هآرتس: التهديد الإيراني لإسرائيل من اليمن واقعي، حتى لو أن الكشف عنه يخدم نتنياهو

Spread the love

عاموس هرئيل – مراسل عسكري اسرائيلي/

قبل أن يسيطر تحقيق الشرطة الجديد مع مستشار نتنياهو تماماً على جدول أعمال وسائل الإعلام، قام نتنياهو بإعلان أمني مثير للاهتمام. في الأول من أمس، وخلال مؤتمر صحافي مشترك مع وزير المال الأميركي، ستيفن منوشين، أعلن رئيس الحكومة أن إيران نصبت مؤخراً صواريخ بعيدة المدى في اليمن، كي تهدد من هناك أيضاً إسرائيل.
أي معلومة أمنية جديدة تُنشر في هذه الأيام يجب أن تُقابل معها بقدر معين من الشكك. المصالح المتعددة من وراء إبراز تهديدات إيران واضحة للغاية. كثيرون من كبار المسؤولين الذين يتحدثون عن خطورة الوضع الإقليمي لديهم هدف سياسي واضح جداً – تأليف حكومة وحدة وطنية. لكل واحد أسبابه، وكلما كان الوضع الأمني أخطر، كلما تزداد فرص إقامتها.
بالنسبة إلى نتنياهو، هذا يمكن أن يكون سبيلاً للبقاء في السلطة، على الرغم من الفشل الثاني له على التوالي في المعركة الانتخابية. بالنسبة إلى رئيس أزرق أبيض بني غانتس، هذا على ما يبدو، إمكان يفضله لتقاسُم مسؤولية قيادة الدولة (الأمر الذي لا يزال شركاؤه في قيادة الحزب يتحفظون عنه بشدة) – بالنسبة إلى رئيس الدولة رؤوفين ريفلين، هذا هو الحل الذي سيعيد المنظومة السياسية إلى مسارها – وربما يسرّع بداية نهاية حقبة نتنياهو. ورئيس الأركان أفيف كوخافي، بحاجة ماسة إلى حل المأزق السياسي، كي يصبح في إمكانه تطبيق خطته المتعددة السنوات للجيش الإسرائيلي، والتي في جزء منها من المفترض أن تقدم رداً على التهديدات الجديدة من جانب الإيرانيين والتنظيمات المتعددة التي تعمل بوحي منهم.
وبرغم ذلك، المعلومة الجديدة بشأن اليمن مهمة جداً. فهي تقدم الجزء الثاني من صورة التهديدات التي لم تكن ظاهرة للجمهور حتى الآن. الاستخبارات العسكرية حذّرت في الشهر الماضي من احتمال أن تحاول إيران مهاجمة إسرائيل من غرب العراق، بواسطة إطلاق صواريخ بحرية أو طائرات من دون طيار، من القواعد التي أقامتها في المنطقة بمساعدة الميليشيات الشيعية التي تشغّلها. يبدو أن السيناريو الثاني يتعلق باليمن: لقد زودت طهران المتمردين الحوثيين بطائرات من دون طيار وبصواريخ سكود التي هاجموا بواسطتها مطارات ومنشآت نفطية في السعودية في السنوات الأخيرة. حالياًـ يُفهم من كلام نتنياهو أنه قد أُضيفت إلى البنية التحتية العسكرية الإيرانية في اليمن أيضاً صواريخ باليستية بعيدة المدى.
نظراً إلى أن المسافة بين الجزء الشمالي من اليمن وإيلات، النقطة التي تقع في أقصى جنوب إسرائيل، هي أكثر من 1800 كيلومتر، من المحتمل أن المقصود هو تنويعة من الصاروخ المسمى “خومشهر” أو موسودان”، الصاروخ الأصلي من إنتاج كوريا الشمالية، ويصل إلى مدى نحو 4000 كيلومتر. في الماضي تحدثت وسائل الإعلام الدولية عن زيادة الإيرانيين وزن الرأس المتفجر للصاروخ من 500 كيلوغرام إلى نحو طن ونصف أو طنين، في موازاة ذلك قلصوا مداه إلى ألفي كيلومتر. في مسألة المسافة ووزن الرأس المتفجر، الإيرانيون قادرون على أن يضربوا من اليمن أهدافاً كثيرة في جنوب إسرائيل.
يصل مدى الصواريخ الإيرانية طبعاً إلى إسرائيل من إيران نفسها. لكن نشر صواريخ بعيدة المدى في اليمن، بالإضافة إلى إطلاقها من هناك على السعودية في الماضي، يدل على أن الإيرانيين يحضرون أنفسهم لاحتمالات أُخرى. هذه هي الخطة التي كشفها نتنياهو بتفصيلات جزئية في كلامه هذا الأسبوع.
في الخلفية، كما سبق أن كتبنا، الصورة الإقليمية المكدّرة: تراجُع الاهتمام الأميركي بالشرق الأوسط، وقرار إدارة ترامب التخلي عن الأكراد في شمال سورية وتركهم تحت رحمة الأتراك، وعدم وجود رد أميركي على الاستفزازات الإيرانية في الخليج، وعلى رأسها الهجوم بالطائرات المسيّرة والصواريخ البحرية على منشآت النفط في السعودية الذي خلّف أضراراً بالغة؛ الثقة بالنفس التي تظهرها إيران والقدرة العملانية التي قدمتها في السعودية – وحاجة إسرائيل إلى تعزيز استعداداتها الدفاعية لمواجهة صواريخ بحرية تتحرك بالقرب من اليابسة، والتي كان أسلوب الكشف عنها يختلف عن المنظومة الموجهة ضد الصواريخ الباليستية.
في المجالس المغلقة، يتحدث رئيس الحكومة بمصطلحات، هي تقريباً شبيهة بمصطلحات نهاية العالم وقيام الساعة، عن مواجهة محتملة مع إيران، ربما قريباً. يبدو أن نتنياهو يستند إلى تقديرات الاستخبارات بأن إيران قررت وضع “معادلة ردع” جديدة، تردّ بواسطتها على كل هجوم إسرائيلي جديد ضد قواعدها وشحنات سلاحها في الجبهة الشمالية. من المحتمل طبعاً أن تكون المحن القانونية والسياسية التي يمر بها تؤثر في تقديراته، لكن من الصعب تجاهُل كلامه. في الخلفية، تجري المحافظة على حالة تأهب عالية للجيش الإسرائيلي، وخصوصاً سلاح الجو. كل من يسكن بالقرب من قواعد جوية يمكنه أن يلاحظ ذلك في الأسابيع الأخيرة.
لكن التوترات بين إسرائيل وإيران ليست مرتبطة فقط بالطريقة التي سيجري فيها تبادل الضربات بين الدولتين. يتأثر الإيرانيون باعتبارات أُخرى. في الدولتين اللتين لها نفوذ كبير فيهما، العراق ولبنان، سُجلت مؤخراً موجة غير مسبوقة من التظاهرات الشعبية التي أدت إلى استقالة رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري.
هذه الأخبار مثيرة للقلق بالنسبة إلى حزب الله شريك الحريري في الحكومة، على الرغم من تورط الحزب الشيعي في اغتيال والده رفيق سنة 2005. هذه الضغوط – أيضاً استقرار الحكومة العراقية في خطر – يمكن أن تؤثر في ثقة الحكام في طهران بأنفسهم، وربما في ظروف معينة، أن تؤدي إلى لجم سياسة التصعيد التي يقودونها مؤخراً إزاء إسرائيل.

المصدر: صحيفة هآرتس الاسرائيلية – عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية