفترة: “حين تركتُ الفرقة 91، كنت في الواقع القائد الأخير الذي رأى الجيش الإسرائيلي يقاتل حزب الله. بعد ذلك جاء الهروب. نجحنا، على مدى فترة طويلة، بواسطة وحدات خاصة وعادية ومن خلال استخدام وسائل خاصة في الميدان، في منع حزب الله من تحقيق أهدافه. ومجرد التماس اليومي، وحقيقة أننا كنا نحافظ على وجود دائم لنا في الميدان، وأن قوات لنا بقيت أحياناً 90 ساعة وأكثر بين الأشجار في وادي السلوقي وفي شقيف النمل وشقيف الصالحاني، وحقيقة أننا كنا على تماس دائم معهم كل الوقت – هذه كلها لم تسمح لهم بتنفيذ ما استطاعوا تنفيذه لاحقاً، ثم الاستقرار في المنطقة وبناء هذا الوحش الإرهابي. ولقد نجحوا في تحقيق هذا كله بعد أن أخلينا لهم الميدان فقط”.
لم يكن الانسحاب، إذاً، نتاج أسباب واعتبارات أمنية أو سياسية، وإنما نتاج حملة دعائية واسعة وقوية نظمتها منظمة “أربع أمهات” ومؤيدوها في وسائل الإعلام، ومن خلال استغلال سيء ومغرض لأعداد الضحايا من الجنود الإسرائيليين، وهو ما جعل الوجود الإسرائيلي في الجنوب اللبناني أمراً مقيتاً. قارِنوا بين عدد الضحايا قبل الانسحاب وبعده: خلال السنوات الأخيرة كان عدد القتلى في تراجع. في الفترة 1993-1997، سقط قتيلان خلال شهر كامل، وفي سنة 1999، انخفض العدد إلى قتيل واحد في الشهر، في المعدل. لقاء هذا التوفير في عدد المصابين، دفعنا الثمن أضعافاً مضاعفة في حرب لبنان الثانية: 165 قتيلاً، بينهم 44 مدنياً و121 جندياً. وعلاوة على ذلك، كانت منطقة الشمال بأكملها ـ بما في ذلك حيفا أيضاً ـ تحت نيران القصف الصاروخي.
نحن الآن على عتبة مرحلة أُخرى. فهل تعلمنا الدرس؟ هل نفهم أننا بحاجة ماسة إلى “أحزمة أمنية” ثابتة ودائمة عند حدودنا المرشحة للانفجار على الدوام؟ ليس أنه من غير اللائق، مبدئياً وأخلاقياً، التنازل عن أجزاء من أرض الوطن فقط، إنما أيضاً يبدو الأمر غير مُجد من الناحية الأمنية. إن أي جزء من أرض إسرائيل يجري التنازل عنه، سيتحول بالضرورة إلى منطقة تركيز للعدو ضدنا.
لم يعد ثمة أي شك اليوم في أن الهروب من الجنوب اللبناني هو الذي سبّب حرب لبنان الثانية وخلق تهديداً استراتيجياً متواصلاً برعاية إيرانية في الجبهة الشمالية. وبدلاً من تحصين أنفسنا بجدران من الأسمنت، تحت الأرض وفوقها، يجب علينا العودة إلى سياسة السيطرة على حزام أمني في الشمال، كي نطرد من هناك عشرات آلاف منصات إطلاق الصواريخ التي تهدد شمال إسرائيل ووسطها.

المصدر: صحيفة “يسرائيل هيوم”، عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية

Optimized by Optimole