لدى أردوغان ما يخسره: العلاقات الاقتصادية بين إسرائيل وتركيا

Spread the love
بقلم: سامي بيرتس – محلل اقتصادي إسرائيلي —

•لا شك في أن مهرجان الإهانات الدبلوماسية بين إسرائيل وتركيا وتهجمات السياسيين في الجانبين، تسبّبت بتصعيد الموقف بين الدولتين بعد فترة هدوء، تم تحقيقها في إثر التعويضات التي دفعتها إسرائيل بقيمة 20 مليون دولار، إلى عائلات قتلى “سفينة مافي مرمرة”. والتخوف الآن هو من مغبّة أن تؤدي المواجهة الحالية إلى المسّ بالعلاقات الاقتصادية بين الدولتين.

•وشملت هذه العلاقات، في الماضي، علاقات أمنية جيدة، وتجارة خارجية، وسياحة وطيراناً. وألحقت أحداث “سفينة مافي مرمرة”، سنة 2010، أضراراً بهذه العلاقات، وأساساً بالتعاون الأمني، لكنها لم تؤد إلى قطع العلاقات الاقتصادية، الأمر الذي يدل على أن المصالح الاقتصادية قائمة بموازاة المصالح السياسية. وفي إثر تلك الأحداث توقف التعاون العسكري بين الدولتين، وتم إلغاء مناورة جوية مشتركة بين سلاحي الجو الإسرائيلي والتركي، ولم يتم تجديد صفقات أمنية عديدة كانت قائمة.

•وعلى سبيل المثال، قامت الصناعات العسكرية الإسرائيلية، في الماضي، بتنفيذ مشاريع للجيش التركي شملت تطوير 170 دبابة من طراز “إم 60 فوتون”، بقيمة تقارب مليار دولار. لكن في ضوء مستوى التوتر الحالي، ثمة شك كبير فيما إذا كانت إسرائيل تريد أصلاً إبرام صفقات أمنية مع تركيا. وحتى من دون هذا، بقيت للدولتين مصالح اقتصادية مشتركة، بل إنها تعززت بالذات في السنوات الأخيرة، على الرغم من سوء العلاقات بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو. وما يمكن تقديره هو أن المسّ بالعلاقات الاقتصادية سيسبب ضرراً للجانبين، ولذا حتى في الوقت الذي يبدو فيه أردوغان غاضباً وشديد الحماسة في خطابه، لن يتدهور نحو مواجهة على مستوى العلاقات الاقتصادية.

•من الصعب تحديد أي من الجانبين يجني فائدة أكبر من العلاقات الاقتصادية. فإذا اشترت إسرائيل قميصاً تم إنتاجه في تركيا بسعر زهيد، من الذي يستفيد أكثر؟ الذي باع القميص وربح، أم الذي اشتراه بسعر زهيد؟ هذا هو سحر اقتصاد السوق. وحين تعمل السوق بشكل جيد، فإن الجانبين يستفيدان، ولذا فإن العلاقات الاقتصادية في هذه المرحلة تبقى خارج صورة الأزمة السياسية، التي تتم خلالها إهانة الدبلوماسيين أمام عدسات الكاميرات. في دول كثيرة ترتكز التجارة الخارجية أساساً على الدول المجاورة، بسبب الامتيازات اللوجستية الواضحة. ولا توجد لدى إسرائيل تجارة ذات شأن مع الدول التي تجاورها، بينما ما تزال تركيا بمثابة هدف إقليمي ذي أهمية، كما أن إمكانات العلاقات معها لم تُستنفد كلياً بعد.

•في السنوات الأخيرة طرأ تسخين معين في العلاقات بين الدولتين، من دون علاقة مع اتفاق المصالحة الذي أُبرم سنة 2016. ويرتبط هذا التسخين بعاملين: الجهد الرامي إلى خفض كلفة المعيشة في إسرائيل وفتح أبواب المنافسة في سوق الطيران، والحرب الأهلية الدائرة في سورية.

•وأدى فتح الأجواء للمنافسة إلى ارتفاع حاد في نسبة سفر الإسرائيليين إلى تركيا، ليس من أجل المكوث فيها بالذات، وإنما في أغلب الأحيان كجسر لرحلات جوية إلى محطات أُخرى في العالم. وفي سنة 2012 أقلعت 4706 طائرات من إسرائيل إلى تركيا، أقلت 686.000 مسافر. ومنذ تلك السنة كان هناك ارتفاع سنوي متواصل، وفي سنة 2017 أقلعت من إسرائيل في اتجاه تركيا 12400 طائرة أقلت مليوني مسافر. وتحولت تركيا، في السنوات الأخيرة، إلى أحد أبرز أهداف السفر الجوي من إسرائيل. فالتوقف في تركيا نحو هدف تالٍ يقلل كثيراً من تكلفة الرحلة الجوية إلى أهداف متعددة، مقارنة برحلات الطيران المباشرة. وبطبيعة الحال فإن الجانبين يستفيدان من هذا: الإسرائيليون يشترون تذاكر سفر بسعر أقل، وشركات الطيران ومطارات تركيا تستفيد من حركة سفر كبيرة.

•صحيح أن إسرائيل ليست هدفاً سياحياً للسياح الأتراك، لكنها تُعد جسراً للتجارة الخارجية التركية، بدأ عملياً في إثر الحرب الأهلية في سورية. فهذه الحرب ألزمت المنتجين الأتراك، الذين يسوّقون المنتوجات الزراعية وغيرها في الأردن، بأن يجدوا مساراً آخر عدا سورية. وكان المسار، الذي تم العثور عليه، من خلال سفن تركية تقل شاحنات كبيرة مع سائقين أتراك، يفرغون بضائعهم في ميناء حيفا، ثم يواصلون سفرهم نحو جسر الشيخ حسين، ومن هناك إلى الأردن. وتعود الشاحنات الكبيرة، التي تجر كل واحدة منها عربة شحن إضافية، من الأردن إلى حيفا، وقد تكدّست عليها بضائع. ويدور الحديث عمّا بين 30 إلى 40 شاحنة بهذا الحجم أسبوعياً. وهو عدد صغير نسبياً، مقارنة بالاحتمالات الممكنة. ويقول دافيد بريش، صاحب شركة “تيران”، التي تمثل شركة النقل البحرية التركية “توركون”، إن تدهور العلاقات الدبلوماسية لم ينعكس على العلاقات الاقتصادية. وأضاف: “لم أشعر بأي تدهور بعد أحداث سفينة مافي مرمرة. وأخمن أنني لن أشعر أيضاً بأي شيء الآن. لقد تحادثت مع القنصلية الإسرائيلية في اسطنبول، وقالوا لي هناك إن كل الأمور تسير كالعادة، باستثناء أنهم طيّروا السفير. ونحن من جهتنا ما نزال نجهّز التأشيرات للسائقين الأتراك، الذين يصلون إلى هنا، وكل الأمور تسير حسب النظام المُحدد لها”.

•بموجب تقديرات جهات مسؤولة في مجال النقل البحري، ففي إمكان فرص النشاط التجاري أن تكون أكبر بكثير، لو أن الشركات التركية تقوم بتصدير البضائع إلى السعودية، من خلال الشاحنات التي تصل إلى ميناء حيفا.

•والسائقون الأتراك ليسوا الوحيدين الذين يعملون هنا، إذ يتم تشغيل عمال أتراك في بناء الميناء في خليج حيفا، كما يتم استخدام سفن تركية للنقل البشري أيضاً.

•وبلغ إجمالي التجارة المتبادلة بين إسرائيل وتركيا، سنة 2017، نحو 4.3 مليار دولار، ويميل الميزان التجاري لمصلحة تركيا، إذ إن هذه الأخيرة تصدّر إلى إسرائيل أكثر بكثير مما تستورده منها. وفي السنة الفائتة بلغ حجم الصادرات الإسرائيلية إلى تركيا 1.4 مليار دولار، بينما بلغ حجم الاستيراد منها نحو 2.9 مليار دولار. والصادرات الإسرائيلية الأساسية هي مواد كيميائية، ومنتوجات النفط، في حين يتركز الاستيراد في السيارات ومعداتها والمعادن والماكينات والنسيج.

•بطبيعة الحال إن الفرصة الأكبر لتطوير العلاقات التجارية بين الدولتين كامنة أساساً في الغاز الطبيعي الإسرائيلي. فالأتراك بحاجة ماسة إلى الغاز، ولدى إسرائيل مخزون كبير من الغاز، وتجري بين الدولتين محادثات في هذا الشأن منذ عدة سنوات. وتشتري تركيا الغاز، أساساً، من روسيا، ولإسرائيل مصلحة في بيعها الغاز، من أجل أن تعزز مكانتها في المنطقة. إلاّ إن هذا الأمر ليس سهلاً، لأنه متعلق بعدة جوانب حساسة. ويقول مصدر في قطاع الغاز: “طوال الوقت تجري محادثات مع الأتراك. ومن المعقول الافتراض أنه لو كان لهذا دعم من الحكومتين، لكانت المفاوضات ستتقدم”.

•ويعتقد المستشرق إيال زيسر، من جامعة تل أبيب، أن إسرائيل تفضل بيع الغاز إلى اليونان وقبرص، لكون هذا المسار مستقراً أكثر: “المسار اليوناني القبرصي يبدو أكثر أمناً من الناحية السياسية، وهو ليس مرتبطاً بالمزاج. إن الغاز شأن استراتيجي يلزم باستثمارات ضخمة جداً مع تفاهمات بعيدة المدى ودعم حكومي، لكن ثمة شأن اقتصادي أيضاً، وأعتقد أنه لو كان الأمر صحيحاً من ناحية اقتصادية بالنسبة إلى الأتراك، لكانوا عملوا على الدفع قدماً بالمفاوضات”.

•والسؤال المطروح هنا هو فيما إذا كان من الصحيح رصد أموال لمدّ أنبوب غاز من حقل لفيثان إلى تركيا، إذ إن كلفته تبلغ ملياري دولار، وشركات الغاز في إسرائيل لن ترصد مبلغاً كهذا من دون ضمانات وترتيبات تسفر عن جني فوائد من مثل هذا الاستثمار.

•ويدعي زيسر أن أردوغان، على الرغم من مزاجه الحاد، فإنه لن يمس الاقتصاد التركي، ويعرف كيف يفصل بين الشؤون السياسية والمصالح الاقتصادية لبلاده. ويضيف “إنه يعرف الحدود، لكن في ضوء دينامية الشرق الأوسط، من الصعب معرفة أي اتجاه سيختار”.

•فضلاً عن ذلك كله، فإن بيع الغاز لتركيا من شأنه في الأوضاع القائمة أن يصطدم أيضاً بمعارضة إسرائيلية داخلية. فقد سارع قادة سياسيون، من الائتلاف والمعارضة، إلى مهاجمة أردوغان، بسبب طرده السفير الإسرائيلي، وإهانته في المطار. ومن الصعب رؤيتهم يلتزمون الصمت حيال احتمال قيام إسرائيل ببيع تركيا مخزون غازها الطبيعي.

•لكن إذا فحصنا واقع استمرار المسار الاقتصادي بموازاة الأزمات الدورية في المسار السياسي، من الممكن أن ينسحب مثل هذا الفصل بين المسارين على قطاع الغاز الطبيعي أيضاً، كما كانت الحال دائما حتى الآن في سياق العلاقات المُركّبة بين الدولتين.

المصدر: صحيفة دي ماركر الإسرائيلية، عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية

Optimized by Optimole