نحو ملاءمة مهمة قوات الأوندوف في الجولان لمواجهة التحديات الجديدة

الجولان
Spread the love

بقلم آساف أوريون – باحث في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي —

•في 29 حزيران 2018 اتخذ مجلس الأمن القرار 2426 (2018) الذي مدّد بموجبه مهمة قوات الأمم المتحدة والمراقبين في هضبة الجولان (الأوندوف)، حتى نهاية هذه السنة، ودعا إلى معاودة القوة نمط عملها كما كان عليه قبل الحرب الأهلية في سورية. وفي زيارته الأخيرة إلى روسيا (12 تموز/يوليو) طالب رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو بالمحافظة على اتفاقات فصل [القوات] العائدة إلى سنة 1974، وفي قمة هلسنكي (16 تموز/يوليو) قال الرئيس الروسي إن هذه الاتفاقات هي التي ستكون في أساس مساعيه من أجل استقرار الوضع في هضبة الجولان. على خلفية العودة المرتقبة لقوات نظام الأسد إلى جنوب سورية والحدود في الجولان في إطار تسوية تقودها موسكو تبرز بيئة عمل جديدة لقوة الأوندوف تختلف بصورة جوهرية عن ظروف إقامة هذه القوات في سنة 1974، وعن الواقع الناشىء في منطقة عملها خلال السنوات الأربع الأخيرة، بسبب الحرب في سورية. إن مدى نجاح الأمم المتحدة في ملاءمة عمل القوة لتحديات المهمة الحالية واغتنام الفرص الجديدة هو الذي سيحدد فرص نجاح الأوندوف بصورة خاصة، وفرص نجاح قوات حفظ السلام في البيئة الأمنية الإسرائيلية بصورة عامة. لدى إسرائيل إمكانات مهمة لملاءمة الأوندوف وفق التحديات، وللدفع قدماً بأمنها على حدود الجولان.

•في 22 تشرين الأول/أكتوبر 1973 اتخذ مجلس الأمن القرار 338 لوقف المعارك في حرب الغفران [حرب تشرين/أكتوبر]. في 31 أيار/مايو 1974 وبعد نصف عام من تبادل النار بموازاة محادثات جرت برعاية وزير الخارجية الأميركي هنري كيسنجر، وقّع الطرفان اتفاقاً لفصل القوات (Disengagement of Force Agreement) في جنيف. واتخذ مجلس الأمن القرار 350 بإنشاء قوة لمراقبة فض الاشتباك في الأمم المتحدة في الجولان، الأوندوف (UN Disengagement Observer Force). وبحسب الاتفاق بين الطرفين جرى تحديد منطقة فصل (Area of Separation) بين الجيشين في أرض سورية، التي يحدها من الغرب خط أ ومن الشرق الخط ب. في هذه المنطقة الفاصلة المنزوعة السلاح سُمح بوجود عسكري فقط لقوات الأوندوف، وجرى تحديد مناطق خفض القوات (Area of limitations) على الجانبين في منطقة متساوية في عمقها؛ وقد سُمح لكل جيش في قطاع على بُعد مسافة 10 كيلومترات من منطقة الفصل بالاحتفاظ بـ600 جندي، و75 دبابة و36 مدفعاً من عيار 122 مليمتراً؛ وفي قطاع على بُعد نحو 20 كيلومتراً حددت القوات بنحو 450 دبابة و163 مدفعاً يصل مداها إلى 20 كيلومتراً؛ وفي المنطقة كلها وحتى عمق 25 كيلومتراً مُنع الطرفان من امتلاك صواريخ أرض – جو. وطُلب من قوة الأوندوف التي حُدّد حجمها بنحو 1200 شخص الانتشار في منطقة الفصل ومراقبة احترام وقف النار وتطبيقه من جانب الطرفين.

•خلال سنوات الحرب الأهلية وبدءاً من سنة 2014 بصورة خاصة، خسر النظام سيطرته على مناطق الحدود التي سقطت في يد المتمردين وفي المقابل خسرت الأوندوف، التي تعتمد على دفاع النظام الذي يستضيفها، أغلبية مواقعها، وانتقل معظم أفراد القوة إلى مواقع وقواعد داخل إسرائيل أو بالقرب من الحدود، وتوقفت أعمال مراقبتها داخل الأراضي السورية بصورة كاملة تقريباً. ومع عودة النظام في دمشق إلى شمال هضبة الجولان، بتأييد من إسرائيل ودمشق، بدأت الأوندوف بتطبيق خطة على مراحل للعودة إلى انتشارها السابق ونشاطها الماضي. في أيلول/سبتمبر استعادت مجدداً معسكراً قديماً في الفوار في سورية، أُخلي في سنة 2014 ونُهب بالكامل. وبعد تمشيط المعسكر من جانب جنود فرقة الهندسة، استولت عليه سرية مدرعة من النيبال جرى دعمها بعد ذلك بقوات أُخرى. انطلاقاً من هذه القاعدة بدأت القوة بالقيام بجولات من جديد بوتيرة غير عالية. وتتضمن مراحل الخطة المقبلة عودة إلى مواقع أُخرى في منطقة الفصل، لكن قيادة الأمم المتحدة والدول المانحة تعطيان أمن هذه القوات أفضلية عليا، ومفهومة إلى حد كبير، على تجديد مهمتها بناء على ذلك، فإن التقدم في هذا الموضوع يكاد لا يظهر.

•”لا يمكنك الدخول إلى مياه النهر ذاته مرتين”، وعودة الأوندوف إلى المنطقة وإلى مهمتها تجري في بيئة مختلفة من الأساس. لقد كان هدف الاتفاق إبعاد جيشين نظاميين لدولتين، ومنع الصدام بينهما في حرب تقليدية. هذا التهديد الذي كان قائماً في سنة 1973 في الجولان وفي سيناء لم يعد مطروحاً. والظروف الخاصة التي وُضعت أسس قوة الأمم المتحدة بناءً عليها لم تعد موجودة، وحدود الاتفاق الماضي لم تعد تتلائم مع بيئة التهديدات الحالية والمتوقعة. إن سيناريو معقولاً يتعلق ببيئة عمل الأوندوف في المستقبل سيكون شبيهاً بطبيعة النشاطات العسكرية وتحديات الرقابة التي تواجهها قوات اليونيفيل في لبنان منذ نهاية حرب لبنان الثانية [حرب تموز/يوليو] حتى اليوم. وستطرح البيئة المتوقعة تحديات جديدة أمام القوة وستفرض عليها ملائمة أساليب عملها بصورة كبيرة.

•التحدي الأول هو على المستوى السياسي، إذ يجب التنسيق بين اتفاق الفصل العائد إلى سنة 1974 وبين خطة التسوية السياسية – الأمنية التي تدفع بها روسيا من أجل نظام دمشق الواقع تحت وصايتها، مع الأخذ في الاعتبار حاجات إسرائيل الأمنية. إن الاتفاق المحتمل بين زعماء روسيا والولايات المتحدة وإسرائيل، وهامش المصالح المشتركة بين أغلبية اللاعبين (باستثناء إيران وحزب الله)، يمكنهما أن يسمحا بإعادة بلورة البيئة الأمنية في هضبة الجولان وتحديثها، من خلال إعادة تحديد مهمة قوات الأوندوف وتحديثها، وخصوصاً من خلال تحديث الأدوات الموجودة بتصرفها.

•يوجد تحدٍّ ثان يدخل في صلب مهمة الأوندوف، هو في مجال مراقبة الاتفاق. فبخلاف الماضي، لن تكون قوات الأمم المتحدة على صلة بالجيش السوري السابق النظامي، ذي اللون الواحد (“الأحمر”)، وإنما ستكون في مواجهة “مجموعة ألوان” فيها قوات الجيش، وميليشيات محلية وأجنبية ومواطنين مسلحين. وكما أشار إليه تقرير الأمم المتحدة فإن منع الوجود العسكري أو المسلح في منطقة الفصل يُنتهك اليوم بصورة واضحة، سواء من جانب قوات النظام أو من جانب تنظيمات المتمردين التي تتقاتل فيما بينها على الأرض. إن النزع الكامل للسلاح من يد السكان سيستغرق وقتاً طويلاً، هذا إذا أمكن ذلك، وسيؤثر في أمن القوة. ومن المتوقع أن تتمثل جهود التمركز الصبور لإيران والتنظيمات الدائرة في فلكها ليس في الدبابات وفي المدافع، بل من خلال استيعاب عناصر أجنبية في صفوف الجيش السوري، وبناء بنية تحتية عسكرية، مع التشديد على ما تحت الأرض، تحت غطاء إعادة بناء ذات طابع مدني (“ملاجىء”) وفي بيئة مأهولة؛ وفي نشاط استخباراتي، وجولات عسكرية بغطاء مدني من نوع “صحافيين”، وهواة تربية “طيور” و”صيادين”، و”ناشطي الدفاع عن البيئة” و”مواطنين غاضبين”. من المحتمل أن يحدث إطلاق نار، وألغام وعبوات من سورية إلى أراضٍ إسرائيلية. ومثلما يحدث في لبنان، سيوفّر الجيش السوري المضيف تبريرات وأعذار وشرعية للانتهاكات، ويمنع وصول قوات الأمم المتحدة إلى أهداف عسكرية ممنوعة بحجة المحافظة على القانون أو الخصوصية أو إزعاج نسيج حياة السكان. وسيكون من الصعب على الأوندوف تأكيد الادعاءات [بوجود انتهاكات] أو تكذيبها بوسائلها الخاصة، إذا تمسكت الأمم المتحدة بامتناعها من جمع المعلومات الاستخباراتية. في الوقت عينه، من المتوقع في المنطقة الواقعة غربي منطقة الفصل أن تواصل إسرائيل تلّقي الانتقادات بسبب انتهاكها الاتفاق، وخصوصاً الرد بإطلاق النار على الأراضي السورية، وبنصب بطاريات “القبة الحديدية” في هضبة الجولان، وإدخال مدافع ممنوعة إلى منطقة خفض القوات، والاتصال بجهات في الطرف الآخر من الحدود، والعرقلة أو التأخر في فتح البوابات أمام قوات الأمم المتحدة التي تجتاز السياج الأمني.

•ثمة تحدٍّ ثالث هو شرط مسبق لتوسيع عمليات الأوندوف من جديد هو أمن القوة. مع إقامتها سُمح لجنود القوة بحمل السلاح الشخصي للدفاع عن النفس، بينما مجموعة المراقبين في الجولان (OGG) لم تحمل السلاح مطلقاً. ومثل قوات حفظ سلام أُخرى في المنطقة، من المعقول أن تطلب الأوندوف تعزيز قدرتها على الدفاع عن قواتها، بما في ذلك بالسلاح المساعد وبتحصين مركباتها ضد العبوات. ولقد أشار التقرير الأخير للأمين العام للأمم المتحدة إلى أن دمشق تعارض طلب القوة وأن تتزود بالسلاح للدفاع عن نفسها وبمنظومات الكشف والإنذار من إطلاق صواريخ منحنية المسار، وهو طلب وافقت عليه إسرائيل.

•ثمة تحدٍّ رابع هو في مجال الاتصال بين طرفي الاتفاق، الذي تمحور منذ إلغاء لجنة الهدنة التي عملت من سنة 1949 وحتى سنة 1967 على تبادل رسائل شفوية وأحياناً مكتوبة بين قائد جهاز الاتصال بالقوات الأجنبية في الجيش الإسرائيلي (اليوم شعبة الاتصال الخارجي) وبين نظيرهم السوري (SSAD). على غرار آلية التحاور الثلاثي الذي تديره اليونيفيل بنجاح كبير بين الجيش الإسرائيلي والجيش اللبناني، من المجدي تفحُّص إقامة آلية مشابهة بين الأوندوف والجيش الإسرائيلي والجيش السوري، من أجل المساعدة في منع الاحتكاك وفي حل مشكلات أمنية ومدنية.

•هناك تحدٍّ خامس هو تحدٍّ لوجستي، وضمن هذا الإطار، وكما تُلمّح وثائق الأمم المتحدة، النظام في دمشق بحكم كونه النظام المضيف لقوات الأوندوف، يضع عراقيل كثيرة على طرق الإمدادات وحول قوات الأوندوف. وعلى الرغم من التسهيلات التي وضعتها إسرائيل في تصرف القوة وحلول لوجستية مبتكرة في مواجهة التحديات العملانية وإغلاق معبر القنيطرة، فإن قائد القوة الذي يوجد مركزه في سورية، يُفرَض عليه الانتقال إلى إسرائيل حتى اليوم عبر لبنان. والإمدادات والقوات التي كانت تعبر من طريق حيفا وإسرائيل إلى معبر القنيطرة عبر قبرص، بيروت ودمشق.

•التحدي السادس والأكثر إلحاحاً يتعلق بالبعد المدني والإنساني في منطقة عمل الأوندوف، التي دُمرت بنيتها التحتية، والتي يعيش عدد كبير من سكانها في قرى مدمرة، وفي مخيمات تحتوي على عشرات الآلاف من النازحين.

•تمتدح تقارير الأمم المتحدة بشأن اليونيفيل أهمية الجهد العسكري – المدني CIMIC الذي يستند إلى علاقات قوات اليونيفيل بالسكان المحليين، وإلى أعمال إعادة بناء واسعة النطاق لبنى تحتية وخدمات غير عسكرية تساعد السكان على استعادة حياتهم الطبيعية وعلى استقرار الوضع الأمني على الأرض. وبالإضافة إلى البعد الإنساني والأخلاقي، ليس هناك من شك في أن قوات الأوندوف تستطيع أن تساهم مساهمة كبيرة في استقرار حياة مواطني منطقة عملها، وبذلك تعمل على تحسين ظروف الأمن وصمودها في مهمتها، لكن الوسائل الموضوعة في متناولها محدودة جداً. في هذا الموضوع المطلوب اتجاها عمل: تحويل ميزانيات وقدرات هندسة مدنية وطبية وطواقم مساعدة مدنية من اليونيفيل إلى الأوندوف، أي تحويلها من الجنوب اللبناني الذي أُعيد إعماره إلى جنوب غرب سورية المدمر؛ وفي المقابل، تقديم مساعدة مدنية من جانب منظمات مساعدة دولية، تشمل الأمم المتحدة لمنطقة عمل الأوندوف. بهذه الطريقة تتقلص الحاجة إلى عمليات المساعدة التي تقدمها إسرائيل للسكان المحليين من على الجانب الآخر من الحدود، كما تتحدث عنه تقارير الأوندوف، وتحتج عليه دمشق.

•يفرض الواقع الناشىء في الجولان السوري على إسرائيل تحديث سياستها من أجل المحافظة على أمنها في مواجهة المستجدات. وعلى حكومة إسرائيل والجيش القيام بدور فعال ومبتكر في الدفع قدماً بواقع أمني أفضل كثيراً على الحدود الآخذة في الارتسام من جديد في سورية، وذلك بمساعدة شركائها الاستراتيجيين ومحاوريها في العالم وفي المنطقة، واستخدام قوة حكيمة ومجموعة متنوعة من أدوات مدنية. ويتعين على إسرائيل الدفاع عن أمن النازحين في منطقة الفصل وعلى سلامة السكان ما وراء الحدود، الذين صمدوا إلى حد ما بفضل المساعدة التي قدمتها لهم إسرائيل خلال سنوات الحرب. إن لقوة الأوندوف دوراً مهماً، ولو كان متواضعاً، في تحقيق استقرار هذا الوضع، وإذا نجحت إسرائيل في المساعدة في استقرار الوضع ومواجهة تحدياته، يمكن لهذه القوات العودة إلى “نهر” الجولان، وهي مجهزة جيداً، واجتيازه بنجاح، بما في ذلك مصلحة الأطراف كلها.

المصدر: مجلة “مباط عال” الإسرائيلية – عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية

Optimized by Optimole