نتنياهو يستغل التحذيرات الاستخباراتية لتبرير إلغاء الانتخابات

Spread the love

بقلم: عاموس هرئيل – محلل عسكري إسرائيلي —

يستطيع كل من يتحدث إلى المحيطين برئيس الحكومة ووزرائه هذه الأيام أن يلاحظ نبرة الهلع التي لا تنبع فقط من محاولة بنيامين نتنياهو الحثيثة وقف عقارب الساعة في الطريق نحو الانتخابات الجديدة (التي بادر إليها هو نفسه) في اللحظات الأخيرة. على جدول الأعمال، كما يهمسون، ثمة أزمة أمنية: إذ سيحصل تصعيد يبدأ من الخليج الفارسي، أو من قطاع غزة، أو من الحدود الشمالية بالذات، يبادر إليه الإيرانيون ووكلاؤهم. قريباً سيحتل مكان الصدارة جدول الأعمال العسكري بدلاً من السياسي – الحزبي، وسيضع في الهامش صغائر الاعتبارات والحسابات التي تشغل بال الأحزاب السياسية.
لا يمكن القول إنه لا أساس بتاتاً للشعور بأن ثمة طارئاً أمنياً حقاً. وكما نشرت “هآرتس” قبل نحو أسبوع واحد، فقد عُرض أمام وزراء الحكومة مؤخراً احتمال أن تكون للتوتر في الخليج تداعيات على الحدود الإسرائيلية أيضاً، وبصورة خاصة على الجبهة الشمالية. فطبقاً للتحليلات الاستخباراتية، قد تتوصل إيران إلى الاستنتاج بأن الهجمات التي نفذتها ضد حاويات النفط في مياه الخليج وضد منشآت نفطية في السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة لم تحقق النتيجة المرجوة منها، وهي الاستعداد الأميركي للنظر بجدية في تخفيف العقوبات الاقتصادية على إيران ـ وأن ثمة حاجة إلى تحرّش إيراني ضد إسرائيل بغية إقناع الولايات المتحدة بمدى خطورة الوضع.
بالإضافة إلى ذلك، ثمة غليان على الحدود مع قطاع غزة أيضاً. فحركة “حماس” ليست راضية عن وتيرة تطبيق التسهيلات الاقتصادية التي كان تم الاتفاق عليها مع مصر وقطر، وهو ما أعاد البالونات المتفجرة إلى الساحة، بينما تصعّد إسرائيل قليلاً من هجماتها ضد القطاع. وفي نهاية الأسبوع الجاري، بعد انتهاء الورشة الاقتصادية في البحرين وقمة رؤساء مجالس الأمن القومي الثلاثية في القدس، قد ترى إسرائيل أنها أكثر حرية للرد. وقد قال الوزير تساحي هنغبي، خلال مقابلة أول أمس (الثلاثاء) مع أودي سيغل في القناة 13: “لو كنتُ اليوم أحد قادة حركة “حماس” في غزة، لما تحمستُ للاقتراب من الفترة المتوقعة لنا كما يبدو”.
مع ذلك، يبدو أن الأخبار المتواترة باستمرار بشأن خطر أمني محتمل يقترب، ليست منزوعة السياق أو المقصد السياسي. فالتحذيرات الاستخباراتية العمومية تُوظَّف في محاولة بلورة خطوة ائتلافية جديدة، إذ سيكون من الأسهل كثيراً، في أجواء الأزمة الأمنية هذه، إقناع الجمهور بالحاجة إلى إلغاء الانتخابات وإقامة حكومة “وحدة قومية”. كما سيكون من الصعب جداً على الشركاء الائتلافيين المحتمَلين في الوسط واليسار، وخصوصاً “أزرق أبيض” وحزب العمل رفض هذا المخرج. وفي هذا الإطار يمكن النظر إلى الخبر الذي جرى تسريبه إلى النشرة الإخبارية في القناة 12 قبل يومين بخصوص ما وُصف بأنه “مبادرة رئيس الكنيست، يولي إدلشتاين، لإلغاء الانتخابات”، باعتبار هذا التسريب بالون اختبار لإمكان العودة والبحث في الموضوع إذا ما حصل تسخين عسكري على إحدى الجبهات حقاً.
هذه ليست أول مرة يستخدم فيها نتنياهو هذا الادعاء. ففي تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، وقبيل إعلان قائدي حزب “البيت اليهودي” آنذاك، نفتالي بينت وأييلت شاكيد، قرارهما الانسحاب من الحكومة، أرسل نتنياهو مستشاره لشؤون الأمن القومي، مئير بن شبات، إلى الحاخام المسنّ حاييم دروكمان في محاولة لإقناعه بالتحرك والعمل من أجل إحباط هذه الاستقالة بدعوى أن فترة من التوتر الأمني على الأبواب. وبعد ذلك بأسابيع قليلة، تكشفت خلفية هذه الخطوة: حملة “درع شمالي” التي قام بها الجيش الإسرائيلي لتدمير الأنفاق التي حفرها حزب الله إلى داخل الأراضي الإسرائيلية، تحت الحدود مع لبنان (وقد نفى بن شبات ودروكمان، في حديث لاحق مع “هآرتس”، أن يكون اللقاء بينهما قد تطرق إلى خطر هذه الأنفاق قبل إطلاع الجمهور الواسع عليه).
خلافاً لقضية الأنفاق في لبنان، لا يدور الحديث هذه المرة، بقدر ما هو معروف طبعاً، حول خطوة ستبادر إليها إسرائيل. وقد أبدى نتنياهو، حتى اليوم، درجة عالية جداً من الحذر في شن عمليات عسكرية. فخلال السنوات الأخيرة، صادق نتنياهو على عمليتين واسعتين فقط في قطاع غزة، هما “عمود سحاب” سنة 2012 و”الجرف الصامد” سنة 2014، وكمخرج وحيد فقط، من وجهة نظره. وفي هذه المرة أيضاً، من الصعب توقُّع إقدامه على المبادرة إلى شن عملية عسكرية بغية فرض “الوحدة القومية” وإلغاء الانتخابات فقط.
في المقابل، لا شك في أن الإبقاء على أجواء الخطر الأمني في الوعي العام، بصورة دائمة، يخدمه بصورة واضحة، سواء في مناوراته الحزبية ومحاولات جس النبض لدى “أزرق أبيض” أو في الفترة المقبلة، حين يفتتح معركته الانتخابية فعلياً. أمّا في الوقت الحالي، وعلى عكس جميع المعارك الانتخابية السابقة، فهو لا ينجح حتى الآن في تحديد وفرض القضية التي ستدور الانتخابات حولها، على الرغم من أن أموراً كثيرة على المحك. ومن شأن فوزه في الانتخابات ليس ضمان بقائه السياسي في الحكم فقط، وإنما أيضاً تحسين فرص تخلصه من لوائح الاتهام الجنائية التي تنتظره.
تقف منطقة الشرق الأوسط كلها على عتبة صيف متوتر في عدد من الجبهات، لا تلعب إسرائيل في الجبهة المركزية من بينها، التي هي التوتر بين الولايات المتحدة وإيران ـ سوى دور اللاعب الثانوي فقط. وستتأثر اللعبة السياسية عشية الانتخابات بما يجري على الساحة الأمنية أيضاً، لكن الملاحَظ حتى الآن أن التهديدات الأمنية – العسكرية لا تُملي قرارات الأحزاب السياسية.

المصدر: صحيفة هآرتس الإسرائيلية – عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية

Optimized by Optimole