“هآرتس”: إيران تحاول استخدام أسلوب السلامي، وترامب يستخدم ضدها الفأس

“هآرتس”: إيران تحاول استخدام أسلوب السلامي، وترامب يستخدم ضدها الفأس
Spread the love

بقلم: تسفي برئيل – محلل سياسي إسرائيلي |
قرار إيران تخصيب مخزونها من اليورانيوم إلى مستوى يتعدى المسموح به في الاتفاق النووي، ومن دون أن تحدد هذا مستوى، [أعلنت طهران أمس أنها رفعت مستوى التخصيب إلى 5 بالمئة]. يذكّر بأسلوب السلامي. قبل عشرة أيام زادت كميات اليورانيوم والآن أيضاً “نوعيته”. المرحلة المقبلة، بحسب كلامها، أي بعد شهرين، من المحتمل أن تزيد الكميات وأيضاً التركيز.
لقد سارع بنيامين نتنياهو إلى مقارنة خطوات إيران بخطوات ألمانيا النازية التي ضمت أراضي واحتلتها، بينما تعامل العالم مع التوسع النازي كـ “خطوات غير مهمة” – لكن القصة الإيرانية مختلفة تماماً. وقّعت إيران اتفاقاً جمّد مشروعها النووي فترة عقد ونصف العقد على الأقل. والتزمت بالاتفاق طوال 3 سنوات، إلى أن انسحب دونالد ترامب منه في خطوة أحادية، وفرض عليها عقوبات قاسية جديدة بخلاف موقف سائر الدول التي وقّعت الاتفاق.
الغرض من رد إيران المتأخر إجبار الولايات المتحدة وأوروبا على القيام بدورهما ورفع العقوبات عنها بواسطة أداة التهديد الوحيدة الباقية لديها. هذا هو هدف الخروقات التي بدأت بها بينما لا تزال تلتزم بمبادىء الاتفاق وتضغط على أوروبا لاستخدام آليات للالتفاف على العقوبات الأميركية، من دون أن تنجح في ذلك حتى الآن.
وبينما انتهجت إيران أسلوب السلامي، استخدم ترامب ضدها أسلوب الفأس. وكانت النتيجة أن الخيارات السياسية المتاحة لواشنطن آخذة في النفاذ، وأن واشنطن وضعت نفسها في مسار عسكري يثير خلافاً داخل الإدارة نفسها، وبين الإدارة والكونغرس. في مقابل ذلك، لا تزال إيران تملك هامشاً مريحاً للمناورة تستطيع أن تستخدمه كما تشاء. فهي قادرة على زيادة كميات اليورانيوم ومستوى التخصيب بصورة مرنة حتى تصل إلى 20%، المستوى الذي يُعتبر دليلاً على نوايا عسكرية من دون أن يكون دليلاً على أن ذلك هو نيتها. اللعبة الأساسية تلعبها إيران إزاء دول أوروبا التي لم تنضم بعد إلى العقوبات الأميركية وتحاول التوصل إلى اتفاقات بشأن إجراء مفاوضات مع إيران. في يوم السبت تحدث روحاني مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وأوضح له أن تجميد العقوبات الأميركية يمكن على الأقل أن يفتح قناة التفاوض من جديد، من دون الإشارة إلى ما تنوي إيران مناقشته.
لكن مجرد أن تبدي إيران الاستعداد للتفاوض يعني أنها تقدم موقفاً جديداً. ففي مقابل إصرارها حتى الآن على رفض إجراء أي بحث بشأن الاتفاق النووي، هي تدرك عدم جدوى هذا الموقف، وتضع تجميد العقوبات- وليس إلغاءها – كهدف لها. ويختلف ذلك عن موقفها قبل الاتفاق النووي الذي طالبت فيه بممارسة حقها في تخصيب اليوارنيوم كمّاً ومستوى. الموقف الجديد يعني أن الاتفاق النووي في نظرها لا يزال ساري المفعول، وهي تطالب بإعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل انسحاب الولايات المتحدة منه.
صحيح أن الموقف المعلن للمرشد الأعلى علي خامنئي يختلف عن موقف روحاني – فهو يواصل معارضته أي مفاوضات مع الولايات المتحدة – لكن لا شك في أن الحوار الذي يجريه روحاني مع ماكرون يتم بموافقة خامنئي.
يشكل سلوك إيران سيراً خطراً إلى حافة الهاوية. وما دامت الفجوة بين مواقف أوروبا وبين مواقف الولايات المتحدة موجودة وقائمة، وما دامت أوروبا مدعومة من الصين وروسيا، تستطيع إيران أن تضمن عدم تعرّضها لهجوم عسكري. لكن يتعين عليها أن تقرأ جيداً الخريطة السياسية، أو أن تحدس متى ستردم هذه الفجوة، وفي أي مرحلة ستعتبر أوروبا أيضاً خطوات إيران خرقاً مهماً للاتفاق النووي. هذا الخرق سيجبرها على فرض عقوباتها، أو التوجه إلى مجلس الأمن للحصول على الموافقة لفرض عقوبات جديدة.
إن قراءة الخريطة السياسية الجديدة منذ انتخاب ترامب أمر صعب ليس لإيران فقط بل للعالم كله. يبدو أن إيران تفاجأت من قوة تأثير العقوبات الأميركية، لأنها اعتقدت أنها بعد انسحاب الولايات المتحدة في السنة الماضية من الاتفاق، تستطيع الاعتماد على الدول الكبيرة التي تشتري منها النفط مثل الهند، وكوريا الجنوبية، واليابان، والصين، وعلى الغضب الأوروبي ضد الولايات المتحدة. الواقع الاقتصادي الجديد لم يزعزع حتى الآن استقرار النظام، والدولة ليست على حافة الانهيار المالي. لكن طول نفس إيران بدأ يتقلص، على الرغم من الأموال الضخمة التي تملكها في الصناديق الخفية، وهذا ما يفرض على إيران التخطيط لخطواتها على المدى القصير.
في الوقت عينه الخيارات الأميركية ليست مشجعة. ما دام ترامب متمسكاً بالنصيحة التي قدمها له صحافي في البيت الأبيض، والتي تقول إن عملية عسكرية يمكن أن تكون كارثية بالنسبة إلى الولايات المتحدة، وما دامت إيران ليست مستعدة لإجراء مفاوضات معه، هو مضطر لاستخدام الخدمات الجيدة لأوروبا وروسيا والصين لفتح نافذة للمفاوضات التي يرغب فيها كثيراً. إن الخطوة المطلوبة هي أن يحول ترامب العقوبات إلى ورقة مساومة للبدء بالمفاوضات، وليس كمطرقة يستخدمها لتدمير الاتفاق النووي. وهذه فعلاً عملية من الصعب ابتلاعها وهضمها من جانب الرئيس الأميركي المتعجرف، لكن يمكن أن تثمر النتيجة التي يسعى لها. يشكل ذلك معادلة مختلفة عن تلك التي كانت في أساس الاتفاق النووي الذي وافقت فيه إيران على رزمة تنازلات في مقابل رفع العقوبات. الكل في مقابل الكل.
المطلوب الآن معادلة تستطيع بواسطتها الولايات المتحدة أن تعرض انسحاباً بالتدريج من العقوبات في مقابل إنجازات في المفاوضات، من دون المسّ بجوهر الاتفاق. كلام روحاني يمكن أن يدل على استعداد إيران لقبول مثل هذه الصيغة، السؤال هل لديها شريك أميركي؟

المصدر: صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية – عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية

Optimized by Optimole