هآرتس: نتنياهو واليمين ربما هما يحتفلان، لكن تصريح بومبيو فارغ من المضمون

Spread the love

حيمي شاليف – محلل سياسي اسرائيلي/

إعلان وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، أن الولايات المتحدة لا ترى في المستوطنات خرقاً للقانون الدولي، أفرح المستوطنين ومؤيديهم هنا وهناك. وأيضاً قدم هدية إلى لاعبين مركزيين: منح رئيس الحكومة شيئاً من التشجيع في توقيت سياسي حرج، وأحرج خصومه الذين اضطروا إلى أن يرددوا من بعده: آمين. وهو سيساعد دونالد ترامب في تحصين تأييد الإنجيليين له في مواجهة صراعات العزل والانتخابات [الرئاسية] القريبة. وبدرجة لا تقل عن ذلك، سيساعد التصريح بومبيو نفسه الذي يفكر في الترشح لمنصب سيناتور في كنساس التي ثلث سكانها من الإنجيليين مثله.
لكن أضرار القرار عميقة وأكثر أهمية: فهو يقضي على القليل المتبقي من ادّعاء إدارة ترامب التوسط في النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني؛ ويزيد من اليأس والإحباط في رام الله؛ ويعمّق عزلة إسرائيل والولايات المتحدة في الساحة الدولية في كل ما يتعلق بالنزاع- ويقوي إصرار أوروبا على محاربة المستوطنات؛ وهو أيضاً يربط المستوطنات بإرث ترامب. وبذلك يقوي معارضة الديمقراطيين، ويزيد من فرص تحركهم ضد المستوطنات بشدة أكثر إذا نجحوا في السيطرة مجدداً على البيت الأبيض.
لصالح نتنياهو، سيُقال إن ردات الفعل في إسرائيل تثبت أنه لا يزال في أوج قوته، وأنه ضليع وعالم بالرأي العام: ليس هناك شخص مثله يستطيع أن يقنع الجمهور بأن الحلية البلاستيكية الرخيصة الثمن التي قدمها ترامب هدية، هي مصنوعة فعلاً من الذهب والألماس. نتنياهو عجن الرأي العام بحيث تُستقبل تعهدات ترامب الشفهية من القدس، مروراً بهضبة الجولان، وصولاً إلى المستوطنات، كإنجاز سياسي واستراتيجي من الطراز الأول، وكل من يقول غير ذلك يصنَّف أنه يكره إسرائيل. ذلك على الرغم من حقيقة أن كل هذه التعهدات لم ولن تغير شيئاً حقيقياً على الأرض، ولم ولن يفيد مواطني إسرائيل بشيء، بل ربما على العكس.
بالإضافة إلى ذلك، تصريح بومبيو بشأن المستوطنات هو أقل تاريخية ودراماتيكية مما أشادت به العناوين الأولى الحماسية. هو بالتأكيد كسابقة أقل أهمية من الاعتراف الأميركي بالقدس وبهضبة الجولان الذي، بخلاف المتوقع، لم يؤد إلى مسارعة موجة من الدول إلى أن تحذو حذو الرئيس الأميركي.
حتى الآن، هذه القرارات التاريخية التي تُوّج من أجلها ترامب ملكاً ومسيحاً مخلّصاً لإسرائيل، يجري التعبير عنها في الأساس بلوحتين: الأولى، بمناسبة إقامة المستوطنة الوهمية في هضبة الجولان التي حملت اسم ترامب، والثانية، موجودة في مدخل مبنى في القدس كان من المفروض أن يكون مركزاً للسفارة هناك، لكنه يُستخدم في الأساس لالتقاط الصور لكبار مسؤولي الإدارة الأميركية الذين يزورون إسرائيل.
مثل القرار الأميركي التخلي عن الاتفاق النووي مع إيران – الذي يخبو رونقه مع مرور الزمن – فإن جذور تصريح بومبيو مغروسة عميقاً في رغبة ترامب القوية في عمل كل شيء بعكس أوباما، وفي تفكيك إرثه وعدم إبقاء شيء منه. على الرغم من ذلك، وبخلاف الضجيج والأبواق، لا يخرج تصريح بومبيو عن الإطار الواسع للسياسة التقليدية للولايات المتحدة إزاء المستوطنات.
منذ بداية وجودها، تُعتبر المستوطنات في نظر الأميركيين “عقبة في وجه السلام”. لكن في نهاية ولاية جيمي كارتر، وقبل أشهر معدودة من هزيمته أمام رونالد ريغن، خرج عن الصيغة المعهودة هذه ورفع بطاقة حمراء إزاء المستوطنات، وقال إنها “ليست قانونية”. تصريحه ظل نافذاً أقل من سنة: في 4 شباط/فبراير 1981، أعلن ريغن أنه لا يتفق مع كارتر، وأن المستوطنات في رأيه ” ليست غير قانونية”. موقفه لم يمنع من وصفها بأنها عقبة أمام السلام. وقبيل نهاية ولايته، أمر بأن تمتنع الولايات المتحدة من التصويت في مجلس الأمن في الأمم المتحدة على قرار يقول إن إقامة مستوطنات يشكل خرقاً لوثيقة جنيف الرابعة (التي تناولت الدفاع عن السكان المدنيين خلال الحرب في أرض محتلة). لقد سبق ريغن أوباما، لكن لسبب ما لم ينل لنفس القدر من الشتائم والسباب من اليمين.
وريثه جورج بوش الأب – كسفير للولايات المتحدة في الأمم المتحدة في سنة 1971، كان أول من استخدم كلمة “غير قانونية” فيما يتعلق بالمستوطنات، لم يخرج عن صيغة ريغن، مع أن نظرته لعلاقته بالمستوطنات كانت أكثر سلبية. لقد أثار بوش مشكلة كبيرة مع إسرائيل عندما حاول اشتراط منح ضمانات قروض قدرها عشرة مليارات دولار لاستيعاب الهجرة [إلى إسرائيل] بتجميد المستوطنات. وبعد صراع طويل مع يتسحاق شمير العنيد، انتصر بوش بالنقاط ، لكنه خسر الرئاسة بعد أشهر معدودة.
بيل كلينتون الذي جاء بعده، فنّان المشي بين النقاط اكتفى بالقول إن المستوطنات تتعارض مع اتفاقات أوسلو. وتحت غطاء المفاوضات، غضّت إدارته النظر عن استمرار نموها. جورج بوش الابن الذي جاء بعده إلى البيت الأبيض، تأرجح بين التنديد الصارم بتوسيع المستوطنات، والرسالة التي بعث بها إلى أريئيل شارون في سنة 2004، ولمّح فيها لأول مرة إلى الدعم الأميركي لبقاء كتل المستوطنات تحت السيادة الإسرائيلية.
أوباما وإدارته رفضا الاعتراف بصلاحية هذه الرسالة، وعارضا بشدة المستوطنات، وطالبا بتجميدها، لكنهما فضّلا وصفها بأنها “غير شرعية”، توصيف يبعد فقط خطوة واحدة عن “غير قانونية”. كذلك انتظر أوباما حتى نهاية ولايته قبل أن يسمح للناطقين بلسانه وصفها بأنها “غير قانونية”، ومثل كارتر، امتنع من التصويت في مجلس الأمن بشأن اعتبارها كذلك، ومثل ريغن لم يمنع هذا اليمين اليهودي في إسرائيل والولايات المتحدة من تتويجه كأسوأ رئيس بالنسبة إلى إسرائيل في التاريخ.
الذي بقي ثابتاً، وربما أيضاً لا رجعة عنه، هو الوضع فعلياً: منذ تصريح كارتر زاد عدد المستوطنين نحو 50 مرة، وارتفع من 12 ألفاً إلى 600 ألف الآن. هم يفرضون وقائع على الأرض، وهذه تزيد من إحباط الفلسطينيين ويأسهم، وتبعد أي احتمال للتقسيم وحل الدولتين، وتقرّب إسرائيل من تقاطع حاسم بين الضم والأبرتهايد.
يعكس تصريح بومبيو القوة الحاسمة وغير المحدودة للمستوطنين الذين نجحوا في أن يجندوا الإنجليين إلى جانبهم، وأيضاً السفيرين رون دريمر وديفيد فريدمان اللذين عملا كمجموعة ضغط سياسية لمصلحتهم. ويعكس هذا التصريح الأفول المقابل لليسار الإسرائيلي الذي بالكاد أصدر صوتاً ضعيفاً يدل على عدم جدواه. وهو يدل على أن الأفكار التي كانت ذات مرة تنتمي إلى إرث اليمين المتطرف فقط تحولت مع السنوات وتحت يد نتنياهو الواثقة إلى إجماع قلائل فقط يجرؤون على الاعتراض عليه.
التصريح يفرح اليمين، ويغضب اليساريين ويشغل الصحافيين والمعلقين، لكنه لا يحتوي على شيء يمكن أن يغير الوضع القانوني عملياً أو المقاربة الأوروبية إزاء المستوطنات. وهو لن يمنع التنديد بإسرائيل، ولن يغير تصويت الولايات المتحدة الذي كان أصلاً تصويتاً إلى جانب إسرائيل في المحافل الدولية. وهو أيضاً لن يزيد وتيرة نمو المستوطنات التي تنمو من تلقاء ذاتها، والتي لا تهم ترامب إطلاقاً.
في نهاية الأمر، ما يجري هو أكثر ضجة صاخبة على لا شيء، تصريح يساعد قليلاً ترامب ونتنياهو، وربما أيضاً بومبيو. المستوطنون ومؤيدوهم صدحوا بالهتافات ترحيباً، على الرغم من احتمال أن يتحول تصريح بومبيو ضدهم في اليوم الذي سيغادر ترامب السلطة. حتى الآن لديهم سبب للاحتفال، على الرغم من أن ما يجري، في نظر العالم وعدد قليل من الإسرائيليين، يذكّر بالعشاء الاحتفالي على ظهر سفينة التايتانيك.

المصدر: صحيفة هآرتس الاسرائيلية – عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية

Optimized by Optimole