مباط عال: صفقة القرن إلى أين ستؤدي؟

Spread the love

أودي دٍيكل، عينات كورتس، نوعا شوسترمان – باحثون في معهد دراسات الأمن القومي _ ترجمة: رندة حيدر _ راجع الترجمة: أحمد خليفة/

صعوبات جوهرية يمكن أن تنشأ جرّاء الرفض الفلسطيني الشامل للخطة: السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية هما بمثابة “الحاضر الغائب” في خطة ترامب التي تدّعي تحديد المستقبل الفلسطيني الوطني. معنى المخطط المقترح هو هزيمة النضال الفلسطيني لتحقيق الوطنية، لأنها تقوّض الاعتقاد بأن الزمن يعمل للمصلحة الوطنية الفلسطينية، وأن المجتمع الدولي سيفرض، مع مرور الزمن، على إسرائيل شروط الفلسطينيين للتسوية. بناء على ذلك، ليس من المفاجىء أن ترفض كل الفصائل الفلسطينية الخطة بشدة. فبالنسبة إليهم، الخطة وانعكاساتها هما خطر وجودي حقيقي على الإنجازات التي حققوها حتى الآن، وعلى رؤية الدولة الفلسطينية المستقلة، ذات السيادة الكاملة. من الصعب العثور على زعيم فلسطيني في الحاضر والمستقبل يوافق على مخطط دولة فلسطينية مجزأة ومشرذمة ومحاطة بإسرائيل، عاصمتها أحياء في أطراف القدس الشرقية. زعماء الشعب الفلسطيني الذين رفضوا كل اقتراحات التسوية التي طُرحت عليهم حتى الآن، لا يستطيعون قبول مخطط ترامب، ومعناه الواضح بالنسبة إليهم استسلام، وينطوي على تهديد فعلي بخسارة مطلقة للشرعية الشعبية.

مع نشر الخطة، جرت محاولة لتنسيق المواقف وطرق النضال بين السلطة الفلسطينية وسلطة “حماس” في القطاع، في الأساس لمواجهة احتمالات ضم مناطق من طرف واحد من قبل إسرائيل. لكن الطرفين لم ينجحا في التعالي على الخلافات والتناقضات بينهما. في هذه الأثناء، سجّل محمود عباس لمصلحته تنديده بالخطة الذي سُمع في الساحة الدولية وفي العالم العربي. في الوقت عينه، هو يشكل هدفاً لانتقادات الجمهور الفلسطيني، من جهة، بسبب فشله الدبلوماسي، ومن جهة أُخرى، بسبب تجنبه الاحتكاك المتزايد بقوات الأمن الإسرائيلية، وفشله في تحريك تظاهرات احتجاج شعبية. وبالاستناد إلى استطلاع للرأي أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية PCPSR، فإن 94 % من الذين شاركوا فيه أعربوا عن معارضتهم الخطة، أيضاً من دون أن يسجَّل تصعيد كبير في التظاهرات في الضفة الغربية أو هجمات ضد إسرائيل. حتى الآن، محمود عباس متمسك بسياسته الرافضة للإرهاب، ولم يتعرض للتنسيق الأمني مع إسرائيل، خوفاً من أن يؤدي اندلاع الإرهاب في الضفة إلى رد إسرائيلي حاد يزعزع وضع السطة الفلسطينية والإنجازات السياسية التي حققتها حتى الآن. لكن على الرغم من الهدوء النسبي وعدم حماسة الجمهور للخروج إلى الشوارع ونقاط الاحتكاك بقوات الأمن الإسرائيلية، فإن ضم إسرائيل لمناطق في الضفة من طرف واحد، من المتوقع أن يحشر “فتح” و”حماس” في الزاوية، ويجبرهما على انتهاج العنف (مع أن حجم وقوة التطورات في هذا الاتجاه سيكونان مرتبطين بحجم ومكان الضم).

صعوبات إضافية يمكن أن تنشأ في ضوء الرد الإقليمي والدولي البارد على خطة ترامب.

موقف الأردن – الأردن هو الحلقة الضعيفة في المنظومة العربية. تواجه المملكة الهاشمية معضلة من العيار الثقيل – فهي تعتمد اقتصادياً وأمنياً على الولايات المتحدة، لكنها تتخوف كثيراً من أن تغلق الخطة بالفعل الباب على حل الدولتين وعندئذ ستطرح من جديد فكرة أن الأردن هو الوطن الفلسطيني البديل. علاوة على ذلك، البعد الديموغرافي الفلسطيني في تخوم المملكة يجعل من الصعب على العائلة المالكة اتخاذ موقف يمكن أن يُعتبر أنه يمس بالشعب الفلسطيني. على الرغم من هذه المعضلة، فإن الملك عبد الله اتصل بمحمود عباس لدى نشر الخطة لدعمه، وأوضح تأييد الأردن لفكرة الدولتين، بحسب النموذج التقليدي المقبول من العالم العربي. وفي الوقت عينه، لا تسمح العائلة المالكة بالانتقاد العلني لعلاقات السلام مع إسرائيل.

موقف مصر – لم تعبّر مصر بعد عن موقفها الرسمي إزاء الخطة، مع أنه سُمع عدد من المواقف المؤيدة لمحاولات الوساطة الأميركية – من دون تأييد رسمي واضح للخطة. الصعوبة المركزية بالنسبة إلى مصر تنبع من حاجتها إلى دعم الفلسطينيين، ولقد فعلت ذلك بصفتها جزءاً من الجامعة العربية، وفي الوقت عينه، تريد المحافظة على علاقات ثنائية جيدة بين القاهرة وواشنطن. عدد من المكونات في الخطة يلبي المصالح المصرية: تجريد “حماس” من سلاحها، وعودة حكم السلطة الفلسطينية إلى قطاع غزة؛ فكرة السلام الاقتصادي، وفي الأساس توظيف 9 مليارات دولار في تنمية مصر بشرط تطبيق الخطة؛ لا تمس الخطة بالسيادة المصرية في شمال شبه جزيرة سيناء؛ هي تتعامل مع حاجات مصر الأمنية. لكن النقد المصري يتركز على تقديم الخطة من طرف واحد، واعتبارها خطة من رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو.

موقف دول الخليج – توقع الذين فكّروا في الخطة أن تعمل الأنظمة العربية المقربة من الولايات المتحدة على إقناع الزعامة الفلسطينية بإبداء موقف إيجابي وعدم رفضها بالمطلق. لكن توقعاتهم خابت، فقد حرك نشر الخطة موقفاً عربياً وإسلامياً علنياً إلى جانب الفلسطينيين وأيّد معارضتهم المخطط المقترح. وعلى الرغم من التصريحات المعارضة للخطة التي سُمعت من منظمة التعاون الإسلامي والجامعة العربية اللتين رفضتاها رسمياً، ليس هناك اتفاق في المواقف بين الدول الأعضاء في هاتين المنظمتين في هذا السياق. جزء من هذه الدول يرى في الخطة أساساً لمفاوضات أو كبديل سيناريو غير معقول، لذلك هو لا يرى سبباً للاختلاف بسببها مع إدارة ترامب. لكن ليس هناك دولة من بين الدول التي أعربت عن تأييدها للخطة قبِلتها كما هي. ممثلون من دولة اتحاد الإمارات، وعُمان، والبحرين، كانوا موجودين في حفل إطلاق الخطة في البيت الأبيض، قالوا بعد ذلك إنهم لم يطّلعوا على تفصيلاتها، وإنهم دُعوا إلى المناسبة على أساس وعد بأن المبادىء المهمة بالنسبة إلى العالم العربي – عاصمة فلسطينية في القدس، وقيام دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة – موجودة فيها. بعد نشر الخطة تبين أن هذه المبادىء بعيدة عن توقعات الدول العربية وهي تؤدي إلى تغير في المكانة الإسلامية للمسجد الأقصى وتسمح بصلاة اليهود في الحرم الشريف. وعلى الرغم من العلاقات الوثيقة بين إدارة ترامب والسعودية، لم تعلن المملكة تأييدها للخطة أو تعترف بأنها تشكل أساساً لمفاوضات، وفي حديث مع محمود عباس، أعرب الملك سلمان عن تأييده للشعب الفلسطيني من دون تحفظ. الكويت وقطر تحفظتا على الخطة، لكنهما هنـأتا الإدارة الأميركية على جهودها. وفي مقابل سعي إسرائيل في العقد الأخير للتطبيع مع العالم العربي، تبرز رغبة متبادلة من أجل الدفع قدماً بالعلاقات على أساس مصالح استراتيجية مشتركة، لكن بالنسبة إلى هذه الدول، لا يكفي هذا لاتخاذ موقف إيجابي من خطة السلام، بحسب مخطط ترامب.

موقف المجتمع الدولي – أغلبية المجتمع الدولي لا تشارك في الحماسة الإسرائيلية – الأميركية للخطة وقد رفضها عدد من الهيئات والدول المهمة. بعد رفض الجامعة العربية الخطة، عبر الناطق بلسان الكرملين ديمتري باسكوف عن موقف الكرملين ضدها بحجة أنها تتعارض مع قرارات الأمم المتحدة بشأن النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني، وغير قابلة للتحقيق بالنسبة إلى الفلسطينيين والعالم العربي. الاتحاد الأوروبي يواجه صعوبة في صوغ موقف مشترك بين جميع الدول الأعضاء، ولم يعبّر عن موقف رسمي ضد الخطة، لكن الممثل الأعلى لشؤون الخارجية والأمن في الاتحاد جوزيف بوريل بونتلس ذكّر بالتزام الاتحاد بحل الدولتين على أساس خطوط 1967، مع دولة فلسطينية مستقلة ذات تواصل جغرافي، وبذلك، رفض فعلاً الصيغة المقترحة. في الوقت عينه، يرى الاتحاد في الخطة فرصة لاستئناف المفاوضات الإسرائيلية – الفلسطينية. تجدر الإشارة إلى أنه في الكونغرس الأميركي سُمعت أصوات ضد الخطة، إذ قدّم نحو 107 مندوبين من الحزب الديمقراطي كتاباً إلى الرئيس ترامب، ادّعوا فيه أن الخطة لا تسمح بقيام دولة فلسطينية في الضفة الغربية وفي قطاع غزة. وأشار موقّعو الكتاب إلى أن الخطة لا تحمل نية حسنة، لذا لا يمكن التعامل معها بجدية.

الانعكاسات على إسرائيل

تصف خطة ترامب عملياً وضعاً نهائياً، مع أن الإدارة الأميركية – الرئيس ترامب نفسه وقت عرض الخطة وأيضاً السفيرة الأميركية في الأمم المتحدة كيل كرافت – عرّفا الخطة بأنها “رؤيا” تدعو إسرائيل والجانب الفلسطيني إلى الدخول في مفاوضات بشأن التفصيلات والتطبيق. من الممكن أن يقدّم طرف يقوم بدور وسيط في المفاوضات وضعاً نهائياً اقتراحاً للتجسير بين المواقف عندما يكون هناك موافقة مبدئية من الطرفين على مخطط الاتفاق. لكن مثل هذا الوضع غير موجود اليوم على الساحة الإسرائيلية – الفلسطينية بسبب الفجوات غير القابلة للتجسير في المواقف الاستهلالية للطرفين. هدف نهاية النزاع ونهاية المطالب، كما هو محدد في الخطة، ليس عملياً ما دام كل واحد من الطرفين لا يعتقد فعلاً بأن الطرف الثاني يبذل جهداً كبيراً وصادقاً، لتلبية حاجاته هو أيضاً. لذلك يمكن أن نرى في الخطة قدراً كبيراً من السذاجة التي تتجلى في الاعتقاد بأن الأطر المقترحة مفيدة لإقامة منظومة إقليمية جديدة، مشتركة بين إسرائيل والدول العربية المعتدلة، وأنه من الممكن حل نزاع إثني – حساس – أصيل، مثل الذي يطبع العلاقات بين إسرائيل والفلسطينيين، بواسطة اقتراح عقاري وإغراءات اقتصادية مهما كانت كبيرة.

على الرغم من أن المخطط ليس اختباراً عادلاً بالنسبة إلى الفلسطينيين، فإن رفضه استمراراً لرفضهم اقتراحات التسوية التي طُرحت في المفاوضات في الماضي – يقوي السردية الإسرائيلية بعدم وجود شريك للسلام. في ضوء الردود الضعيفة على الخطة في الساحة الإقليمية، وبشكل خاص، لأن نشرها لم يؤد إلى اندلاع واسع للعنف في الضفة الغربية وفي قطاع غزة، من المحتمل أن أطرافاً في إسرائيل تنتظر الفرصة لضم مناطق ستبدأ العمل بجدية من أجل تحريك العملية. وبذلك تتعمق الهوة الإسرائيلية – الفلسطينية، وتزداد صعوبة صوغ شروط استهلالية في المستقبل لمعاودة الحوار، ممكنة التطبيق. ليس هذا فحسب، بل إن الخطة تهدد بتقويض الوضع القائم بصورة كبيرة، حتى لو لم يكن الأمثل، في الأساس إذا قررت إسرائيل تطبيق الأجزاء المريحة بالنسبة إليها في الخطة، من دون بذل جهد في التوجه نحو الفلسطينيين وإبداء مرونة لإقناعهم بالانضمام إلى العملية.

علاوة على ذلك، لا تشتمل الخطة على رافعة حقيقة لولادة دولة فلسطينية قادرة على العمل، ومستقرة ومسؤولة. أو لتجسير الانقسام القائم في المنظومة الفلسطينية، في الأساس بين “فتح” و”حماس” وبين الضفة الغربية وقطاع غزة. تفتقر الخطة إلى تصميم للتعامل مع الانقسام في الحكم، وأيضاً ومع المطالبة بعودة السلطة الفلسطينية إلى قطاع غزة ونزع سلاح “حماس”، كشرط لإقامة دولة فلسطينية.

وحتى لو نجح الأطراف الذين هم على علاقة بالموضوع في التغلب على كل المقيّدات، ونفّذت إسرائيل والفلسطينيون كل الشروط، وأُقيمت دولة فلسطينية فإنها ستكون منقسمة إلى 6 كانتونات، وهذا وضع سيجعل من الصعب جعلها دولة مستقرة قابلة للحياة (يثبت التاريخ أن الدول التي لديها حدود غير متواصلة جغرافياً، هي عرضة للتفكك). الصعوبة التي من المتوقع أن تواجهها الزعامة الفلسطينية في السيطرة على دولة تمتد بصورة معقدة، بحسب الخطة، سيجعل من إسرائيل مسؤولة عن شروط الحياة الأساسية لثلاثة ملايين فلسطيني في الضفة الغربية والقدس، بالإضافة إلى مليوني نسمة في قطاع غزة. العبء الأمني والاقتصادي والمدني والسياسي الذي سيُلقى عليها سيكون كبيراً جداً. لذلك، فإن تطبيق الخطة لن يقدم سوى حل موقت. وسيتعين على إسرائيل أن تواصل إدارة النزاع في شروط أكثر تعقيداً من تلك القائمة اليوم.

في الحقيقة هذه أول مرة تقبل إدارة أميركية المطالب الإسرائيلية لترتيبات أمنية، وأيضاً ضم كل المستوطنات – مناطق الكتل الاستيطانية وغور الأردن وحتى معالوت، المشرفة على غربي الغور. سفير الولايات المتحدة في إسرائيل ديفيد فريدمان شرح أن هناك صفقتين: وثيقة “صفقة القرن”، وبالإضافة إلى “صفقة داخل صفقة” بحسب قول فريدمان: تنتظر إسرائيل انتهاء عمل لجنة سداسية، تشمل ثلاثة أميركيين وثلاثة إسرائيليين، تقوم بملاءمة الخريطة المقترحة في خطة ترامب مع الواقع على الأرض، لجعلها قابلة للتطبيق، وتجمّد البناء في المناطق المخصصة للدولة الفلسطينية. عندئذ، تعترف الولايات المتحدة بالسيادة الإسرائيلية في مناطق ليست مخصصة للدولة الفلسطينية. أي أن الإدارة الأميركية تبني شروطاً تسمح لإسرائيل بضم مناطق إليها من دون موافقة فلسطينية.

مع ذلك، تنطوي الخطة على خطر حقيقي على رؤيا الدولة اليهودية الديمقراطية، لأنه بموجبها، هناك قرابة 450 ألف فلسطيني سيجري استيعابهم في دولة إسرائيل. وإذا انهارت السلطة الفلسطينية بعد عمليات ضم إسرائيلية، فإن إسرائيل ستضطر الى تحمّل المسؤولية عن كامل السكان الفلسطينيين. والمغزى الذي لا مفر منه هو الانزلاق فعلياً إلى واقع دولة واحدة. في المقابل، سيتسارع الاتجاه القائم وسط الجمهور الفلسطيني الشاب في الأساس، نحو السعي لنشوء واقع الدولة الواحدة، مع المطالبة بالمساواة في الحقوق للجميع.

علاوة على ذلك، بحسب الخريطة المقترحة، يُطلب من إسرائيل أن تعطي مقابل المناطق المخصصة لتطبيق سيادتها أراضي كبيرة في النقب الغربي، ومنطقة المثلث إلى الدولة الفلسطينية – (أيضاً هذا خيار، معقولية تطبيقه توازي الصفر). في أي هيئة في حكومة إسرائيل اتُخذ قرار بضم المستوطنات المعزولة في عمق الأراضي الفلسطينية أهم بكثير من الاحتفاظ بأراض في النقب – التي تشكل عمقاً استراتيجياً لإسرائيل، ومن منطقة المثلث – في قلب إسرائيل؟ في أي هيئة جرت مناقشة الدلالات المعقدة والثقيلة الوزن، وذات الميزانيات الضخمة، المرتبطة بالحاجة إلى ضمان أمن 1400 كيلومتر من الحدود، وضمن ذلك ضم نحو 450 ألف فلسطيني إلى داخل إسرائيل؟ كل ذلك من دون إشراك المنظومة الأمنية وتوجيهها إلى القيام بعمل لتوضيح الانعكاسات.

خيارات أمام إسرائيل

في أعقاب نشر خطة ترامب، أمام إسرائيل ثلاثة بدائل للعمل – كلها مهمة بعد الانتخابات وتأليف حكومة جديدة:

اعتبار الخطة فرصة، ربما لن تتكرر، لتشكيل واقع بشروط إسرائيل في ساحة النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني. في مثل هذا الوضع، رفض الخطة من جانب الفلسطينيين والتأييد الأميركي، سينظر إليهما في إسرائيل كغعطاء الشرعية في الساحة الداخلية، وجزئياً في الساحة الدولية، لتطبيق بنود تضمنتها الخطة وفقاً لمصالحها. يطبَّق القانون الإسرائيلي على غور الأردن والمستوطنات (بحسب مخطط الخطة) دفعة واحدة، من خلال تجاهل مطلق للمعارضتين الفلسطينية والأردنية، وأيضاً المعارضة الدولية. ومعنى ذلك إغلاق الباب في وجه تسوية متفق عليها مستقبلاً؛ تقويض العلاقات الخاصة مع الأردن وإمكان المس باتفاق السلام معه؛ ازدياد الإرهاب والعنف من الجانب الفلسطيني؛ تباطؤ عمليات التطبيع مع الدول العربية؛ عزلة، ومن المحتمل أيضاً مقاطعة دولية. وسيكون الرد الأكثر خطورة على خطوات الضم من طرف واحد هو انهيار السلطة الفلسطينية و”إعادة المفاتيح” إلى إسرائيل. هذا التطور سيؤدي إلى واقع دولة واحدة، مع كل الانعكاسات السلبية على إسرائيل في المجالات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية وأيضاً الفكرية.

القبول من حيث المبدأ بالخطة من دون اتخاذ خطوات عملية حتى قيام حكومة جديدة وإبداء الجانب الفلسطيني استعداده للعودة إلى المفاوضات. في إمكان إسرائيل أن تضع شروطاً جديدة للدفع قدماً بتسوية على أساس خطة ترامب، وتتضمن: السعي لإرساء ثقة بين الطرفين؛ تعزيز التعاون الأمني؛ تحسين الواقع الاقتصادي والمدني في السلطة الفلسطينية؛ تعميق وتوسيع العلاقات بين إسرائيل والدول العربية – مصر، الأردن، الدول الخليجية؛ تعزيز التدخل الإقليمي في العلاقات بين إسرائيل والفلسطينيين وتجنيد مساعدة عربية من أجل نشوء ظروف لقيام دولة فلسطينية قابلة للحياة وقادرة على العمل. ومغزى ذلك، وضعُ خطة ترامب “على الرف”، بدعم أميركي، وكنقطة مرجعية للتعامل مع مفاوضات مستقبلية، مع ترسيخ المطالب الأمنية الحيوية لإسرائيل كما جرى صوغها في الخطة، وأيضاً مع إظهار مرونة إسرائيلية بشأن المجالين الإقليمي والوظيفي للكيان الفلسطيني.

ترى إسرائيل في الخطة فرصة لبلورة استراتيجيا بهدف الانفصال عن الفلسطينيين، سوية مع السعي للتعاون مع السلطة الفلسطينية وجرها إلى تطبيق ترتيبات موقتة.

تدعو إسرائيل زعامة السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير إلى دراسة الخطة والعودة إلى طاولة المفاوضات على أساسها. في الوقت عينه، يجري التوضيح أن رفضاً فلسطينياً لمفاوضات تتضمن مرجعيتها مخطط ترامب، سيؤدي إلى تطبيق أجزاء من الخطة على مراحل، بهدف تحقيق الانفصال وعدم الاختلاط السكاني، لكن مع إبقاء الباب مفتوحاً أمام مفاوضات وتنسيق مع السلطة. تبدأ إسرائيل بضم تدريجي للمستوطنات والكتل الاستيطانية التي يوجد إجماع عام عليها، وتتلاءم مع اتجاه الانفصال.

في المقابل، تمنح إسرائيل السلطة الفلسطينية مناطق ذات أهمية مشابهة في المنطقة ج (أراض يسكنها فلسطينيون وتنشىء تواصلاً جغرافياً فلسطينياً). إذا ظلت السلطة الفلسطينية متمسكة برفضها استئناف الحوار، تواصل إسرائيل بلورة واقع انفصال إقليمي وسياسي وديموغرافي عن الفلسطينيين. وذلك بما يتلاءم مع المخطط الاستراتيجي للساحة الإسرائيلية – الفلسطينية، الصادر عن أبحاث معهد الأمن القومي (تشرين الأول/أكتوبر 2018).

في نظرة إلى الأمد البعيد، ينطوي الخيار الأول على مخاطر كثيرة بالنسبة إلى دولة إسرائيل على جميع المستويات – أمنية، واقتصادية، ومدنية/ اجتماعية، والموقف الدولي والإقليمي – ويمكن أن يؤدي إلى واقع دولة واحدة. في المقابل، الخياران الثاني والثالث، يمكن أن يبلورا شروطاً للانفصال عن الفلسطينيين ونشوء واقع استراتيجي أفضل بالنسبة إلى إسرائيل.

المصدر: مجلة مباط عال الاسرائيلية _ عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية

Optimized by Optimole