“معاريف”: نيات بينيت المعلنة في موضوع إيران أشبه ببالون منفوخ

Spread the love

شجون عربية – بقلم: زلمان شوفال – سفير إسرائيل السابق في الولايات المتحدة –
يمكن العثور في صفحات أخبار “هآرتس” يوم الخميس الماضي على دليل قاطع يثبت الفوضى وانعدام الأداء لدى الحكومة الإسرائيلية الحالية، ليس في موضوع محاربة فيروس كورونا فقط. فقد ورد في أحد العناوين: “عرض [رئيس الحكومة] نفتالي بينت صيغة سحرية للكفاح ضد إيران، وتعتقد المؤسسة الأمنية أنه ضلّل الجمهور”. وفي مكان آخر تقتبس الصحيفة عن وزير الدفاع بني غانتس قوله: “نحن نعمل على الدفع قدماً بتعاون عملي مع الولايات المتحدة حيال إمكانية قفز إيران نحو القدرة النووية في هذه الأيام بالذات”. ولا شك في أن غانتس قد يكون الأكثر جدية في هذه الجماعة، وهو يواصل العمل على مبادرات سياسية مستقلة ويقطف الثمار الأمنية – السياسية من “اتفاقيات أبراهام” التي حققها بنيامين نتنياهو.
لدى تأليفها، أعلنت حكومة التغيير أنها لن تُعنى بالمواضيع السياسية المهمة وهي مخلصة لهذا الإعلان، لكن على نحو مقلوب، إذ إنها تُعنى بها بطريقة مشبعة بالتناقضات النابعة في الوقت ذاته من تركيبتها الغريبة، أو من تطلُّعها إلى الالتصاق قدر الإمكان بمواقف الولايات المتحدة، حتى وإن لم تكن متبلورة، بل ومتضاربة أحياناً مع المصلحة الإسرائيلية. صحيح أنه لا مجال لاعتبار كل التصريحات، التي تصدر عن “مسؤولين كبار” في المؤسسة الأمنية يرفضون الكشف عن هوياتهم، كما لو أنها أقوال ربانيّة، وأنه تتوفر لمن يقف في رأس الهرم، أي رئيس الحكومة، كل الصلاحيات والمسؤوليات لاتخاذ قرارات استراتيجية لا تكون فيها إمكانيات الحسم متوفرة لمسؤولي المؤسسة الأمنية، لكن هذا لا يمكن أن يتم إلا بشرط أن تقوم هذه القرارات على أساس معرفة معمقة وواسعة من جهة، وتفكير جدي من جهة أُخرى، وليس على أساس الارتجال.
إن نيات بينت المعلنة في موضوع إيران هي أشبه ببالون منفوخ في أفضل الحالات، وفي أسوئها وصفة لحرب منفردة بحجم وشكل يفضل الابتعاد عنهما. ما زلنا نذكر المقابلات الصاخبة لرئيس الحكومة، ورئيس جهاز الموساد، وقائد سلاح الجو، والتي ادّعَوا فيها بعدم السماح لإيران بامتلاك سلاح نووي أبداً، وأنه إذا ما وقّعت أميركا اتفاقاً مع طهران، فستعمل إسرائيل بمفردها. في المقابل، فإن غانتس الأكثر حذراً، وعلى ما يبدو الذي يعلم أكثر، يعيدنا إلى العالم الحقيقي ويوضح لنا، متجاهلاً “الصيغة السحرية” لبينت، أن إسرائيل تعمل على التعاون مع الولايات المتحدة في هذا الهدف. يمكن الادعاء مبدئياً أن لا تناقض بين المقاربتين، لكن بما أن نقطة انطلاق خطة بينت، بخلاف غانتس، هي عدم وجود احتمال لتنسيق عملي مع الولايات المتحدة، فإن الرسالة الموجهة إلى الجمهور الإسرائيلي أنه في الوقت الذي توشك المفاوضات على تجديد الاتفاق النووي، تجد إسرائيل نفسها بين فانتازيا من إنتاج بينت واحتمال خيبة أمل من الولايات المتحدة.
لا ينبغي الاستنتاج من ذلك أن ليس لإسرائيل خيارات خاصة بها، فحكومة نتنياهو خصصت للجيش وللصناعات الأمنية ميزانيات خاصة لهذا الهدف في سنتي 2020 و2021. وبحسب بعض الأنباء، فإن هناك استعدادات عملية لتنفيذ بعض الإمكانات وهي الآن في ذروتها. أما رئيس الحكومة فيتسلى الآن بفكرة دفع إيران نحو الإفلاس الاقتصادي وينسى أن عشرات المليارات ستضاف إلى صندوقها جرّاء إلغاء العقوبات المرتقب.
إن نية بينت التركيز على “ملاحقة رأس الأخطبوط” ليست مغلوطاً فيها، لكن قوله إن ذلك سيتم “بدلاً من تآكل القوى في المشادات” من شأنهما أن يرمزا إلى نية تغيير الاستراتيجيا الناجحة من عهد نتنياهو وغادي أيزنكوت [الرئيس السابق لهيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي] ضد وكلاء إيران في محيطنا القريب. وثمة نقطة ضعف مذهلة في مقاربته حيال موضوع الدفاع ضد الصواريخ، والقائمة على أساس رؤية أو حلم الليزر الذي وإن كان سيتحقق، إلا إنه ليس وفقاً للجدول الزمني الذي أعلنه. وهكذا لا يبدو أنه يضلل الجمهور فحسب، بل أيضاً حتى بموجب ما تؤكده “هآرتس” يمس الدفع إلى الأمام بعمليات مع “شركاء دوليين محتملين”.
كلنا نعرف قول الرئيس أبراهام لينكولن بأنه “يمكن الكذب على بعض الناس دائماً، ويمكن الكذب على كل الناس أحياناً، لكن لا يمكن الكذب على الكل كل الوقت”. ويبدو أنه يجب أن تكون هذه الأقوال شعاراً مكتوباً بأحرف بارزة يتم تعليقه في مكتب كل وزراء الحكومة الحالية، ولا سيما الطاقم الذي يقودها.

المصدر: صحيفة “معاريف” الإسرائيلية – عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية

Optimized by Optimole