كابوس الكوماندوس البحري، انقشاع الضباب [كمين الأنصارية، 5/9/1997]

Spread the love

بقلم: أليكس فيشمان – محلل عسكري إسرائيلي – بعد 20 سنة، وأربع لجان تحقيق وثلاث روايات، الجيش الإسرائيلي يقرّ: كارثة الكوماندوس البحري في لبنان نجمت عن كمين مخطط له؛
تدل الاستنتاجات، التي يُكشَف عن بعضُها هنا للمرة الأولى، على عمق اللفلفة والقصور؛
حزب الله التقط، كما يبدو، خمس ساعات من بث الطائرة الصغيرة من دون طيار، قبل العملية؛
بلاغ عن سيارة مشبوهة لم يتم تحويله إلى القوة المعنية، جراء خلل في سلاح البحرية؛
تقرير الطب الشرعي والانفجارات التي حصلت بالتزامن تثبت أن المشكلة لم تكن في العبوات التي كان يحملها الجنود؛
“أنا الذي أشرفتُ على تأهيلهم. شاركنا سوية في عشرات العمليات”، يقول قائدة وحدة الكوماندوس البحرية السابق، الوزير يوآف غالانت. “لم يكن هناك من هو معني بمعرفة الحقيقة”.
•”حتى في الهبوط الجماعي الحُرّ بالمظلات، هنالك لحظة يترك فيها المظليون أيدي بعضهم البعض فيبقى كل واحد منهم بذاته، وحيداً مع المظلة”. هذه الجملة، التي قالها قائد كبير في سلاح البحرية خلال جلسة مغلقة جرت بعد أيام قليلة من كارثة وحدة الكوماندوس البحري (المعروفة في إسرائيل باسم “السريّة 13” / “شيّيطِت 13”)، كانت كافية لضمان عدم إخضاع هذه الحادثة المأساوية لأي تحقيق عسكري جدي وإبقائها موضع جدل جماهيري حتى اليوم، بعد 20 سنة من وقوعها. فالضباط الكبار، وخاصة من وحدات الاستخبارات والعمليات في قيادة سلاح البحرية، فهموا الإشارة بصورة فورية وسارعوا إلى التعاقد مع محامين، كل على حدة. وحينما اكتسب التحقيق صبغة جنائية، لم يعد البحث يجري عن الحقيقة العمليانية لضرورة استخلاص العِبر، بل عن مذنبين متهمين بالمسؤولية عن الإخفاق في مركز القيادة التابع لسلاح البحرية، والذي أشرف على إدارة “عملية أنصارية” (“نشيد الحوْر”، كما أسماها الجيش الإسرائيلي) في العُمق اللبناني، في الليلة الواقعة بين يومي 4 و5 أيلول/ سبتمبر 1997، والتي قُتل خلالها 12 جندياً وضابطاً: 11 من مقاتلي “السرية 13” وطبيب من فرقة الإنقاذ.
•بموازاة الجلسة المذكورة في مقر قيادة سلاح البحرية، أجرت شعبة الاستخبارات العسكرية (“أمان”) نقاشاً حول الموضوع، في السادس من أيلول/ سبتمبر، أي بعد يوم واحد على العملية، عرض خلاله رؤساء وحدات جمع المعلومات والأبحاث أمام رئيس الشعبة آنذاك، اللواء موشي (بوغي) يعلون، وجهات نظرهم بشأن ظروف العملية وفشلها. لم يكن يعلون في البلاد وقت تنفيذ العملية وكان يعتمد على المعلومات التي عُرضت عليه بعد الكارثة. لخّص رئيس شعبة الاستخبارات البحث: الانفجار الأول الذي يظهر في أشرطة التصوير من طائرة التجسس وقع بين أفراد القوة (العسكرية). وكان استنتاج رئيس “أمان” قاطعاً: لم يكن هناك أي تدخل من العدو في الحادثة. وبكلمات أخرى، لم يكن “حزب الله” يمتلك أية معلومات في وقت حقيقي عن وجود القوة العسكرية في المنطقة. هكذا تبلور المفهوم الذي يجزم بأن القوة أصيبت جراء انفجارات تلقائية للمتفجرات التي كان يحملها الجنود على ظهورهم.
•تصاعدت المعركة واحتدمت بين شعبة الاستخبارات العسكرية (أمان) وسلاح البحرية. في “أمان”، سخروا من الطريقة التي شغّل بها سلاح البحرية الطائرات الصغيرة بدون طيار. وأكثر من ذلك، ادعت شعبة الاستخبارات بأنها حولت إلى استخبارات سلاح البحرية، قبل الحادثة بيومين اثنين، معلومات هامة أشارت إلى احتمال حصول تغييرات في استعدادات “حزب الله” في ذلك القطاع، غير أن سلاح البحرية لم يولِ تلك المعلومات أهمية كافية (على أية حال، لم تؤثر تلك المعلومات على رواية “أمان” بأن الكارثة لم تكن نتيجة عمل قام به العدو). وفي الواقع، لا يزال هذا التراشق بين الطرفين مستمراً حتى يومنا هذا، وخاصة حول عدم “إصرار” القيادة العسكرية العليا آنذاك على إجراء تحقيق عسكري، مهني، داخلي وشامل في القضية.
•ولّد التمترس في المواقف، سواء على مستوى الأفراد أو على مستوى الفروع العسكرية، منذ الأيام الأولى التي تلت الكارثة، حالة يسميها محققو أجهزة فحص الكذب (بوليغراف) بـ “إينكو”. وهي الحالة التي لا يمكن فيها الجزم، بصورة مؤكدة تماماً، ما إذا كان الخاضع للفحص يقول الحقيقة أم يكذب، وعندئذ يوصف الفحص بأنه “بدون استنتاج”. ويبدو أن ثمة جهات لا تزال معنية، حتى اليوم، بأن تبقى كارثة الكوماندوس البحري كحالة “إينكو” في الوعي الجماهيري العام. وهذا ما يثير حنق اللواء (احتياط) يوآف غالانت، وزير البناء والإسكان الحالي، الذي كان واحداً من القادة المحترمين جداً في “شيّيطت 13”. فهو يرى في ذلك تشويها للحقيقة، تضليلاً مستمراً للعائلات الثكلى، إساءة لكرامة الجنود الذين سقطوا ومسّاً بالسريّة نفسها. ليس ثمة أي شك، في رأيه. ثمة حقائق واضحة وجواب قاطع واحد راسخ في الاستنتاجات التي قدمتها لجنة التحقيق الرابعة والأخيرة، برئاسة العقيد (احتياط) كوبي أجمون، والتي شكلها الجيش في سنة 2010.
•تؤكد المعلومات، التي تُنشر هنا للمرة الأولى، الشعور الذي عبر عنه الجنود الخمسة الذين نجوا من الكارثة، ضمن حديثهم في الفيلم الوثائقي الذي أعده عُمري أسنهايم لبرنامج “عوفدا” [“حقيقة” – برنامج تحقيقات صحفية يُبث في القناة الثانية في التلفزيون الإسرائيلي]. فقد أدرك هؤلاء، بحسّهم المرهف، أن المسؤولين والمعنيين أخفوا عنهم الحقيقة الكاملة، طوال سنوات عديدة.
تصوير المتفجرات بالأشعة
•كان من المخطط لعملية “نشيد الحور” أن تكون عملية سرية تنفذها “السرية 13” في منطقة قرية أنصارية، في عمق الأراضي اللبنانية. الهدف: وضع عبوتين ناسفتين كبيرتين وخاصتين من صنع الجيش الإسرائيلي، من إنتاج “يفتاح” [اختصار “وحدة تطوير الوسائل القتالية”، بالعبرية]. عملية أخرى من سلسلة عمليات نفذتها هذه السرية في جنوب لبنان آنذاك. لم تكن تتضمن مكونات استثنائية، ولا حتى في مجال جمع المعلومات الاستخبارية للعملية. تولى قيادة العملية المقدم يوسي كوركين، قائد وحدة المقاتلين في السرية، وشارك فيها 16 مقاتلاً من طواقم مختلفة تابعة للسرية. بالنسبة لأربعة منهم، كان ذلك النشاط العملياني الأول الذي يشاركون فيه. وبالتزامن والتوازي مع ذلك، كانت السرية تستعد لتنفيذ عمليتين أخريين، إحداهما في مكان بعيد عن حدود إسرائيل، بحيث تدرب الجنود في الوقت ذاته على نماذج عدة لعمليات مختلفة. وقد حضر قائد سلاح البحرية آنذاك، اللواء أليكس طال، شخصياً، لمتابعة جزء من النموذج التلخيصي لعملية “نشيد الحور”.
•نزلت القوة إلى الشمال من مدينة صور وبدأت التحرك برّاً. قبل وقوع الكارثة بنحو ساعتين، لاحظت طائرة الاستطلاع والمراقبة التابعة لسلاح الجو، والتي رافقت القوة، أن مركبة قد توقفت على أحد المحاور في المنطقة الزراعية، قريباً جدا من المنطقة التي سيتم فيها تفعيل العبوتين الناسفتين في وقت لاحق. لم تبث الطائرة الصور، بل وثقتها فقط، لكن الطيارين أبلغوا غرفة القيادة في سلاح البحرية في مقر قيادة الجيش – في بث مُشفّر – بأمر المركبة التي توقفت لبضع دقائق قرب مسار تحرك القوة لاحقاً، وأشاروا إلى مكانها الدقيق. ولكن، بسبب الإعداد غير الصحيح وغير المناسب لوسائل المساعدة في التحكم وقيادة العملية، تم في غرفة القيادة تعليم مكان المركبة في نقطة أخرى، مختلفة عن النقطة الحقيقية التي أبلغ عنها الطيارون. ولأن المكان الخطأ الذي تم تعليمه كان بعيداً عن منطقة عمل القوة، فقد جرى تجاهله. لم يكن لدى قائد القوة في الميدان أي علم بوجود أية مركبة على الطريق.
•سيقول مصدر في استخبارات سلاح البحرية لاحقاً أنه من المحتمل عدم وجود أية علاقة بين العبوات التي انفجرت وبين المركبة التي توقفت على الطريق في تلك المنطقة، خاصة وأنه لم يُرصَد نزول أشخاص منها، إطلاقاً. لكن غالانت يرفض هذا الرأي قطعياً. “لمعلومة كهذه أهمية حاسمة”، يقول. “لقد قدتُ قوات كبيرة جداً في أماكن عديدة جداً. أنا، كقائد للقوة العسكرية في الميدان، أستطيع استخدام هذه المعلومة لاتخاذ جملة من القرارات. لكن هذه المعلومة لم تصل إلى قائد “السرية 13″، العقيد إيلي غليكمان، ولا إلى قائد القوة المتوفي – المقدم كوركين. وهذا أمر خطير جداً، ولم يتحمل أي شخص في قيادة سلاح البحرية أية مسؤولية عن هذا التقصير”.
•تم توبيخ أربعة ضباط على “الإهمال في إعداد وسائل المساعدة”، اختار اثنان منهم تبكير إنهائهم الخدمة العسكرية، قبل الموعد المخطط.
•تلقى غالانت نبأ الكارثة في الساعة الواحدة فجراً، بعد سبعة أشهر من تولّيه منصبه الجديد قائداً لفيلق غزة، وبعد ثلاث سنوات من تركه قيادة “السرية 13”. بعد نصف ساعة على وقوع الحادثة، اتصل به نائب قائد السريّة آنذاك، إيرز تسوكرمان، الذي ُرقّى إلى رتبة عميد فيما بعد. في الصباح، وصل غالانت إلى معسكر السريّة في مدينة عتليت والتقى هناك عدداً من ضباط الاحتياط القدامى الذين أتوا ليعرضوا ما يستطيعون تقديمه من مساعدة. “نظرتُ إلى العتاد المدمر الذي ألقي في المكان، بجانب مساكن الجنود”، يستعيد غالانت. “في المعدات، كانت هنالك كرات معدنية. طبقا لتقارير الطب الشرعي، كانت مثل هذه الكرات في أجسام الجنود أيضاً. يوسي كوركين قُتل جراء كرة كهذه استقرت في جبهته”.
•لسبب غير مفهوم، تم تدمير جزء من المعدات التي وصلت إلى مستشفى نهريا مع الجنود المصابين. يصرّ غالانت على أن العتاد الذي كان الجنود يحملونه لم يكن يحتوي على مثل هذه الكرات المعدنية، وهو ما يدحض ادعاء شعبة الاستخبارات العسكرية (أمان) بشأن عدم تدخل العدو في هذه الحادثة.
•حصلت لجنة التحقيق الأولى، برئاسة اللواء غابي أوفير، والتي شُكّلت بعد الكارثة مباشرة، على صور أشعة (رنتجن) للعبوات التي كان جنود السرية 13 يحملونها، وعلى أرقامها أيضاً. كانت الصور جزءاً من إجراء روتيني أقره رئيس هيئة الأركان آنذاك، أمنون ليبكين – شاحاك، لتأكيد تدابير الأمان. وزارت لجنة أوفير أيضاً موقع إنتاج العبوات الناسفة ورأت عن كثب أن الأمر يتعلق بجسم معدني واحد مصبوب، ولا إمكانية إطلاقاً، لإضافة كرات أو أية قطع أخرى إضافية إليه. ويقوم خبير من وحدة “يفتاح” [وحدة تطوير الوسائل القتالية] ليس فقط بالتأكد من عدم إجراء أي تغيير في تركيبة العبوة، وإنما بمرافقة العبوة، سوية مع الوحدة المقاتلة، حتى تعبر الحدود. وتشير لجنة أوفير إلى احتمال كبير بأن يكون “الجنود أصيبوا من عبوتيّ عدو (…) وأن العبوات التي كانت بحوزة قوة الجيش الإسرائيلي كانت سليمة ومأمونة الاستخدام. التحضيرات للعملية كانت سرية تماماً”. ومع ذلك، أقرت اللجنة بأن الكمين كان عشوائياً وعرضياً، وليس مخططاً له استناداً إلى معلومات مسبقة تلقاها تنظيم “حزب الله”.
•لم يكتف رئيس هيئة الأركان، ليبكين – شاحاك، بهذا بل طلب من قائد فيلق العتاد والتسليح، العميد ميخائيل ديان، أن يعرض أمامه نتائج الفحص الذي أجراه بشأن احتمال أن يكون انفجار العبوة التي كانت على ظهر الجندي إيتمار إيليا هو الذي أوقع العدد الأكبر من المصابين. وهنا، أيضاً، كانت النتائج قاطعة: العبوة كانت سليمة تماماً.
•في آب/ أغسطس 1998، طلب النائب العام العسكري آنذاك، العميد أوري شوهَم، إجراء فحص معمق لاحتمال أن يكون “حزب الله” قد علم بالعملية مسبقاً، وهو ما قد يشير إلى إهمال جنائي من جانب الضالعين في التخطيط للعملية. وفي أعقاب ذلك، شكّل رئيس هيئة الأركان، شاحاك، لجنة التحقيق الثانية، برئاسة الضابط الرفيع في شعبة الاستخبارات العسكرية سابقاً، العميد غادي زوهر، وأوكل إليها مهمة استكمال عمل لجنة أوفير في مجاليّ الاستخبارات والأنشطة التخريبية. وذكرت لجنة زوهر أيضاً في تلخيصاتها بوضوح: “بحسب عدد الانفجارات، واستناداً إلى تركيبة العبوات التي انفجرت، يتبين أن تدخلاً بعبوات تخريبية غريبة قد حصل في هذه الحادثة. العبوات التي حملها جنود القوة كانت سليمة تماماً ولم تحتو على أية مكوّنات مشابهة لتلك التي أدت إلى الجزء الأكبر من الإصابات بين جنود القوة”.
•ومع ذلك، بقي على حاله موقف “أمان” الجازم بأنه لم يكن هناك تدخل من طرف العدو في الانفجارات، أي أن الجنود أصيبوا جرّاء انفجار العبوات التي كانوا يحملونها هم، وظلّ هذا الموقف يذكّي نظرية المؤامرة ويبقيها مشتعلة.
“مثل أولادي”
•”ذهبت للتحدث إلى الجنود، ومنذ تلك اللحظة لم أشعر بالراحة”، يقول غالانت. “طيلة أسابيع، كنتُ عملياً طاقم تحقيق من شخص واحد. رأيت جميع المواد الاستخبارية. تحدثت مع كل من كان بالإمكان التحدث معه وكان طرفاً في هذه القضية. أجريت كل الفحوصات الممكنة. واتضحت لي، مبكراً، أمور لم ينشرها الجيش بشكل رسمي إلاّ بعد سنوات من ذلك.
•”كان هذا الأمر يضطرم في أحشائي. أنا الذي أشرفتُ على تأهيل هؤلاء الجنود. أنا الذي منحتُ بعض الضباط من بينهم الرتب العسكرية. وأنا الذي كنتُ أوجّههم. شاركتُ مع البعض منهم في عشرات العمليات، في الأماكن الأكثر جنوناً في العالم. وشاركتُ مع كوركين، الراحل، في مئات العمليات. في الوحدات الخاصة، وحدات النخبة، فارق الرتب العسكرية لا يعني شيئاً. تكون برفقة المقاتلين دائماً، تحتك بهم كل الوقت: في القوارب الصغيرة، في العمليات الخاصة. كان بإمكاني التعرف على مقاتل من مسافة بعيدة جداً، حسب مشيته فقط. أنت تعرف من هو الأفضل في المجال التكنولوجي، ومن الجيد في تشغيل القوارب، ومن الأقوى جسدياً أو ذهنياً. إنهم مثل أولادك. وما يسببونه لهم في هذه القضية لا يفارقني.
•”كان استنتاجي صحيحاً آنذاك، وهو صحيح اليوم أيضاً”، يقول الوزير غالانت جازماً. “نتيجة تجاوزات في عملية جمع المعلومات الاستخبارية تحضيراً للعملية، والتي جرت بمهنية غير كافية وعدم مراعاة السرّية، أدرك أن قوة كوماندوس بحري سوف تهبط في منطقة معينة، وفق جدول زمني مُقدَّر. وبناء على هذا الإدراك، نصب حزب الله سلسلة غير كثيفة من الكمائن، في كل منها عنصران أو ثلاثة عناصر من رجاله، في ليال محددة وفي ساعات محددة كان يمكن الوصول من البحر خلالها. وكان حزب الله يدرك أن الكوماندوس البحري سيأتي من البحر في غضون أسبوع – أسبوعين. وكانت القوات التي كان يضعها في المنطقة من الدرجة الثانية، وليس من قوات النخبة لديه. ذلك أن العملية كانت ستجري في عمق الأراضي اللبنانية، أبعد من خط الجبهة بيننا وبين حزب الله. أحد تلك الكمائن نُصب في المنطقة التي قدّر حزب الله، بدرجة عالية من الترجيح – استناداً إلى ما تسرّب إليه من معلومات – بأن قوة الكوماندوس سوف تمر منها. سمع الكمين ورأى القوة وهي تصل فشغّل، عن بُعد وبالتزامن، لغمين صغيرين من نوع كلايمور أصابا الجزء الأكبر من القوة – 11 جندياً كانوا مستعدين لعبور الشارع الواصل بين قرية أنصارية وقرية لوبية.
•”أوقع الانفجار، الذي وقع بعد انتصاف الليل بـ 41 دقيقة، الجزء الأكبر من الإصابات بين أفراد القوة. سمع خمسة جنود آخرون، كانوا قد أنهوا قطع الشارع، صوت الانفجار فاستداروا إلى الخلف. أصدر كوركين، الذي كان على رأس القوة الأساسية، أمراً بفتح النار نحو ما اعتبروه إطلاق نار على قواتنا. بعد 14 ثانية من الانفجار الأول، وقع انفجار آخر للغم تم تشغيله من داخل أحد البساتين المجاورة. قُتل كوركين على الفور. بعد ثلاث دقائق وثماني ثوان فقط، انفجرت العبوة الناسفة الكبيرة التي كان يحملها إيتمار إيليا. اقتلع هذا الانفجار أشجار السرو القريبة. وقد عُثر على شظايا هذه العبوة في بعض جثث الجنود، سوية مع الكرات المعدنية التي كانت في ألغام “حزب الله”. كان يمكن للعبوة التي كانت على ظهر إيتمار إيليا أن تنفجر جراء أسباب عدة مختلفة من شأنها أن تؤدي إلى تفعيل العبوة الناسفة تلقائياً: ابتداء من تشوّه ما في المواد المتفجرة نتيجة إصابتها بكرات معدنية، وانتهاء بالحر الشديد الذي تولّد بفعل الحريق الذي نشب في المكان.
•”ترتسم هذه الصورة عن الانفجارات من الصور العديدة التي تم التقاطها في الوقت الحقيقي، وقت حصولها بالضبط. رجال شعبة الاستخبارات العسكرية (أمان) هم الذين قاموا بفك رموزها وتحليلها، وهذا ما يثير تساؤلات حول الرأي الجازم الذي أبداه كبار مسؤولي قسم جمع المعلومات بشأن عدم وجود تدخل خارجي من جانب العدو في هذه الحادثة. ولا يزال غير واضح حتى اليوم سبب عدم إجراء تحقيق جدي وحقيقي في أداء ‘أمان’ في هذه القضية”.
•لماذا لم يصلوا خلال 20 سنة مرّت على ما حدث إلى أي طرف في لبنان ممن كانوا منخرطين في الحادثة ليروي حقيقة ما جرى هناك؟ “لم يكن ثمة من هو معني بمعرفة الحقيقة الكاملة، حتى النهاية”.
اختلاف وجهات النظر داخل اللجنة
•يشكل التسرب الاستخباراتي أحد المواضيع المركزية والأكثر حساسية في هذه القضية. في لجنة التحقيق الأولى، التي ترأسها اللواء غابي أوفير، طُرح الاشتباه بأن جزءاً من المعلومات الاستخبارية التي وصلت إلى “حزب الله” كان نتيجة خيانة أحد العملاء. لكن هذا الاشتباه خضع للفحص لدى “جهاز الأمن العام” (شاباك) وتم نفيه.
•جرت خلال الأسابيع التي سبقت عملية “نشيد الحَوْر” عدة طلعات نفذتها طائرات صغيرة من دون طيار لغرض جمع المعلومات وتخطيط محاور تحرك الجنود. وكان معروفاً أن الطائرات الإسرائيلية من دون طيار التي حلقت في تلك الأثناء في سماء لبنان قد بثت صورها على تردد غير مشفّر، بيد أن الرأي السائد آنذاك كان يقول بأن تقنية تشغيل الطائرات بدون طيار لا تمكّن العدو من التعرف على المهمة التي يجري التصوير تحضيراً لها. وقد ثبتت صحة ذلك ونجاعته في مئات العمليات، حتى أنه لم يخطر في بال أحد احتمال أن يكون الأمر مختلفاً في هذه المرة. لم تكن الاستخبارات الإسرائيلية على علم بحقيقة أن وحدة خاصة تابعة لـ”حزب الله” تقوم برصد ومتابعة حركة الطائرات من دون طيار، بكل ما يترتب عن ذلك من انعكاسات وإسقاطات.
•كانت لدى الأجهزة الأمنية الإسرائيلية في أيلول/سبتمبر من سنة 1997 منظومتان اثنتان فقط من الطائرات المشفّرة بدون طيار، وكانتا تبثان الصور بالأبيض والأسود فقط، ولذلك تم استخدامهما بالقطارة وللعمليات الخاصة جداً فقط. لكن عملية “نشيد الحَوْر” لم تُعتبر كذلك. “في العمليات السابقة، كنا نقوم بالتصوير انطلاقاً من فرضية أننا نضلل العدو بشأن موقع الهدف، إذ لم يكن بإمكانه معرفة ما إذا كان التصوير يتركز في بستان في النبطية أم في بيت في صور”، يقول غالانت. “في حالتنا هذه، قاموا بالتصوير بشكل تتابعي، على طول الشاطئ، وحينما وصلوا إلى نقطة هبوط محتملة توقفوا عندها ومشّطوا المسار شرقاً، ذهاباً وإياباً، مع تقريب الصورة وتكبيرها عند بضع نقاط حاسمة، مثل تلك البوابة التي حصل عندها الانفجار. كل من يستطيع تحليل هذه الأشرطة وفك رموزها كما ينبغي، كان سيتمكن من تحديد ليس مسار الدخول إلى لبنان فحسب، بل وأيضاً نقاط معينة أيضاً كان حتمياً أن تمر القوة العسكرية بها، على طول مسارها المخطط”.
•طُرح أيضاً احتمال أن يكون “حزب الله” قد التقط الصور التي بثّتها الطائرة بدون طيار واستطاع اكتشاف المسار وتحديده. وقد طرُح هذا الاحتمال كاشتباه معقول في جميع لجان التحقيق، غير أن الاستنتاجات كانت متساهلة، وهذا أقل ما يمكن قوله بشأنها. لقد أشارت لجنة التحقيق الأولى، برئاسة غابي أوفير، إلى البث غير المشفّر الذي صدر عن الطائرة بدون طيار باعتباره مصدراً محتملاً للتسرب المعلوماتي، لكنها لم تكن قادرة على الحسم بأن ذلك البث قد تسرب فعلاً. وكان استنتاجها المركزي: “يمكن الحكم، بدرجة عالية من المعقولية، بأن العملية لم تنكشف خلال إجراءات التحضير لها أو خلال تنفيذها”. أي أن العدو شغّل الألغام في إطار كمين عَرَضي تموقع في المكان. وفي هذه النقطة، يلجأ غالانت إلى السخرية والتهكم: “منطقة زراعية خالية، لا منشآت عسكرية فيها إطلاقاً، ليست فيها شخصية رفيعة المستوى تستوجب الحراسة، ويقوم حزب الله بنشر كمائن عامة، هكذا بصورة عشوائية ودون أي مبرر، لعله يحدث هبوط لقوة كوماندوس إسرائيلية ذات مرة، في يوم من الأيام؟”. لا شك لدى غالانت: “التسريب – هو جذر التقصير وأساس الإخفاق”!
•ما عزز استنتاجات لجنة أوفير [في حينه] لدى الرأي العام هو المعلومات التي نُشرت وأفادت بأن قوة من وحدة “سيّيرت غولاني” [“سيّيرت” – هي وحدة عسكرية في الجيش الإسرائيلي متخصصة في مهمات الاستطلاع وجمع المعلومات الاستخبارية العسكرية – المترجم] نجحت في زرع ألغام وعبوات ناسفة في عمق الأراضي اللبنانية، قبل عملية أنصارية بشهر واحد. وفي أعقاب ذلك، رفع “حزب الله” درجة تيقظه ونصب كمائن في العمق اللبناني، وليس على خط المواجهة مع إسرائيل بالذات. وعلى أية حال، كانت استنتاجات اللجنة مُرضية للقيادتين العسكرية والسياسية وحققت هدوءاً جماهيرياً. عودة إلى الـ “إينكو”. حادثة مأساوية، يد القدر، لا استنتاجات. ومن دون استنتاجات، لا عبر ولا دروس أيضاً.
•بيد أن لجنة أوفير لا تروي في تقريرها العلني ما كان يعرفه الجيش الإسرائيلي، أنه في الرابع من أيلول/سبتمبر، وبينما أبحر جنود الكوماندوس متوجهين نحو لبنان، قرر “حزب الله” تعطيل شبكات الاتصال اللاسلكية. وقدّر مسؤولو الاستخبارات أن ذلك القرار مرتبط برفع درجة التأهب في التنظيم تخوفاً من رد فعل إسرائيلي على العملية التي وقعت ظهر اليوم نفسه في مدينة القدس وأسفرت عن مقتل ثلاثة إسرائيليين. لم يخطر ببال أحد احتمال أن يكون “حزب الله” قد رفع درجة جاهزيته على خلفية تسرب معلومات استخبارية. الصمت اللاسلكي معناه، على وجه العموم، “مُلاءة حمراء”. العدو في حالة انتظار. لكن هذه المعلومة لم تكن معروفة لأفراد وحدة الكوماندوس البحري الذين كانوا قد أصبحوا في عرض البحر في طريقهم إلى الشمال. وحين اتخذ رئيس هيئة الأركان وقائد سلاح البحرية القرار بتجاهل أي أثر محتمل للعملية [في القدس] والمضيّ قدماً في تنفيذ العملية في لبنان، تهلل جنود الكوماندوس فرحاً.
•أصبح احتمال التسرب من الطائرة بدون طيار أكثر ملموسية في مداولات لجنة التحقيق الثانية، برئاسة العميد (احتياط) غادي زوهر. وقد ورد في استنتاجات هذه اللجنة إنه إذا ما كان البث المكشوف من طلعات الطائرة بلا طيار قد التُقط، ولو جزئياً، من قبل “حزب الله”، فقد كان ذلك كافياً لكشف خطة عملية الكوماندوس البحري بصورة واضحة. “ثمة احتمال كبير بأن الحادثة، في جوهرها ومجملها، كانت عملية مبرمجة ومُعدّة سلفاً من جانب حزب الله، وليست كميناً عَرَضياً وُجد في المكان صدفة”، جزمت اللجنة.
•لكن رئيس هيئة الأركان، أمنون ليبكين – شاحاك، رفض استنتاجات لجنة زوهر، مما أبقى تقرير لجنة أوفير – الذي يقول إن الكمين كان عرضياً – بمثابة الاستنتاج الرسمي الوحيد الذي لا اعتراض عليه.
•أنهى شاحاك مهام منصبه، وفي كانون الثاني/ يناير 1999، شكّل رئيس الأركان الجديد، شاؤول موفاز، بناء على طلب النائب العام العسكري أوري شوهَم، مرة أخرى، لجنة تحقيق ثالثة للتحقيق في مسألة التسرب. وقف على رأس تلك اللجنة، العميد غيورا زوريع، قائد وحدة النخبة التابعة لهيئة الأركان (سَيّيرِت مَتْكال) وضابط الاستخبارات الرئيسي سابقاً. توصل اثنان من أعضاء هذه اللجنة إلى الجزم بأن “حزب الله” نصب كميناً في المنطقة دون أن يعرف شيئاً عن سير عملية الكوماندوس البحري الإسرائيلي – لا التوقيت، لا طريقة التنفيذ ولا مسار التنقل – وإنما بناء على تقديرات فقط، ليس إلاّ. أما عضو اللجنة الثالث، ممثل سلاح الجو، فقد جزم بأنّ البث المكشوف من الطائرة بدون طيار قد تسرب، كما يبدو، ولذلك لم تكن لدى “حزب الله” أية مشكلة في دراسة مسار التنقل المخطط لقوة الكوماندوس البحري. لكن رأي هذا الضابط لم يلق القبول.
•وهكذا، بقيت خلاصات لجنة غابي زوهر على حالها حتى التاسع من آب/ أغسطس 2010. وآنذاك، ظهر أمين عام “حزب الله”، حسن نصر الله، في خطاب متلفز وكشف النقاب عن شريط نجح تنظيمه، كما قال، في الحصول عليه بواسطة التقاط بث طائرات إسرائيلية بدون طيار. ووصف نصر الله كيف نصب رجاله كميناً مخططاً له لقوة الكوماندوس البحري الإسرائيلية في قرية أنصارية. ثارت عاصفة في إسرائيل عقب هذا الكشف. وعلى أثرها، أصدر رئيس الأركان آنذاك، غابي أشكنازي، أوامره إلى سلاح البحرية وشعبة الاستخبارات العسكرية (أمان) بتشكيل لجنة تحقيق رابعة، تناط بها مهمة فحص المواد التي عرضها “حزب الله” والتأكد من مدى أصالتها وموثوقيتها. ترأس تلك اللجنة العقيد (احتياط) كوبي أغمون، الذي كان شغل في السابق، وحتى ما قبل نحو أسبوعين من العملية في أنصارية، منصب ضابط الاستخبارات في “شيّيطت 13” وأحد ضباط الاستخبارات الكبار في سلاح البحرية عامة. هذه اللجنة، التي ضمت سبعة ممثلين عن كل الجهات ذات العلاقة، بمن في ذلك ضابط أمن المعلومات، استعرضت جميع أرشيفات الأشرطة التي صورتها الطائرة بدون طيار في تلك الفترة، وحللت الشريط الذي عرضه “حزب الله” وخلصت إلى الاستنتاج بأن الشريط قد أُخضع للمعالجة والتحرير وأُدخِلَت إليه ستة مقاطع فيديو. الخمسة الأولى منها تضمنت صوراً من التلفزيون اللبناني، وصوراً من التلفزيون الإسرائيلي، وصورة تجارية ملونة من قمر اصطناعي رُسم عليها مسار تحرك جنود وحدة الكوماندوس البحري الإسرائيلية، وصوراً بثتها طائرة تصوير ليلي وصوراً أخرى، نهارية وليلية أرسلتها الطائرة من دون طيار. أما المقطعان الأخيران فقد تم تصويرهما في الوقت الحقيقي خلال عملية إنقاذ جنود الوحدة الإسرائيلية. ويدل هذا على أن “حزب الله” كان يمتلك صورة حقيقية عما كان يجري على أرض الميدان، طوال وقت عملية الإنقاذ، خلافاً لما أقرته شعبة الاستخبارات العسكرية (أمان) في بداية الطريق.
•يكمن “الدليل الدامغ”، الذي لا يرقى إليه شك، في المقطع السادس من الكولاج الذي عرضه “حزب الله”. وهو عبارة عن صورة نهاريّة أرسلتها الطائرة بدون طيار إلى مركز الالتقاط في إسرائيل في ساعات الصباح من يوم 31 آب/ أغسطس 1997، قبل أربعة أيام من وقوع الكارثة. مدة هذا المقطع في شريط “حزب الله” هي بضع دقائق معدودة. “في الأصل، هو شريط صورته الطائرة بدون طيار طوال 30 دقيقة، يشمل تمشيطاً متتابعاً ومركّزاً لنقطة الوصول إلى شاطئ البحر ولمسار التنقل، بما في ذلك منطقة انفجار الألغام”، كما تقر اللجنة. ويمكن الافتراض بأنه إذا كان “حزب الله” قد وضع يده على هذا الشريط، فإنه كان وضع يده أيضاً على 13 طلعة تصوير سابقة جرت عشية عملية “نشيد الحور” وتحضيراً لها. أي، كان في أيدي “حزب الله” أشرطة تصوير لمدة تزيد عن خمس ساعات، تشمل تفصيلاً دقيقاً لمسار جنود الوحدة كما كان مخططاً، بما في ذلك صور مكررة لمقاطع من الطريق كانت كاميرات الطائرة من دون طيار تركّز عليها، ومنها أيضاً صور من طلعتين نفذتهما الطائرة بعد تلك الطلعة التي عرض “حزب الله” صورها.
•بعد إقرار لجنة أغمون بأن الشريط أصيل وموثوق، حاولت فحص ما إذا كان قد نُقل إلى “حزب الله” بواسطة عميل، أو تم التقاطه من قبل السوريين أو الإيرانيين الذين نقلوه إلى “حزب الله” في وقت لاحق. وكان الاستنتاج واضحاً وقاطعاً: “يتبين، من جميع الفحوصات، أن الذي حصل هو التقاط طلعات الطائرة بدون طيار، في الوقت الحقيقي. التقاط ذاتي مستقل من جانب حزب الله على الأرجح”. بكلمات أخرى: “حزب الله” التقط البث مباشرة، في الوقت الحقيقي، بموازاة التقاطه في سلاح البحرية الإسرائيلي.
•”تحرّك قوة الكوماندوس البحري نحو مكان الحادثة، كما يعرضه نصر الله، يتناسب تماماً مع المسار الذي صوّرته الطائرة من دون طيار”، يقول غالانت. “لكن على الأرض، قام المقدّم كوركين بتغيير المسار خلال التحرك بما في ذلك موقع نقطة الهبوط وتغييرات أخرى في مسار التحرك، حيث تمت إزاحته بضع عشرات من الأمتار. ذلك لأن المعلومات الاستخبارية التي تلقتها الوحدة لم تكن دقيقة تماماً ولأن مسار التحرك الذي تم اختياره كان في قلب منطقة معقدة، ما أدى إلى إبطاء الحركة. ومع ذلك، فإن المعبر الذي حصلت فيه الانفجارات كان معبراً ضرورياً وحتمياً في أي واحد من السيناريوهات أو الاحتمالات”.
•توصل غالانت إلى استنتاج مطابق لذلك الذي توصلت إليه لجنة أغمون: بثّ الطائرة بدون طيار، الذي التقطه “حزب الله” في الوقت الحقيقي، شكّل القاعدة الاستخبارية الأساسية لاستعداده في الميدان.
•وتلخص لجنة أغمون: “توقيت العملية الدقيق لم يكن معروفا، ومن المرجح أن كمين الألغام كان هناك لبضع ليال”. القسط الأكبر من الإصابات التي تعرض لها جنود الوحدة كان في الأجزاء الأمامية واليمنى من أجسامهم ـ اتجاه حركة القوة العسكرية مقابل اللغم الأول الذي انفجر. اللغمان اللذان انفجرا معاً، في الوقت نفسه، لا يمكن أن تكون الصدفة وراء تشغيلهما معاً. وتشير اللجنة إلى أنه “برأي خبراء المتفجرات، تدل النتيجة الفتاكة أيضاً على أن موقع وضع الألغام وأسلوب توجيهها بهذه الصورة الدقيقة ينفيان، بصورة واضحة، مبدأ العشوائية والصدفة”.
الخلاصات بقيت سريّة
•تجاوزت لجنة أغمون صلاحياتها عملياً، إذ لم تفحص مدى أصالة وموثوقية الشريط الذي عرضه نصر الله فحسب، بل وضعت استنتاجات أيضاً. وقد عرضت هذه الاستنتاجات أمام رئيس الاستخبارات في سلاح البحرية آنذاك، العميد (احتياط) بارون ليفي، وقائد سلاح البحرية اللواء إليعيزر مَروم (تشيني)، ورئيس قسم العمليات يعقوب أياش، ورئيس شعبة الاستخبارات العسكرية (أمان) عاموس يادلين، ورئيس هيئة أركان الجيش، غابي أشكنازي. وأقرّ جميعهم الاستنتاجات دون أي تحفظ أو اعتراض وعُرضت لاحقاً على عائلات الجنود. بعض العائلات حصل على التقرير كاملاً، من اللواء تشيني. بعد أربع لجان تحقيق، شكلها ثلاثة رؤساء لهيئة أركان الجيش، أصبح تقرير لجنة أغمون الصيغة الرسمية المعتمدة لدى الجيش الإسرائيلي. لكن أحداً لا يبلغ الجمهور بهذا. وعملياً، فإن تعقيب الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي على هذا التقرير هو المرة الأولى التي يعترف فيها الجيش رسمياً بأن ما جرى هو كمين مخطط: “في سنة 2010، شكّلت لجنة أغمون، التي عيّنها رئيس الاستخبارات في سلاح البحرية. استنتاجات هذه اللجنة عُرضت على قائد سلاح البحرية آنذاك، اللواء إيلي مَروم، الذي صادق بدوره عليها وأقرّ بأن ما جرى هو كمين ألغام مخطط له بدرجة عالية من الترجيح”.
•بقيت ترددات هذه الكارثة تضرب وحدة الكوماندوس البحري لفترة طويلة جداً. لم تعد الوحدة إلى مزاولة نشاطها إلاّ بعد سنتين كاملتين. لم يعرض القادة العسكريون أنفسهم لأية مخاطرة. هوامش الأمن في المجال الاستخباراتي والعملياني لم تسمح بتنفيذ عمليات وأنشطة معقدة، فيما التزم الجيش الصمت. ليس فقط أن أي شخص لم يتحمل أية مسؤولية عن أن وحدة الكوماندوس لا تعمل كما يجب، بل وأيضاً تركوها تتألم وتقلص نشاطها، رغم كونها الوحدة الأكثر نشاطاً وفاعلية في عمليات العمق النوعية في فترات ما بين الحروب، مقارنة بوحدات النخبة الأخرى في الجيش الإسرائيلي. القادة الذين تبدلوا في سلاح البحرية غيّروا، بمرور الوقت، تقنية وآلية إعداد المعلومات الاستخبارية والتحضير للعمليات. تقدمت التقنيات وتم تشفير بث الطائرات بدون طيار. “في مجال واحد فقط تم استخلاص العبر اللازمة: المجال القيمي في إجراء تحقيقات حقيقية”، قال غالانت. “وقد رأينا النتيجة في مرمرة” [السفينة التركية التي كانت تبحر نحو قطاع غزة واعترضتها القوات الإسرائيلية في عرض البحر – المترجم].
حرب روايات
•تحقيق “أمان” بعد الكارثة: لم يكن ثمة تدخل من العدو في الحادثة. الاستنتاج: جنود الوحدة قُتلوا بسبب عطل في العبوات الناسفة التي كانوا يحملونها.
•تقرير لجنة اللواء أوفير، 1997: الجنود قتلوا جراء الألغام التي وضعها “حزب الله”، لكنه كان كميناً عرضياً لم يستند إلى معلومات مسبقة. رئيس هيئة الأركان قبل هذه الاستنتاجات.
•تقرير لجنة العميد زوهر، 1998: الجنود قتلوا جراء الألغام التي وضعها “حزب الله”. يبدو أنه كان كميناً مخططاً على أساس معلومات مسبقة. رئيس هيئة الأركان رفض هذه الاستنتاجات.
•تقرير لجنة العميد زوريع، 1999: “حزب الله” نصب كميناً دون أن تكون لديه معلومات عن العملية التي كان من المخطط أن تنفذها وحدة الكوماندوس البحري الإسرائيلية، بل استناداً إلى تقديرات فقط.
•تقرير لجنة العقيد أغمون، 2010: “حزب الله” التقط بثّ الطائرة من دون طيار وعرف، مسبقاً، بالعملية المخطط تنفيذها وتعرف على مسار الحركة المخطط. ولأنه لم يكن يعرف الموعد الدقيق لتنفيذ العملية، نصب الكمين طوال بضع ليال متتالية.

•الموقف الرسمي للجيش الإسرائيلي، 2017: “استنتاجات لجنة أغمون عُرضت على قائد سلاح البحرية آنذاك، اللواء إيلي مروم، الذي أقر بأنه كان هنالك، على الأغلب، كمين ألغام مخطط”.
___________
– ترجمه عن العبرية: سليم سلامة (الجليل).- راجع الترجمة: أحمد خليفة.

المصدر: صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية، ملحق السبت، 11/5/2017، عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية.

Optimized by Optimole