معركة عرسال وإسقاطاتها على إسرائيل: حزب الله مُرشّح لأن يتصدّر المشهد الإقليمي

Spread the love

بقلم: د. يارون فريدمان – محلل شؤون العالم العربي وأستاذ الإسلام واللغة العربية في جامعة حيفا ومعهد “التخنيون” في حيفا —

•بدا، الأسبوع الفائت، وكأنّ النزاع الإسرائيلي ـ الفلسطيني وقضية مسجد الأقصى عادا ليتصدّرا العناوين. لكن منذ لحظة إزالة البوابات الإلكترونية وكاميرات التصوير، عادت القضية الفلسطينية إلى هامش الأخبار في قنوات التلفزة في العالم العربي. ليس لدى الدول العربية فائض وقت للانشغال بالقضية الفلسطينية، لأنها غارقة في الحروب المستعرة على أراضيها، أو قرب حدودها، فليبيا ومصر ولبنان وسورية والعراق والسعودية واليمن غارقة جميعها في حروب داخلية متواصلة منذ سنوات. ما الذي يحدث الآن في هذه الدول؟ أي تنظيم إرهابي سيكون في الصدارة بعد القضاء على تنظيم “الدولة الإسلامية” (“داعش”)؟ وهل لكل هذه الحروب علاقة بإسرائيل؟
•لبنان في قبضة حزب الله: احتلت حرب حزب الله في منطقة عرسال في شمال شرقي لبنان العناوين الرئيسية في الأيام الأخيرة، وهي منطقة سيطر عليها المتمردون السوريون الذين دخلوا إلى لبنان منذ ثلاث سنوات. الأزمة التي تكابدها تنظيمات المعارضة والحصار الذي فرضته الدول الخليجية على قطر، الممول الرئيسي لهذه التنظيمات، سرّعا في انتصار حزب الله.
•هدد نشطاء حزب الله منتشين بسكرة الانتصار، بأن عرسال ليست إلا تدريباً استعداداً للحرب ضد إسرائيل. بل ذهب مسؤولون كبار في الحزب إلى تشبيه حربهم بالانتصار العراقي على “داعش” في الموصل. وحذر محللون في العالم السنّي من أن الهدف الحقيقي لعملية حزب الله هو التطهير الإثني وطرد جميع السكان السنّة، وليس تنظيم “جبهة النصرة” (الذي يسمى اليوم “جبهة فتح الشام”، “نصر سورية”) فقط، إلى منطقة إدلب في سورية. ويخطط الحزب لتوطين سكان من الشيعة الموالين له مكان هؤلاء السنّة، مثلما حدث في مناطق سورية أخرى احتلها.
•سبقت العملية العسكرية في عرسال حملةٌ تحريضيةٌ شنها حزب الله ضد اللاجئين السوريين في المنطقة تضمنت المطالبة بإعادتهم إلى بلدهم. ظهر مقاتلو الحزب في أشرطة مصورة من منطقة عرسال نُشرت على الشبكة العنكبوتية، وقد تعرضوا لحملة غسيل دماغ يشتمون المذهب السنّي ويرددون شعارات مؤيدة للمرشد الأعلى في إيران علي خامنئي، ويرفعون أيديهم تحية له.
•ستنتهي هذه العملية العسكرية بالقضاء على المنطقة السنّية المحاذية لمحافظة بعلبك الشيعية، والتي “أزعجت” جهود حزب الله في نقل المقاتلين والأسلحة إلى داخل المناطق السورية. قبل بضعة أيام زار رئيس الحكومة اللبنانية، السنّي سعد الحريري، العاصمة الأميركية واشنطن. الحريري معنيّ حقاً بالاستجابة لطلب الرئيس الأميركي دونالد ترامب بتجريد حزب الله من أسلحته، لكنه عاجز عن القيام بذلك.
•يستغل حزب الله ضعف الجيش اللبناني وتآكل الجيش السوري. فجيش النظام السوري والجيش اللبناني يراقبان أنشطة حزب الله من دون الإتيان بأي حركة فعلية، بل هما يقدمان له الدعم ضد الإرهاب من حين إلى آخر.
•أقام حزب الله قواعد عسكرية ثابتة على الأراضي السورية وهو يتطلع مستقبلاً إلى فتح جبهة جديدة ضد إسرائيل عند الحدود في هضبة الجولان، لكن تنظيمات المعارضة لا تزال تسيطر على منطقة القنيطرة.
•سوريا- “الدولة الإسلامية” ستُقسَّم إلى شمال وجنوب: شهدت الحرب ضد “داعش”، هذه السنة، تصعيداً كبيراً. وتدور، هذه الأيام منافسة بين جيش بشار الأسد برعاية روسية من جهة، والقوات الكردية برعاية أميركية من جهة أخرى، لاحتلال المناطق التي يسيطر عليها “داعش”. وتشكل منطقة دير الزور، في شرق سورية، بؤرة هذه الحرب، نظراً إلى كونها مركز حقول النفط في سورية. القوات الموالية للولايات المتحدة، القوات الكردية وتنظيمات المتمردين السنة المساندة لها، على وشك احتلال الرقة، التي تشكل عاصمة “داعش”، والمنطقة الشمالية من “الدولة الإسلامية”. وفي المقابل، تتقدم قوات الجيش السوري وحزب الله، بمساندة روسية، من منطقة تدمر إلى جنوب دير الزور.
•ثمة خطران مركزيان يلوحان في الأفق الآن: الأول، اصطدام قوات النظام السوري مع الأكراد مباشرة، فقد اندلعت معارك بين هذين المعسكرين خلال الأشهر الأخيرة إلى الجنوب من حلب. والثاني الأشد جسامة فهو اصطدام الطائرات الأميركية والروسية التي تقصف قواعد “داعش” من دون أي تنسيق، بصورة مباشرة. والمعركة ضد “داعش” لن تنهي الحرب الأهلية المستمرة منذ سنوات، إلا إنها ستنقلها إلى مرحلة جديدة أخرى، وربما تقود إلى تحويل سورية إلى حالة من الكونفدرالية التي يسيطر فيها نظام الأسد مباشرة فقط على ثُلث مساحة الدولة السورية.
•العراق- إشكاليات ما بعد “داعش”: يقف العراق على مسافة بضع خطوات خلف سورية من حيث الحرب ضد “داعش”، بعد حسم المعركة على مدينة الموصل، عاصمة “الدولة الإسلامية”. ويحارب “داعش” الآن على مناطقه الأخيرة في الدولة وينسحب مقاتلوه نحو الأراضي السورية. وبينما يتبدد دخان الحرب، وبعد انتهاء الاحتفالات بانتصار الجيش العراقي، يواجه الشعب العراقي الآن واقع المجتمع المشرذم والمفتت، طائفياً واقتصادياً.
•يعاني السكان السنة في شرق العراق من أزمة اللاجئين والفقر، من خراب المدن التي دارت فيها المعارك طوال أشهر عديدة ومن تنكيل الميليشيات الشيعية بذريعة “الحرب ضد الإرهاب”. كل شخص سنّي مشتبه فيه بتأييد “داعش”، في نظر المليشيات الشيعية.
•صحيح أن منطقة شرق العراق هي أكثر تجانساً، إذ إن غالبية سكانها من الشيعة، لكن حتى في هذه المنطقة ثمة توتر سياسي ـ اقتصادي حاد بين الشيعة المؤيدين لإيران، المسيطرين على الحياة السياسية في بغداد، والشيعة الفقراء في الجنوب المعارضين لهم والذين يتهمونهم بالفساد. حتى إن زعيم التيار المناوئ لإيران مقتدى الصدر، أجرى في الأيام الأخيرة زيارة تظاهرية ومتحدّية إلى السعودية، العدو الأكبر لإيران.
•الأكراد في شمال العراق، كما في سورية، هم الرابح الأكبر من هذه الأزمة، فهم يتمتعون بدعم أميركي ويقيمون حكماً ذاتياً منذ 12 سنة. في حزيران/ يونيو الأخير نظم الأكراد استفتاء عاماً قرروا خلاله إقامة دولة كردية في أيلول/ سبتمبر المقبل. سيكون من المثير اكتشاف كيفية ومدى تأثير هذه الخطوة على الأكراد في شمال سورية. هل سينضمون؟ وكيف ستردّ تركيا؟
•اليمن- الحوثيون- حزب الله السعودي: مرت سنتان منذ بدء السعودية عملية “عاصفة الصحراء” ضد المتمردين الحوثيين الشيعة في اليمن وما تزال النهاية بعيدة وغير مرئية في الأفق. يصف المحللون في العالم الشيعي هذه الحرب على النحو التالي: “الدولة الأغنى في الشرق الأوسط تقصف الدولة الأفقر في الشرق الأوسط”.
•صحيح أن السعودية حققت إنجازاً هائلاً بمنعها حلفاء إيران من الاستيلاء والسيطرة على اليمن كلّه. وبذلك أنقذت المملكة السنيّة خطوط نقل النفط التي تتجاوز اليمن وأبقت على الموانئ المهمّة تحت سيطرة الحكومة الرسمية السنّية، غير أن الحوثيين لا يبدون علامات الاستسلام، بل يطلقون من حين إلى آخر صواريخهم إلى قلب المناطق السعودية.
•ما يزال الحوثيون يسيطرون على نحو رُبع مجمل مساحة اليمن، في المناطق الشمالية الغربية. ويركّزون سيطرتهم في مدينتي صنعاء وصعدة، بما فيهما من حقول نفطية مهمّة، ويشكلون تهديداً للحدود السعودية. وتتمحور المعارك على الأرض الآن في مدينة تعز، إلى الشمال من عدن.
•وإذا ما نجحت قوات النظام التابعة للرئيس عبد ربه منصور هادي بدعم من الطائرات السعودية، في احتلال هذه المدينة، فستشق طريقها نحو العاصمة صنعاء. لقد استغل تنظيم “القاعدة” الحرب الأهلية في اليمن من أجل بسط سيطرته على مناطق صحراوية في وسط الدولة. وتشكل هذه التنظيمات الجهادية مرضاً مزمناً في اليمن، سيجد التحالف السعودي صعوبة في مواجهتها لا تقل صعوبة عن مواجهة المتمردين الشيعة.
•مصر- دولة محاطة بالإرهاب وتحارب الفقر: من غير المُمكن في مصر الفصل بين المرضين الأساسيين اللذين تكابدهما الدولة العربية الأكبر ـ الإرهاب والأزمة الاقتصادية. الإرهاب يهدم الاقتصاد ويُبعد السائحين. لمصر حدود خطرة: ليبيا من الشرق وسيناء من الغرب. صحيح أنه تم القضاء على ذراع “الدولة الإسلامية” في ليبيا، لكن الدولة لا تزال غارقة في حرب أهلية بين جهاديين آخرين وقبائل متمردة، وبين حكومتين إحداهما في الشرق والأخرى في الغرب.
•يوظف الجيش المصري في شبه جزيرة سيناء جهوداً وطاقات كبيرة جداً في سعيه للقضاء على “داعش”، لكن من الصعب جداً التخلص من هذا التنظيم الإرهابي السنّي، لأن المشكلة الرئيسية ـ حالة الفقر والبطالة التي تعيشها قبائل شمال سيناء ـ لا تحظى بأي معالجة أو حلول. الخطوات التي اتُخذت ضد “حماس” والمعابر من قطاع غزة لم تحُل دون تهريب الأسلحة إلى الجهاديين في شبه جزيرة سيناء. لا تخف وطأة الإرهاب عن مصر برغم قمع حركة “الإخوان المسلمين”، بينما تتفاقم البطالة وترتفع الأسعار ووتائر التضخم المالي باستمرار.
•لئن بدا أن الأوضاع قد هدأت خلال الأشهر الأخيرة، إلا إن التفجيرات الأخيرة ضد الكنائس المسيحية القبطية في طنطا والاسكندرية جاءت لتثبت أن الطريق ما يزال طويلاً. ثمة مكان للتفاؤل، لأن القضاء على “داعش” في سورية والعراق لا بد من أن يكون له تأثير في “داعش” – سيناء مباشرة.
•الجهاديون سيُهزَمون، حزب الله سيتعزز: تبدو جميع التطورات في الحروب الدائرة ضد الإرهاب إيجابية بالنسبة لإسرائيل باستثناء تلك المتعلقة بحزب الله. فقد اكتسب هذا الحزب شرعية إقليمية سورية وإيرانية وروسية، علاوة على الشرعية المحلية من جانب طوائف متعدّدة في داخل لبنان. ويعود ذلك إلى حقيقة أن حزب الله يقاتل بنجاح ملحوظ ضد تنظيمات إرهابية سنّية تهدد بغزو لبنان.
•لكنّ الاستعانة بحزب الله في الحرب ضد الجهاديين مرهونة بثمن باهظ. فهو يقيم قواعد عسكرية ثابتة في كل من لبنان وسورية. والحوثيون في اليمن، الذين يرفعون شعار “الموت لأميركا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود”، يستمدون قوة معنوية وإلهاماً كبيراً من حزب الله، بل تعهدوا بدعم هذا التنظيم في أي حرب مستقبلية ضد إسرائيل.
•بعد الانتهاء من الحرب ضد الإرهاب الجهادي والقضاء على تنظيم “الدولة الإسلامية”، سيشكل حزب الله الذي يمتلك عشرات آلاف المقاتلين وأسلحة حديثة تشمل آلاف الصواريخ ومنظومة إعلامية متطورة للتحريض وغسل الأدمغة، مشكلة إقليمية عامة ليست أقل من “داعش”. وخلافاً لـ”الدولة الإسلامية”، ستكون هذه المشكلة أكثر قرباً وفورية لإسرائيل تحديداً وأساساً.

المصدر: موقع Ynet الإسرائيلي، عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية

Optimized by Optimole