“هآرتس”: جيّد الموت من أجل الضفة الغربية

Spread the love

بقلم: تسفي برئيل – محلل سياسي إسرائيلي —

الضحيتان الأخيرتان في الحرب الدائرة في الضفة الغربية بين الفلسطينيين واليهود هما الحاخام أحيعاد إيتنغر، أب لـ12 ولداً، والرقيب أول غال كيدان ابن الـ19 عاماً. هذا التضافر الرمزي للضحيتين في الواقع الإسرائيلي أمر طبيعي جداً: الأول مستوطن، والآخر اضطر للدفاع عنه.
جنود يخدمون في ساحة حرب هم “أمر اعتيادي”. يصابون بجروح، يُقتلون، ويَقتلون. وجود مدنيين يهود، بينهم عشرات آلاف الأولاد في ساحة ملتهبة كهذه ليس فقط أمراً غير مفهوم، بل لا يُغتفر.
لم يُسمح لمواطنين إسرائيليين بالدخول إلى ساحات القتل في لبنان خلال الحرب، وأُخرجوا من غزة بعد فترة طويلة من التعرض للهجمات، ومنذ نحو 12 عاماً هم ممنوعون من الدخول إلى القطاع. الخدعة التي تبيعها الحكومة للجمهور هي أنه لا توجد حرب في الضفة، وكل شيء هادىء، وفي إمكاننا مواصلة البناء والتشييد، وبناء العائلات، وإنقاذ أرض إسرائيل من دون أن ندفع ثمناً من الدماء.
في الوقت عينه لا يتوقف الشاباك والجيش عن تقديم تقارير إلى الحكومة وإلى المراسلين العسكريين بشأن تصعيد متوقع وثورة على الأبواب، وهناك من يقول أن التصعيد هنا منذ الآن، كأن الواقع في الأوقات الخالية من التصعيد طبيعي، آمن، ومستقر. مصطلح التصعيد بالذات على أن العكس هو الصحيح. في المواجهات العنيفة الدائرة منذ أكثر من 52 عاماً هناك صعود وهبوط، ويُقاس هذا في الأساس من خلال عدد الهجمات وحجم المصابين، لكن الخط البياني للتوتر لم يهبط إلى الصفر، مع العلم أن الأرقام تميل إلى مصلحة اليهود. في سنة 2018 قُتل 18 إسرائيلياً، بينهم 6 جنود و8 مدنيين، في مقابل 290 فلسطينياً (254 في غزة، و34 في الضفة واثنان في إسرائيل، بالاستناد إلى تقرير “بتسيلم”). النسبة نحو 20 فلسطينياً في مقابل إسرائيلي واحد.
هذه النسبة من القتلى هناك من يعتبرها أكثر من محتملة، وترمز إلى إنجاز كبير. لقد كانت أرقام القتلى خلال خمس سنوات الانتفاضة الثانية أسوأ بكثير. نحو 3 وحتى 5 فلسطينيين في مقابل إسرائيلي واحد (هذا يعود إلى المصادر التي نقلت أرقام القتلى الفلسطينيين).
يمكن أيضاً الادعاء أنه مقارنة بمناطق محتلة أُخرى، في الجزائر أو في دول أفريقيا على سبيل المثال، إسرائيل تتمتع باحتلال دولوكس من الدرجة الأولى. وهْم جنّة عدن متأصل في النفوس إلى حد أن إطلاق صاروخين أو مقتل جندي ومدني يتحولان إلى فضيحة وطنية وإهانة لا تُغتفر، تتطلب فوراً انتهاج الوسائل الأكثر شدة ضد الفلسطينيين. والموضة الأخيرة هي المطالبة باغتيال زعماء “حماس”. لقد جرى نسيان الاغتيالات بالجملة، التي كان بعضها موضعياً وكثير منها لم يكن كذلك، وهي لم تحبط شيئاً.
أيضاً عاد إلى الازدهار الادعاء الكاذب أن جهاز القضاء يلجم الجيش ويمنعه من الانتصار، كما أوضحت وزيرة العدل أييليت شاكيد الخبيرة، كما ترى نفسها، في محاربة الإرهاب. هي لم تشرح لماذا جهاز القضاء نفسه والجيش نفسه يسمحان لنصف مليون هدف يهودي بالاستمرار في السكن في مرمى النيران هذا. ولماذا تواصل هذه الحكومة تشجيع مواطنين على تعريض حياتهم وحياة أولادهم للخطر.
إنها حكومة تضلل مواطنيها وتجعلهم يفكرون في أنه ليس هناك حرب في المناطق، وحتى أنه لا يوجد احتلال. هي تحتضن هؤلاء المضللين والمغالطين، وتمسّد على رؤوسهم وتعزيهم بأنه مع سقوط كل ضحية زادت قوة إسرائيل. وهي تمنح عملهم وسام المعجزة، وتصفه بأنه “رد صهيوني ملائم”، كما لو أن قيام دولة إسرائيل لم ينته وأن الصهيونية ما تزال تناضل لإثبات وجودها.
تقول الحكومة، الصهيوني الجيد لا يُقتل دفاعاً عن الوطن الذي أُقيم، بل هو مدين بحياته لمشروع توسيع هذا الوطن. وإذا كان قدره أن يموت فمن الأفضل أن يفعل ذلك في الضفة الغربية، في المكان الذي يستطيع أن يتبرع بجثته لصهيونية مقاولات تقيم على اسمه منزلاً جديداً أو حياً جديداً.

المصدر: صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية، عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية

Optimized by Optimole