كلمة طيّبة عن ترامب

Spread the love

بقلم تشاك فرايليخ – نائب رئيس سابق لهيئة الأمن القومي الإسرائيلي، وباحث كبير في جامعة هارفارد ومحاضر في جامعة تل أبيب —

بعد مرور 25 عاماً على أوسلو، يتبدد احتمال حل الدولتين والانفصال عن الفلسطينيين في ضوء التغيرات التي طرأت على الأرض وتمسّك الطرفين بمواقفهما. حالياً، تحاول إدارة ترامب اختراق الحائط المسدود، وبطريقتها المعهودة، عبر تحطيم كل القواعد.
من النادر أن تقدم هذه الإدارة فرصة لنقول عنها كلمة طيّبة. واختيارها المتكرر لسياسة تحطيم الأواني يكشف عجزاً عن فهم الواقع المركب، ومصيرها عموماً الفشل. لكن هناك حالات يكون فيها الطرفان ثابتين في مواقفهما، وفقط هزة عنيفة تستطيع إنقاذهما من هذا الوضع. لقد كان تشخيص إدارة ترامب صحيحاً، اعتبار القدس واللاجئين هما المسألتان الأساسيتان اللتان يجب تغييرهما في مواقف الطرفين.
السنونوة الأولى التي دلت على المقاربة الجديدة التي تبناها ترامب كانت الاعتراف بالقدس كعاصمة لإسرائيل. هذه الخطوة مباركة بحد ذاتها، لكنها جرت خارج إطار المفاوضات، ومن دون المطالبة بثمن إسرائيلي. الخطوة الثانية كانت وقف المساعدة الأميركية للفلسطينيين التي يقدَّم الجزء الأكبر منها من خلال الأونروا، وهي وكالة فاسدة تساهم في تأبيد اللجوء وصورة الضحية الفلسطينية. هذه الخطوة أيضاً كانت إيجابية بحد ذاتها، لكنها جرت من دون التفكير مسبقاً بآليات مساعدة بديلة، ولذلك فهي يمكن أن تؤدي إلى أزمة انسانية وإلى ازدياد العنف.
وسرعان ما تبين أن هاتين الخطوتين هما فقط جزء من عملية أوسع كثيراً، تضمنت تقويض مبدأين مقدسين بالنسبة إلى الفلسطينيين: التعريف الخاص بهم وبالأونروا، الذي يعرّف اللاجئين الفلسطينيين ليس فقط بأنهم الذين اقتُلعوا من منازلهم بل أبناء ذريتهم عبر الأجيال. بعد ذلك أحدثت الإدارة الأميركية هزة في رام الله، عندما أوضحت أن الدولة الفلسطينية ليست بالضرورة النتيجة الوحيدة لعملية المفاوضات، وأن هناك بدائل أُخرى مثل كونفدرالية مع الأردن.
وبهذه الطريقة تسببت الإدارة الأميركية بانهيار كل مواقفهم وجهودهم الدبلوماسية من أوسلو حتى اليوم. كل من يتمسك فعلاً بالسلام يعلم أن الفلسطينيين بحاجة إلى “يقظة صحية”. لكنهم بدلاً من أن يفحصوا أين أخطأوا تمسكوا كعادتهم بمواقفهم، وهاجموا الإدارة الأميركية، واتخذوا خطوة كانت أكثر تعبيراً عن تقصيرهم، فقد قطعوا أي علاقة بها على الرغم من أن العلاقات بالولايات المتحدة هي أحد الإنجازات الفلسطينية الأساسية لاتفاق أوسلو.
عملياً، قررت الإدارة الأميركية أن تفرض على الفلسطينيين تغيير مواقفهم بالقوة. والسؤال هل هي مستعدة لتحمّل الثمن. الإكراه يجب أن يكون جزءاً من استراتيجيا شاملة تترافق مع تدخل مكثف. وعلى ما يبدو، هذا ليس مجالاً يتقنه الرئيس. فالإكراه يتطلب أيضاً إصراراً واستعداداً لممارسة ضغوط قوية تفوق قدرة الطرف الثاني على التحمّل. بالنسبة إلى الفلسطينيين المقصود قضايا قائمة بحد ذاتها، يتمسك بها الفلسطينيون منذ عشرات السنين، بينما تجد إدارة ترامب صعوبة في التركيز على قضية ما أكثر من عشر ساعات. بالإضافة إلى ذلك يملك الفلسطينيون أدوات تأثير. ومقاربة الإكراه ستصطدم بصعوبات عندما ستقف الدول العربية ضد المعاناة، وأيضاً ضد الجوع الجماعي للفلسطينيين، أو عندما تقف إسرائيل في وجه هجمات متزايدة من غزة وربما من الضفة.
ثمة مسألة إضافية حساسة. هل ستقوم الإدارة الأميركية “بهزّنا” أيضاً. الدليل الأول على جواب إيجابي هو إعلان ترامب تأييده حل الدولتين. خطوات مهمة أكثر ستكون، مثلاً، الاعتراف بالأجزاء الشرقية للقدس كعاصمة فلسطينية، والطلب من إسرائيل التخلي عن مطالبتها بالسيادة على المنطقة الواقعة شرقي جدار الفصل، أي نحو 90% من الضفة.
هناك إمكان آخر يتعلق بمشكلة اللاجئين. إذا أرادت الإدارة الأميركية أن تصدم الجانبين، تستطيع أن تقترح عودة محدودة ومراقبة إلى مناطق أ وب في الضفة، وعودة غير محدودة إلى غزة، وحتى إلى مناطق من المنطقة ج، وذلك قبل الحل الدائم، في مقابل التخلي عن “حق العودة”، وإنهاء العنف وعودة السلطة الفلسطينية إلى غزة. خطوة من هذا النوع ستجبر إسرائيل على مواجهة إجماع [إسرائيلي] يرفض أي نوع من العودة، ويجبر الفلسطينيين على اتخاذ قرار تاريخي: الاكتفاء بإنجاز محدود لكن ملموس ومباشر، أو مواصلة التمسك بالحلم الذي يبدو أنه لن يتحقق أبداً.
الذين يحنّون إلى بشارة أوسلو يتجاهلون حقيقتين مؤلمتين. الأولى، ثمة شك كبير في أن الدولة الفلسطينية ستكون دولة معتدلة، مستقرة، ومزدهرة ونصيرة للسلام. وتدل التجربة المُرة للدكتاتورية الفاسدة في الضفة والسلطة الدينية في غزة على أنه من المتوقع أن تكون دولة عربية أُخرى متخلفة، تسلطية، عنيفة، وغير مستقرة.
ثانياً، وبخلاف الوهم السائد، اتفاق أوسلو لم يحدد طبيعة التسوية الدائمة، والاستعداد الإسرائيلي للبحث في خيار الدولة الفلسطينية كان مشروطاً، وعن حق، بالتزام فلسطيني بشرطين أساسيين: إثبات قدرة فعلية على الحكم، وعلى منع الإرهاب. والفشل الفلسطيني الذريع في هذين المجالين يلقي ظلاً كبيراً على العملية السياسية كلها.
حل الدولتين ضروري، ربما ليس لأنه يشكل وصفة لعلاج علل النزاع، بل لأن البدائل الأُخرى أسوأ كثيراً وتهدد استمرار المشروع الصهيوني. وأحياناً، كي نبني واقعاً جديداً يجب تحطيم كل القواعد.

المصدر: صحيفة هآرتس الإسرائيلية، عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية

Optimized by Optimole