“هآرتس”: اليونسكو ليست معادية للسامية

“هآرتس”: اليونسكو ليست معادية للسامية
Spread the love

بقلم: يونتان مزراحي – عالم آثار إسرائيلي ومدير منظمة “عيمك شافيه” للمحافظة على التراث والأماكن الأثرية —

•مباشرة بعد إعلان اليونسكو إدراج مدينة الخليل والحرم الإبراهيمي على لائحة التراث العالمي، سارع رئيس الحكومة الإسرائيلية وسياسيون من اليمين إلى القول للجمهور إن القرار معاد للسامية، وينكر العلاقة التاريخية لشعب إسرائيل بأرضه. وكان هناك من ربط القرار بالمحرقة النازية. ومن دون الدخول في مسألة ما إذا كان العالم يقوده معادون للسامية ينكرون حق إسرائيل في أرض إسرائيل، يجب أن نوضح أن اليونسكو ليست منظمة معادية للسامية، وإن قرارها بشأن مدينة الخليل كموقع تراثي عالمي معرض للخطر، ليس قراراً معادياً للسامية ولا يتجاهل العلاقة اليهودية بالحرم الإبراهيمي. ويشيرالفلسطينيون أنفسهم في اقتراح القرار إلى أن الحرم الإيراهيمي مقدس بالنسبة للدين اليهودي والمسيحي والإسلامي.

•اليونسكو هيئة سياسية، لذا فإن قراراتها سياسية. ومثل كل منظمات الأمم المتحدة، فهي مؤلفة من دول أعضاء هي المسوؤلة عن السياسة وتنفيذها. بالإضافة إلى ذلك، يوجد في اليونسكو هيئات مختصة تعمل في التربية والعلوم والثقافة والإعلام. ويتركز اهتمام الإسرائيليين والفلسطينيين بصورة خاصة في لجنة التراث العالمي المسؤولة عن الإعلان عن مواقع تراثية عالمية. وتتخذ قرارات اللجنة بالاستناد إلى معايير مثل فرادة معمارية، وفرادة تاريخية، والأهمية التراثية أو الدينية للموقع، ومشاهد طبيعية فريدة. وهناك 10 معايير يجري بالاستناد إليها فحص أهمية الموقع. وكي يدرج كموقع تراثي عالمي، يجب أن يتوفر فيه معيار واحد على الأقل. ويستند الاعتراف بمواقع إلى اتفاقية الدفاع عن المواقع التراثية والثقافية والطبيعية العالمية (الصادرة سنة 1972) التي وقعتها إسرائيل أيضاً.

•في اليونسكو، يدمج جميع اللاعبين الحجج المهنية بالعمل الدبلوماسي الذي يهدف إلى الدفع قدماً بمصالح دولهم. وتتحمل المسؤولية عن مواقع تراثية عالمية الدول التي توجد فيها هذه المواقع، وليس القبائل أو الشعوب أو الديانات أو المجموعات الأثنية. وعلى سبيل المثال، اعترفت اليونسكو بالحدائق البهائية في إسرائيل كموقع تراثي، على الرغم من أن البهائيين يشكلون واحد بالألف من سكان إسرائيل. ولا يعني اعتراف اليونسكو بأن الحدائق تعود إلى الشعب اليهودي، بل إنها موجودة في أرض إسرائيل، وفرادتها تجعلها تستحق إدراجها ضمن قائمة المواقع التراثية العالمية. كذلك، فإن اعتراف اليونسكو بـ”طريق البخور” في النقب لا يعني أن الثقافة النبطية تمثل الأجداد الإسرائيليين، بل إن هذا الموقع له من الأهمية ما يجعله يستحق الاعتراف به. وقد استندت المطالبة بالاعتراف بمدينة عكا كموقع تراثي عالمي إلى كونها مدينة صليبية، تربط بين الشرق والغرب، وإلى أنها كانت مدينة عثمانية مركزية خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر. لقد جرى الاعتراف بالحرم الإبراهيمي الشريف كموقع مقدس بالنسبة إلى اليهود والمسيحين والمسلمين (واللافت أن اليهود جاء ذكرهم في بداية الاقتراح الفلسطيني)، واعتُرف بالمدينة القديمة في الخليل كموقع تراثي عالمي لأنها تمتاز بنسيج معماري خاص من الفترة المملوكية. ولا يعني القرار عدم وجود علاقة بين شعب إسرائيل والخليل، بل بالنسبة إلى اليونسكو تشكل الخليل جزءاً من الضفة الغربية وتنتمي إلى فلسطين. ومنذ 2011 أصبحت فلسطين عضواً كاملاً في اليونسكو ومن حقها أن تقترح مواقع تراثية كمواقع عالمية، ولا يلغي هذا العلاقة اليهودية بالمدينة.

•إسرائيل غاضبة على اليونسكو لأنها موجودة في مصيدة دبلوماسية. فمنذ اللحظة التي اعترفت فيها منظمات الأمم المتحدة بفلسطين كدولة، فإنها تعمل وفقاً لقاعدة أن جميع الدول متساوية ومطلوب منها احترام القانون والمواثيق الدولية. يتعامل الفلسطينيون مع اليونسكو كما هو مطلوب ومتوقع. ويحاولون بواسطتها الحصول على اعتراف دولي بحقوقهم الوطنية. وبالنسبة إليهم، فإن مواقع التراث العالمي هي أدوات لمحاربة الاحتلال الإسرائيلي. وتسير آلية اتخاذ القرارات وفقاً للإجراء المتبع منذ عشرات السنوات: تقدم الدول ملف موقع، وتشرح لماذا يجب إدراج الموقع كموقع للتراث العالمي. تراجع لجنة من خبراء مختصين ملف الموقع، وبعد ذلك يجري التصويت في لجنة التراث العالمي. ولا علاقة للعملية بالعداء للسامية، أو بتجاهل تراث هذا الشعب أو ذاك. على العكس من ذلك، تتباهى اليونسكو بالدفاع عن ثروات الثقافة العالمية ضد المصالح الخاصة. وتحاول إعلاء مكانة هذه المواقع بوصفها تنتمي إلى البشرية بأسرها وإبعادها عن الحروب والدمار. والطرف المسؤول الذي اختارت اليونسكو تعيينه كمدافع عن هذه الثروات الثقافية هو “الدولة” التي يوجد الموقع داخل تخومها.

•عندما نفهم كيف تعمل اليونسكو نفهم أيضاً أن التخوف الإسرائيلي ليس من اندلاع متجدد للعداء للسامية في العالم. ومن المؤكد أنه ليس كل قرار سياسي معارض لإسرائيل ينبع من العداء للسامية. إن التخوف الإسرائيلي هو من تزايد الاعتراف الدولي بفلسطين كدولة. ومن المهم التذكير بأن الاعتراف بفلسطين كعضو في اليونسكو لا يلغي حدود إسرائيل وفقاً لخطوط 1967، بل يتطرق إلى الضفة الغربية فقط. وبناء على ذلك، فإن قرار اليونسكو إدراج الحرم الإبراهيمي ضمن قائمة مواقع التراث العالمي ليس معادياً للسامية. فالقرار يعترف بعلاقة الدين اليهودي بالخليل، كما يتضمن أيضاً اعترافاً بعلاقة الإسلام والمسيحية بالمكان. وهذا الاعتراف تحده حدود هي الحدود السياسية لفلسطين.

المصدر: صحيفة هآرتس الإسرائيلية، عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية.

Optimized by Optimole