هل يمكن لباكستان والهند الخروج من دوامة الصراع؟

Spread the love

بقلم: د. هيثم مزاحم — جاءت المناوشات التي وقعت الأسبوع الماضي بين الهند وباكستان لتؤكد أن جنوب آسيا هي موطن لأحد أخطر النزاعات على كوكب الأرض. كما حدث مرات عدة منذ حرب كارجيل بين الهند وباكستان في عام 1999، فإن هجوم كشمير الذي نفذه “جيش محمد” المتطرف والذي تتهمه نيودلهي بأن مقره في باكستان ويحظى بدعم منها، قد دفع الخصمين في شبه القارة الهندية إلى صراع تقليدي مباشر، مما أثار مخاوف من أن الوضع غير المستقر بالفعل يمكن أن يعجل بوقوع حرب نووية بين الجارتين. في حين أن اندلاع العنف قد تلاشى بسرعة إلى حد ما بعد قرار التصعيد الذي اتخذه القادة العسكريون والسياسيون الباكستانيون، إلا أن الجدير بالأهمية أنه لم يتم إحراز أي تقدم في معالجة الاحتكاكات العرقية والدينية التي استمر في دفع الهند وباكستان إلى تبادل الاتهامات السياسية والاشتباكات العسكرية.

وقد تابع محرر مجلة “ذا ناشيونال انترست” آدم لامون وقائع ندوة عقدت أخيراً في مركز “ذا ناشيونال انترست” الأميركي حيث طرحت الندوة تساؤلاً هو: “لماذا تظل باكستان والهند في وضع متقلب ومحفوف بالمخاطر، على الرغم من حقيقة أن أياً من الجانبين لا يرغب في التصعيد أو استمرار الصراع؟”.

وفقًا لحسين حقاني، السفير الباكستاني السابق لدى الولايات المتحدة والمدير الحالي لمنطقى جنوب ووسط آسيا في معهد هدسون الأميركي، فإن الكثير من اللوم يقع على باكستان بشأن هذه الأزمة. ولاحظ حقاني خلال الندوة أن السياسة الخارجية الباكستانية مرهونة بالكامل للأجهزة العسكرية والاستخباراتية في البلاد، والتي دفعت إلى “تسنيد” السياسة الباكستانية – سواء ضد الهند أو في الآونة الأخيرة في أفغانستان. وقال إن هذه المشكلة تعود إلى إنشاء باكستان بعد تقسيم الهند البريطانية، حيث لم يتبقَ للدولة الباكستانية سوى 17 في المائة من موارد المستعمرة البريطانية، ولكن مع 33 في المائة من قوات البلاد العسكرية. ومنذ ذلك الحين، واصل الجيش الباكستاني عمله لزيادة حجم التهديدات التي يتعرض لها الجيش، مستخدماً التهديدات الخارجية لتبرير وجوده وتوحيد مختلف الجماعات العرقية التي تعيش داخل البلاد.

ورغم أن التركيز الدولي على باكستان يرتبط في الغالب بقدراتها العسكرية أو بدعمها للإرهاب، فقد سقطت الدولة نفسها في حالة من الفوضى الاجتماعية والتنموية. وقد سرد حقاني مجموعة متنوعة من العلل الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والإقليمية التي واجهتها باكستان على مدار الأربعين عامًا الماضية، لكنه وجه اهتماماً خاصاً إلى اثنتين منها: في العام الماضي شهدت باكستان معدل وفيات للأطفال يعد من بين أعلى المعدلات في العالم، وتقلصت نسبة معرفة القراءة والكتابة بنسبة 2 في المئة من 60 إلى 58 بالمئة.

من وجهة نظر حقاني، فإن هذا الأمر يمثل مشكلة كبيرة: “هذا يجعل الصورة الكبيرة للتوقعات الاقتصادية لباكستان صعبة، ولكن الدولة بخير.. [عن طريق الاقتراض من الصين والسعودية والإمارات العربية المتحدة.. لكنها بدأت للتو في الخروج من الأزمة التي تخلقها باكستان لنفسها كدولة. إذا لم يكن لديك سكان يعرفون القراءة والكتابة، فلن يكون لديك تنمية في رأس المال البشري. إذا لم يكن لديك هذا، فأين ستجني الأموال لتتمكن من سداد جميع القروض التي لديك؟ يمكنك محاولة الاستفادة من موقعك الاستراتيجي بقدر ما تريد، ولكن سيأتي وقت… تتغير فيه المخاوف الاستراتيجية”.

ولعل علاقة باكستان بالولايات المتحدة خلال ولاية إدارتي الرئيس باراك أوباما والرئيس الحالي دونالد ترامب شاهدة على الأزمة الباكستانية وتراجع العلاقة بين إسلام آباد وواشنطن، وقد يتم إثبات وجهة نظر حقاني في وقت مبكر وليس آجلاً. من الواضح أن الولايات المتحدة، أكبر مانح تاريخي لباكستان، حريصة على الانسحاب من أفغانستان، مما يقلل من أهمية إسلام أباد لواشنطن.

وقال جيرالد فييرستين، المسؤول السابق في وزارة الخارجية ومدير شؤون الخليج والعلاقات الحكومية في معهد الشرق الأوسط، إن الباكستانيين لم يكونوا مخطئين في التوصل إلى استنتاجات معينة حول مركزية باكستان في حساب التفاضل والتكامل الاستراتيجيين للولايات المتحدة والمنطقة. وأضاف أن ذلك كان صحيحًا في الثمانينيات من القرن الماضي [أثناء الغزو السوفيتي لأفغانستان وفي وقت لاحق بعد هجمات 11 أيلول – سبتمبر 2001، لكنه أصبح أقل صحة.. ونحن في مسار تراجعي منذ آخر عشرة أعوام أو خمسة عشر عاماً”.

كما هو الحال في النزاع حول كشمير ، الإقليم الذي تقطنه أغلبية مسلمة والذي تسيطر عليه الهند، والذي تطالب به باكستان، فقد استخدمت إسلام أباد متطرفين إسلاميين لمتابعة أهدافها الأمنية في أفغانستان. الجماعات المسلحة المدعومة من باكستان مثل حركة طالبان الأفغانية، والتي وصفها حقاني بـ”الأداة الوحيدة الموثوقة والحليف للجيش الباكستاني”، قد زادت التوترات بين إسلام أباد من جهة ونيودلهي وواشنطن وكابول من جهة أخرى.

ومع ذلك، سعت الولايات المتحدة إلى العمل مع باكستان في السعي لتنفيذ الأهداف الأميركية في المنطقة، حتى وقت قريب على الأقل. وفقًا لفييرستين، جرى ذلك لأن واشنطن كانت بحاجة إلى دعم إسلام أباد لجهود الحرب في أفغانستان لتحقيق أي فرصة للنجاح. وقال: “فيما يتعلق بخطوط الاتصال الجوية، وخطوط الاتصال الأرضية، لتزويد قوات الولايات المتحدة في أفغانستان وتزويد القوات الأفغانية، كان عليها أن تحظى بدعم باكستان”.

ومع ذلك ، أصبحت هذه المخاوف أقل بروزًا في عهد الرئيس دونالد ترامب. تسعى إدارة ترامب إلى إيجاد تسوية في أفغانستان وتعيد توجيه نفسها إلى حد كبير إلى منطقة المحيط الهادئ الهندية حيث ترى تهديدات أمنية قومية مزدوجة من الصين وكوريا الشمالية. وأشار فييرستين إلى أن هذا الانتقال يعني “أن الشرط الاستراتيجي للحفاظ على العلاقة الوثيقة مع باكستان لم يعد موجوداً بعد الآن”. ورغم أن فييرستين أقر بأن الولايات المتحدة قد تريد أن يساعدها الباكستانيون في المناورة مع حركة طالبان باتجاه تسوية مقبولة، إلا أنه يعتقد أن الأمر لا يتجاوز ذلك.

عند النظر إلى المستقبل، لا يعتقد أي من الخبراء أن من المحتمل حدوث تحسن كبير على المدى القريب في العلاقات الأميركية – الباكستانية. فقد نما دعم الصين لباكستان من خلال المساعدات والاستثمارات الأجنبية إلى درجة أن إسلام أباد باتت أكثر مدينة للمصالح الصينية من المصالح الأميركية.

يتلاقى هذا الاتجاه مع إعادة تفكير الولايات المتحدة في علاقتها بباكستان، مما يعزز فكرة أن إسلام أباد لم تعد موجودة في مدار الولايات المتحدة، إذا كانت كذلك في أي وقت مضى. بدلاً من ذلك ، ستظل باكستان على الأرجح بمثابة صداع لصانعي القرار الأميركيين، لأن واشنطن لا تستطيع تحمل التجاهل الكامل لأي دولة تمتلك أسلحة نووية.

بخصوص جهود الولايات المتحدة لصياغة إستراتيجية جديدة تجاه باكستان، يقدم حقاني التصور التالي: “لقد قدمت الولايات المتحدة المساعدات وكان ذلك حافزاً على التغيير ولم ينجح ذلك. الولايات المتحدة تحاول معاقبة باكستان وهذا لا ينجح. ماذا سوف تفعل؟ .. ربما تقبل حقيقة أن لا شيء سوف ينجح وسيمكنك من تطوير أدوات السياسة التي قد تنتهي بنجاح العمل”.

ترجمة: د. هيثم مزاحم – الميادين نت

Optimized by Optimole