هآرتس: إسرائيل انجرت إلى الحرب بسبب خطأ عملاني خطِر

Spread the love

عاموس هرئيل – محلل عسكري اسرائيلي/

عندما ستخمد أخيراً الضجة الاحتفالية والإعلامية الإسرائيلية وتنتهي الإشادة بالجيش الإسرائيلي، ربما سيكون لدينا الوقت للتعمق في الطريقة التي تدحرجت فيها حادثة الحدود يوم الأحد. خلاصة القول إن جولة تبادل الضربات في الشمال كانت إيجابية: عملت إسرائيل على إحباط تهديدات إيران وحزب الله، المستوى السياسي تصرف بمسؤولية، الجيش كان مستعداً كما يجب للرد على لبنان، والحادثة انتهت من دون وقوع إصابات في الجانب الإسرائيلي.
تثير هذه النتائج شعوراً مبرراً بالرضا. لكن يجب ألّا يخفي ذلك حقيقة أننا كنا قريبين في الأمس مسافة شعرة من تصعيد واسع النطاق مع حزب الله. هذا تصعيد حدث تقريباً بسبب خطأ عملاني خطِر في الجيش الإسرائيلي، وفقط بالصدفة (“حظ كبير” كما اعترف عدة ضباط في الأمس) انتهى من دون إصابات. وبينما يجري تسويق الإنجاز يجب على الجيش أيضاً أن يحقق في الخطأ، والطريق التي كان يمكن أن تجر إسرائيل إلى مواجهة لا تريدها.
كما توقعت الاستخبارات مسبقاً، رد حزب الله على الهجمات المنسوبة إلى إسرائيل – ضرب الخلية المسؤولة عن استخدام الطائرات المسيّرة بالقرب من دمشق وتفجير مركّب حيوي في خط إنتاج السلاح الدقيق في بيروت – جاء من حدود لبنان وركز على هدف عسكري، وليس على هدف مدني. اختار حزب الله أسلوب عمل من الماضي – إطلاق صواريخ مضادة للدبابات على قوات الجيش الإسرائيلي – أحدها من طراز كورنيت، قيل إنه أصاب موقعاً عسكرياً في القيادة بالقرب من موشاف أفيفيم، لكنه لم يؤد إلى وقوع إصابات. قيادة المنطقة الشمالية وفرقة الجليل استعدتا مسبقاً بصورة جيدة، وقلصتا الأهداف التي يمكن أن يهاجمها حزب الله، وغيرت انتشار قواتها. يمكن الافتراض أنه في عدد من الحالات وجّه حزب الله النار نحو أهداف خالية.
لكن على الأقل صاروخان من الصواريخ وُجّها نحو هدف ملموس جداً. سيارة إسعاف عسكرية محصنة (تسمى في الجيش “ذئب”) كانت في طريقها من كيبوتس يارون إلى موشاف أفيفيم. في ظل عدم القدرة على ضرب جنود في موقع ثابت، اضطرت خلية حزب الله المضادة للمدرعات إلى البحث عن هدف متحرك – مهمة تنفيذها أكثر تعقيداً، لكنها ممكنة. في الشريط الذي بثه حزب الله اليوم يظهر كيف أخطأ أحد الصواريخ سيارة الإسعاف التي تابعت سيرها بسرعة. عدد الجنود في داخل الإسعاف كان خمسة، نجحوا في التملص بسلام من الصاروخ الثاني. التحصين في أغلب المركبات التي يستخدمها الجيش الإسرائيلي على طول الحدود لا يستطيع أن يقاوم صاروخ الكورنيت. لو أُصيبت سيارة الإسعاف إصابة مباشرة وقاتلة مع وجود هؤلاء الجنود في داخلها، لكانت إسرائيل استيقظت في صباح اليوم التالي بصورة مختلفة تماماً، من دون أي أثر للاحتفال بالنصر أو التفاخر.
ما يزعج في هذه الرواية بصورة خاصة أن سيارة الإسعاف كان يجب ألّا تكون هناك. كجزء من حالة التأهب في قيادة الشمال جرى في الأيام الأخيرة استخدام طرق خلفية، غير مكشوفة للنيران التي تُطلّق من الأراضي اللبنانية. لكن لسبب لم يتضح حتى الآن، لم يختر طاقم الإسعاف بقيادة الطبيب طريقاً آمنة أكثر. من المحتمل أن يكون الطاقم قد أخطأ في الطريق، ولم يكن على علم بالتوجيهات التفصيلية. عملياً، الطبيب ورجاله ساروا في طريق مكشوفة أمام نيران حزب الله.
الطريق بين يارون وأفيفيم تقع في الحلقة الثانية الأكثر بعداً عن الطرقات في منطقة السياج الحدودي، لكنها مكشوفة أمام النيران ولا تزال تقع في مرمى الكورنيت، أي نحو خمسة كيلومترات ونصف الكيلومتر. لو كان توجيه الصاروخ اللبناني أكثر حرفية ودقة، لكنا اليوم نتحدث عن عدد من الجنازات العسكرية. ما لا يقل خطورة عن ذلك، ونظراً إلى أن ردود إسرائيل العسكرية يفرضها إلى حد كبير عدد المصابين في كل عملية، من المحتمل أن الدولة كانت ستنجر إلى جولة تصعيد خطِرة للغاية، بخلاف مصلحتها المعلنة.
ليست هذه أول مرة التي تقع فيها حادثة كهذه. يعاني الجيش جرّاء مشكلة في فرض الانضباط العملاني في أوقات الطوارىء. فقط في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي وقعت حادثة مشابهة على الحدود مع قطاع غزة: في التصعيد الذي نشب بعد فشل عملية وحدة خاصة في خانيوس، أطلق عناصر “حماس” صاروخ كورنيت في اتجاه قوة من الجيش الإسرائيلي انتشرت بالقرب من تمثال “الرمح الأسود” على الحدود الشمالية للقطاع. أصاب الصاروخ باصاً كان خالياً بالصدفة، لكن جندياً كان يقف بالقرب منه أُصيب بجراح خطِرة. تبين لاحقاً أن الحاجز في المنطقة لم يتقيد بتعليمات الفرقة واللواء المناطقي التي تمنع وصول سيارات غير محصنة إلى منطقة مكشوفة لإطلاق النار.
أيضاً في الحادثة التي جرى الكلام عنها كثيراً في الأسبوع الأخير، والتي حدثت في كانون الثاني/يناير 2015، وقع خطأ يذكّر بحادثة الأمس. لقد رد حزب الله حينئذ بإطلاق صاروخ كورنيت على دورية للجيش كانت تتحرك على سفوح مزارع شبعا، وذلك بعد أن نسب إلى إسرائيل اغتيال جهاد مغنية وجنرال إيراني وخمسة عناصر آخرين من حزب الله.
في السيارات العسكرية التي أُصيبت بالصواريخ كان هناك ضباط من كتيبة في لواء غفعاتي كان من المفترض أن يقوموا بتعزيز المنطقة في ظل التوترات. لاحقاً، طُرح السؤال هل وجودهم هناك كان ضرورياً، وهل جرى تطبيق كل إرشادات السلامة المطلوبة. تبين أيضاً أن المكان الذي أُصيبوا فيه موجود في مرمى إطلاق الكورنيت من كمين نصبته خلية فوق قرية الغجر داخل الأراضي اللبنانية.
منذ الأمس سُمع كثير من الثناء على استعدادات الجيش، رافقه اهتمام مبالَغ فيه (وربما مضر أمنياً) بمناورة التضليل التي استُخدمت ضد حزب الله. كما هو معروف ليس من مصلحة حسن نصر الله الاستمرار في تبادل الضربات مع إسرائيل الآن. بحسب مصادر في إسرائيل، نقل الحزب في الأمس على وجه السرعة عن طريق الحكومة اللبنانية طلباً بالعودة إلى وقف إطلاق النار فوراً.
لكن يبدو أنه من الأفضل عدم الاحتفال أكثر من اللازم بنجاحنا في العملية ضد حزب الله. أولاً، لأن عدواً يشعر بالإهانة هو عدو لديه حافز مزدوج للانتقام. ثانياً، لأنه في حال سيارة الإسعاف على الأقل كانت إسرائيل محظوظة. ضباط تحدثت معهم “هآرتس” لم يخفوا رأيهم: في هذا الجزء من الحادثة لا يوجد ما نتباهى به. هذه نقطة من الأفضل أن نحقق فيها حتى النهاية، بما في ذلك تنفيذ الإجراءات القيادية ومن هم المسؤولون، كي تنتقل الرسالة إلى سائر القادة في الجيش.

المصدر: صحيفة هآرتس الاسرائيلية – عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية

Optimized by Optimole