مواقف نتنياهو في نهاية حملته تدل على التوجه الذي سيقوده إذا فاز في الانتخابات

Spread the love

بقلم: عاموس هرئيل – محلل عسكري إسرائيلي —

تكشف أحداث الأسابيع الأخيرة في الساحة السياسية – الأمنية مقاربة حكومة نتنياهو في السنوات الأخيرة – وكما يبدو أيضاً مواقفها في السنة المقبلة، إذا فاز نتنياهو في الانتخابات اليوم ونجح في تأليف الحكومة المقبلة. في المرحلة الأخيرة قبيل الانتخابات استند نتنياهو إلى علاقاته الوثيقة بزعماء الدول العظمى، وأظهر ضبطاً للنفس إلى حد التساهل في المواجهة مع “حماس” في قطاع غزة، وفي مقابل ذلك انتهج خطاً هجومياً، على الأقل على مستوى التصريحات، إزاء السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية.

في ساحة الدول العظمى حظي نتنياهو في الأسابيع الأخيرة بسلسلة لفتات كريمة وهدايا استثنائية من الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ولفتة طيبة (لم يتضح ثمنها بعد) من جانب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. استكمل ترامب سلسلة خطواته، المأخوذة مباشرة تقريباً من صفحة رسائل الليكود، عندما أضاف الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان إلى قراريْ نقل السفارة الأميركية إلى القدس والانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران. وبالأمس قرر ترامب إدخال الحرس الثوري الإيراني إلى قائمة المنظمات الإرهابية. الاعتبار في هذه الحالة هو أميركي بالدرجة الأولى، لكنه يخدم أيضاً المصلحة الإسرائيلية – ويستطيع نتنياهو الادعاء عن حق أن مواقفه كان لها تأثير كبير في سياسة ترامب.
زوّد بوتين نتنياهو بلفتة طيبة بشكل عملية روسية – إسرائيلية للعثور على رفات الجندي في الجيش الإسرائيلي زخاريا باومل وإخراجها من سورية. يجب أن نكون على قدر من السذاجة لنصدق أن ما جرى هنا هو فقط خطوة حسن نية روسية، وأن رئيس دولة دُفن آلاف من جنودها كمجهولين في المعارك في الحرب العالمية الثانية وحتى حرب أفغانستان، قد تأثر فعلاً بمعاناة عائلة مقاتل إسرائيلي.
من المعقول الافتراض أن بوتين سيعرف كيف يستغل هذه اللفتة الحساسة لخدمة أغراضه في المستقبل، وهو لم يكن أعمى إزاء توقيت إعادة الجثمان، أي قبل أسبوع من الانتخابات، حتى لو كان النجاح في العثور على الجثمان حدث صدفة (بعد سلسلة إخفاقات سابقة) قبل وقت قصير من ذلك. وتدل الطريقة الاستثنائية التي جرت فيها إعادة سروال وحذاء باول إلى إسرائيل فقط في نهاية اجتماع نتنياهو – بوتين في موسكو، على أنها لفتة روسية مدروسة موجهة إلى نتنياهو.
في قطاع غزة واصل نتنياهو انتهاج خط الاحتواء حيال “حماس”. ويواصل رئيس الحكومة والناطقون بلسانه الحديث عن واقع أمني إيجابي في سنوات حكمه، من خلال التقليل، وحتى تجاهُل، المضايقات اليومية التي خبِرها سكان غلاف غزة في السنة الأخيرة. ويدل الاستعداد الإسرائيلي لتقديم مجموعة تسهيلات في القطاع، تحديداً بعد إطلاق صواريخ على غوش دان والشارون وبضع جولات إطلاق نار في الجنوب، على أن نتنياهو اتخذ قراراً واعياً بانتهاج ضبط النفس في غزة والوصول إلى الانتخابات من دون تصعيد كبير في الجنوب. الاستعدادات العسكرية الكثيفة حول القطاع التي جرى التخفيف منها في نهاية الأسبوع الماضي لم تكن تهدف إلى القيام بعملية برية فعلاً بل إلى تهديد “حماس” من أجل حثها على التوصل إلى اتفاقات مع وسطاء الاستخبارات المصرية.
كالمعتاد، إسرائيل لا تنشر شيئاً عن التفاهمات التي جرى التوصل إليها. زعماء “حماس” أكثر وضوحاً: وافق نتنياهو على توسيع منطقة الصيد في مقابل شواطىء غزة، وتسهيل الحركة على معابر الحدود، وتوسيع التصدير من غزة، وتقليص نحو 30% من قائمة المواد المتعددة الاستعمال التي تمنع إسرائيل دخولها إلى القطاع خوفاً من استخدامها في عمليات عسكرية. وقطر ستضاعف، بموافقة إسرائيل، المساعدة المالية التي تحولها إلى القطاع إلى 30 مليون دولار شهرياً، طوال سنة. وبخلاف المال الذي كان يحوّل إلى السلطة الفلسطينية، فإن هذا المال يحوّل إلى موظفي “حماس” وليس إلى موظفي السلطة في غزة.
الخطوة المكملة جرت في السجون. في النقاشات التي جرت في الأسبوع الماضي، وجّه نتنياهو تعليماته إلى رؤساء المؤسسة الأمنية بالعمل الدؤوب لمنع أسرى “حماس” من الإضراب العام عن الطعام الذي بدأ أمس بصورة جزئية ويمكن أن يتوسع خلال هذا الأسبوع. من المعروف أن إسرائيل اقترحت في الأيام الأخيرة على زعماء “حماس” في السجون اقتراحات بعيدة المدى، بينها زيادة زيارة عائلات الأسرى من غزة، وتركيب هواتف عمومية في الزنزانات (طبعاً يمكن الافتراض أنها خاضعة للتنصت).
في المقابل، توجّه نتنياهو إزاء الضفة الغربية مختلف تماماً. طوال حملته الانتخابية، وفي الواقع طوال الولاية الأخيرة لحكومته، يتجاهل رئيس الحكومة تجاهلاً كاملاً إمكانية معاودة العملية السياسية مع السلطة. على الرغم من ذلك، فإن التنسيق الأمني بين الطرفين ما يزال متواصلاً، على نحو يحافظ على مصلحة إسرائيل على الأرض. في السنة الأخيرة، وجنباً إلى جنب مع إدارة ترامب، تعمل إسرائيل على زيادة الضغط الاقتصادي على السلطة عبر وقف المساعدة الأميركية لوكالة الأونروا للاجئين وحسم عائدات الضرائب المستحقة للسلطة كعقاب لها على دعمها المخربين الأسرى.
في ماراتون المقابلات التي أدلى بها قبيل الانتخابات، أضاف نتنياهو أيضاً تأييده المعلن لإمكانية ضم المستوطنات في الضفة. وعوده الأُخرى الموجهة إلى المستوطنين في معارك انتخابية سابقة، بصورة عامة لم تطبق عملياً. هذه المرة أيضاً يبدو أن هذه الأقوال موجهة بصورة أساسية كجزء من الجهد للحصول على أصوات من أحزاب تقف إلى يمين الليكود. مع ذلك، لا يمكن تجاهل الأهمية الرمزية لإعلانه، والقلق الذي أثاره في دول الغرب.
كل هذا مرتبط بالسؤال الأساسي بشأن ما بعد الانتخابات: ما هو نوع الائتلاف الذي سيؤلفه نتنياهو إذا فاز. مركب مهم في الاعتبارات له علاقة بخطة السلام لإدارة ترامب، أي “صفقة القرن” التي ينوي الرئيس تقديمها، بعد تأجيلات لا نهاية لها، بعد بضعة أسابيع. إذا كان توجُّه نتنياهو رداً على الاقتراح هو “نعم، ولكن”، من الممكن أن يسعى لحكومة وحدة مع حزب أزرق أبيض، على الرغم من تصريحات زعماء الحزب الصارمة بأنهم لن يجلسوا في ائتلاف مع رئيس حكومة من المتوقع أن يحاكم في ثلاث لوائح اتهام.
الإمكانية الثانية هي حكومة يمين ضيقة نسبياً، ستخضع للاختبار بعد وقت قصير من تشكيلها لأن عدداً من الأحزاب الأعضاء سيعارض بشدة إرسال أي تلميح إيجابي إلى ترامب. مع ذلك، يمكن التقدير أن الاعتبار الحاسم بالنسبة إلى نتنياهو لن يكون مبدئياً – إيديولوجياً، بل اعتبار له علاقة بالبقاء: ما هو الائتلاف الذي سيسمح له بمحاولة إقرار قانون يعرقل الإجراءات القانونية ضده.

المصدر: صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية – عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية

Optimized by Optimole