معاريف: الثمن الباهظ الذي دفعه نتنياهو في صفقة شاليط يجعل من الصعب استعادة الأبناء في غزة

Spread the love

آفي يسخاروف – محلل عسكري اسرائيلي/

إطلاق صاروخ من تخوم قطاع غزة في اتجاه إسرائيل مساء يوم الإثنين (من دون وقوع إصابات)، بعد أكثر من شهر من الهدوء التام من دون إطلاق قذائف، يمكن طبعاً نسبه إلى تنظيم مارق أو ضد التأخير في تحويل الأموال القطرية إلى غزة. لقد تعودنا فعلياً على هذه الطقوس: في كل مرة تتأخر قطر لسبب ما عن إدخال المال المخصص لمساعدة أكثر من 100 ألف عائلة فقيرة في غزة، تسعى حركة الجهاد الإسلامي الفلسطيني أو حركة مشابهة لها، لتسريع تحويل المساعدة بوسائل أقل تقليدية: إطلاق صاروخ أو صاروخين، وبالونات مشتعلة، بكلمات أُخرى – تصعيد.
لكن يبدو هذه المرة أنه على الأقل أُضيف عامل جديد إلى المعادلة: التوقعات العالية لـ”حماس” لإنجاز صفقة مع إسرائيل لإطلاق سراح أسرى وتبادل مخطوفين واستعادة جنود، انتهت حتى الآن إلى حالة من الإحباط.
قبل بضعة أسابيع، بدأت تظهر في وسائل الإعلام العربية والإسرائيلية تقارير عن حركة كبيرة في المفاوضات بين الطرفين تتعلق بهذا الموضوع. على جدول الأعمال، الفرصة التي نشأت لتحقيق إنجاز يرضي الطرفين، على خلفية تفشي الكورونا. فقد تخوفت سلطات السجون من إمكان تفشي الوباء داخل أسوار السجون بين أسرى أمنيين، في الأساس بين الكبار في السن منهم، الأمر الذي يؤدي إلى احتجاج عنفي داخل السجون في إسرائيل وخارجها، أي في المناطق الفلسطينية المحتلة.
هذا التخوف أثار انتباهاً في الجانب الإسرائيلي، وإمكان إطلاق سراح الأسرى المسنين والمرضى، أي مجموعة الناس التي تُعتبر أكثر عرضة للإصابة بالكورونا، وتسليمهم لـ “حماس”، في مقابل استعادة مواطنين إسرائيليين اثنين موجوديْن في القطاع، واسترجاع جثماني الجنديين هدار غولدمان وأورون شاوول. وكان سبق أن تحدث مسؤولون كبار في “حماس” عن الموضوع ورغبتهم في إنجاز مثل هذه الصفقة، وأيضاً برز في الجانب الإسرائيلي مَن يريد التوصل إلى اتفاق. أحد الدلائل البارزة على هذه الرغبة القوية في مكتب رئاسة الحكومة كانت مجموعة التسهيلات الغامضة التقليدية التي حظيت بها الأجنحة التي يمكث فيها أسرى “حماس” في السجون، بينما لم يحصل أخوتهم من “فتح” في أجنحتهم على شيء، كما ذكرت صحيفة “هآرتس”.
إذا أخذنا أيضاً في الاعتبار إدخال الأموال القطرية إلى القطاع، كان من الصعب عدم التوصل إلى الاستنتاج بأن حكومة إسرائيل برئاسة بنيامين نتنياهو تعمل بقوة لتهدئة “حماس” والمحافظة على التهدئة ـ سواء على صورة رشوة واضحة (المال القطري) أو على صورة تقديم تسهيلات لأسرى الحركة، بينما لا يحظى أسرى تنظيم “فتح” الخصم بمثل هذه المكافآت.
ومع ذلك لا يزال رئيس الحكومة نفسه يرفض في هذه المرحلة أن يقدم لـ”حماس” الإنجاز الكبير الذي تتطلع إليه- صفقة تبادل أسرى. لقد سبق أن فعل نتنياهو هذا في الماضي من خلال صفقة شاليط، ومنح “حماس” أكبر إنجاز في تاريخها. إطلاق سراح 1027 أسيراً وأسيرة في مقابل جندي مخطوف. هذه الصفقة خلقت المشكلة الكبيرة التي تواجهها إسرائيل حالياً.
بحسب التقارير، المطالب التي طرحتها حركة “حماس” في إطار المحادثات تبدو مبالَغاً فيها وخيالية وغير واقعية. وعلى ما يبدو، هذه المواقف المتشددة لـ”حماس”، والتي أدت إلى توقف المحادثات غير المباشرة بينها وبين إسرائيل، يمكن أن تخلق ذريعة أُخرى للتصعيد.
في هذا السياق، من الصعب تجاهُل الوضع الاقتصادي الصعب في غزة. أحد سكان القطاع روى لي أن الكورونا لا تزال موجودة في غزة بموازاة الانهيار الاقتصادي. “يملك الناس القليل من المال ليعتاشوا منه. انظر ما جرى في الأسبوعين الماضيين: موظفو حكومة “حماس” (نحو 20-30 ألف شخص) قبضوا نصف رواتبهم بسبب الضائقة المالية للحركة. موظفو السلطة في غزة لم يقبضوا رواتبهم قط (توقفت السلطة عن أخذ الضرائب التي تجبيها عنها إسرائيل على المعابر، ولم تعد تدفع رواتب نحو 30 ألف شخص)، حتى الذين يعملون مع تنظيمات تابعة لمحمد دحلان قبضوا نصف رواتبهم. فإذا أضفت إلى ذلك العاطلين عن العمل (هناك بطالة تقارب الـ50%)، تحصل على قنبلة موقوتة.
ضم أجزاء من الضفة لم يحدث بعد. لم يُتخذ أي قرار، ولم يجد فلسطيني أو مستوطن نفسيهما مضمومين إلى دولة إسرائيل. لكن شيئاً ما يجري على الأرض.
أولاً، طبعاً التنسيق الأمني توقف رسمياً بين إسرائيل والسلطة. صحيح أنه لا يزال هناك اتصالات هاتفية بين الطرفين، لكنها صارت قليلة أيضاً. الأخبار الجيدة أن السلطة تواصل إحباط هجمات، وتسمح أيضاً بنشاطات، مثل زيارة قبر يوسف (القريب من مخيم عسكر للاجئين في نابلس).
ثانياً، قطع التواصل بين إسرائيل والسلطة أدى إلى تغيير دراماتيكي بشأن كل ما يتصل بعلاقة السكان الفلسطينيين بإسرائيل والسلطة. فقط هذا الأسبوع بشروا الفلسطينيين في الضفة أنه في كل مرة يريدون الحصول على موافقة، عليهم أن يفعلوا ذلك مباشرة عبر موقع الإنترنت التابع لمنسق أنشطة الحكومة في المناطق، وليس عن طريق السلطة. من الآن فصاعداً، الفلسطينيون سيتوجهون مباشرة إلى إسرائيل من فوق رأس السلطة ليحصلوا أو لا يحصلوا على الموافقة المطلوبة. ظاهرياً، ما يجري خطوة بيروقراطية، لكن لها تداعيات رمزية دراماتيكية، مرة أُخرى، المواطن الفلسطيني يتعامل مباشرة مع الاحتلال الإسرائيلي، وليس مع السلطة.
هذه الأخبار سيئة بالنسبة إلى السلطة الفلسطينية وأبو مازن، في الأساس في ضوء ما يبدو أنه تجاهُل الجمهور الفلسطيني أو لامبالاته حيال مشكلة الضم. عباس بدأ بخطوات كان من المفروض أنها ستحرك شيئاً ما. لكن الجمهور الفلسطيني لم ينضم إليه، وكذلك المجتمع الدولي. التهديد بتسليم المفاتيح وحل السلطة هو تهديد بمسدس فارغ من دون طلقات.
كما ذكرنا، السلطة لا تنوي قبول لامبالاة الجمهور. في رام الله، يدركون أن الجمهور لا يريد انتفاضة ثالثة في وقت قريب ومن الصعب خلق أزمة حقيقية، لذلك يحاولون حالياً تحقيق إنجازات رمزية. معنى ذلك بالنسبة إلى السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية، التوجه (مجدداً) إلى مجلس الأمن، في محاولة للتوصل إلى اعتراف دولي بدولة فلسطينية تحت الاحتلال.
في مجلس الأمن، من المتوقع أن تفرض أميركا الفيتو وتوقف أي مبادرة كهذه “لكن لا توجد نية للتوقف عن ذلك لهذا السبب”، يقول مصدر فلسطيني، ويتابع “التوجه السائد هو العمل مع مؤسسات الأمم المتحدة للتوصل إلى مثل هذا الاعتراف، حتى لو جرى فرض فيتو أميركي مرات ومرات. هناك دول عديدة تدعم هذه الخطوة، لذلك هي تحظى بتأييد القيادة الفلسطينية. في حال جرى الضم – سنطالب بالاعتراف بنا كدولة واقعة تحت الاحتلال. هناك 12-13 دولة أوروبية مستعدة للاعتراف بدولة فلسطينية تحت الاحتلال في حال جرى ضم إسرائيلي، وهذا في الواقع الثمن الذي سيكون على إسرائيل أن تدفعه.”
بحسب المصدر، ما من أحد يريد تصعيداً حقيقياً أو انتفاضة أو فوضى. “نريد تظاهرات شبيهة بالتظاهرات ضد أزمة البوابات الكهربائية في الحرم القدسي، ولا نريد شيئاً يخرج عن السيطرة. من ناحية ثانية، لا يمكن قبول الضم من دون أن تدفع إسرائيل ثمناً له.”

المصدر: صحيفة معاريف الاسرائيلية _ عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية

Optimized by Optimole