معاريف: تداعيات الانسحاب من لبنان لا تزال واضحة حتى يومنا هذا

Spread the love

حاييم مسغاف – محام ومحلل سياسي اسرائيلي/

بعد عدة أيام تحل الذكرى العشرون للانسحاب المهين والمذعور للجيش الإسرائيلي من الجنوب اللبناني. عتاد عسكري كثير، بعضه سري للغاية، تُرك هناك.

المسيحيون الذين قاتلوا هناك مع الجيش الإسرائيلي في إطار جيش لبنان الجنوبي، الأصدقاء، تُركوا ليتدبروا أمرهم بنفسهم هم وعائلاتهم. إيهود باراك، رئيس الحكومة آنذاك، أصدر الأمر بالهروب الكبير. بعد مرور وقت قليل على ذلك، أُزيح من الحكم، لكن تداعيات ما جرى هناك في الجنوب اللبناني ظاهرة حتى يومنا هذا، وبوضوح أشد.

في تلك الفترة، قدمت برنامجاً تلفزيونياً مع صديقي اللواء في الاحتياط أورن شاحور، في قناة لا تُشاهَد على نطاق واسع لكنها نوعية جداً. أتذكر أنه لم يكن هناك شخص واحد من الذين أجريت معهم مقابلات أيّد ما سيحدث. كان من الواضح أن نتائج الانسحاب من طرف واحد من دون اتفاق يمكن أن تكون كارثية، وهذا ما حدث حقاً.

قبل كل شيء، في الموضوع الفلسطيني. عرفات الذي كان يُجري آنذاك مفاوضات مع باراك، تراجع بسرعة كبيرة عن كل ما سبق أن وافق عليه. هو بالتأكيد قال للمحيطين به إذا كان حسن نصر الله، الذي في ذلك الحين يترأس تنظيماً صغيراً، نجح في طرد الجيش الإسرائيلي القوي من الجنوب اللبناني، ليس هناك سبب يمنع من أن يجرب هو فعل ذلك. وهذا ما جرى في الحقيقة. بعد وقت قصير على انسحاب الجيش الإسرائيلي، بدأت الانتفاضة الثانية التي قُتل خلالها عشرات الإسرائيليين شهرياً. باصات فُجرت. مقاه وفنادق اشتعلت فيها النيران. وأصبح الواقع لا يطاق.

أريئيل شارون، الذي كان يومها رئيساً للحكومة، بعد أن هزم باراك في الانتخابات الخاصة لرئاسة الحكومة، قرر بحماقة لا يمكن أن تخطر على البال أن ضبط النفس هذا هو قوة. كان هذ بالطبع هراء مطلق، لأن الفلسطينيين فهموا أن الجيش الإسرائيلي هُزم – هكذا رأوا الأمر- في الجنوب اللبناني ببساطة خوفاً من خوض المعركة. فقط بعد الهجوم الكبير الذي أدى إلى سقوط عدد كبير من الإصابات في فندق بارك في ليلة عيد الفصح، قرر شارون أخيراً خوض عملية “الحزام الواقي”. 29 جندياً قُتلوا، وجُرح عدد كبير آخر وبقوا معاقين.

الجيش الإسرائيلي المهزوم والمرضوض بعد الانسحاب من جنوب لبنان، والجريح وجد صعوبة في أن يسترجع نفسه. حزب الله ازداد قوة أمام بصره. نصر الله تحدث باستهزاء عن المجتمع الإسرائيلي وشبّهه بخيوط العنكبوت؛ وكان محقاً جداً في كلامه. الحساسية حيال سقوط إصابات ازدادت وكبرت. أحد كبار الضباط في الجيش قال بغطرسة مطلقة إن صواريخ حزب الله “ستصدأ” في مخازنها.

طبعاً هذا لم يكن صحيحاً، وفي حرب لبنان الثانية تعرفنا كلنا على قوة هذه الصواريخ. الحرب نفسها دارت بطريقة فاشلة جداً. الجيش الإسرائيلي الرخو الذي كان مشغولاً في السنوات التي سبقتها في التدريب على مواجهة طرد آلاف اليهود من منازلهم في غوش كطيف وفي شمال السامرة “بحماسة وإصرار”، بأوامر من قادته، هُزم على يدي تنظيم يتألف من بضع مئات من المقاتلين.

المجتمع الإسرائيلي الذي تراجعت مناعته اضطر مرة أُخرى إلى التعرف بطريقة صعبة على نتائج الانسحاب من الجنوب اللبناني. عملياً، في الشرق الأوسط كله أرادوا أن يحذوا حذو نصر الله. لا يوجد انسحابات انطلاقاً من القوة. الانسحابات هي دائماً علامة ضعف، وهذا فهمته جيداً التنظيمات في قطاع غزة. الضعف تحول وهناً. جنود خُطفوا من دون رد. ومنذ الانسحاب التعيس من الحزام الأمني الذي ترددت أصداؤه في المنطقة كلها، الجيش الإسرائيلي يلاقي صعوبة في الانتصار.

محاولات اقتلاع “حماس” فشلت المرة تلو الأُخرى. لا يوجد في قيادة الجيش الإسرائيلي شيء يُذكّر بما أدى إلى الانتصار الكبير في حرب الأيام الستة. جزء من قادته السابقين مشغول بتجارة السلاح، وفي نشر بيانات تأييد لانسحابات إضافية.

المصدر: صحيفة معاريف الاسرائيلية _ عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية

Optimized by Optimole