قيادة الجيش وسلاح البحر الإسرائيليان يتبنيان منطقاً أعوج حيال الحرب المقبلة مع حزب الله

Spread the love

بقلم يوسي ميلمان – محلل عسكري إسرائيلي —

كُشف النقاب هذا الأسبوع عن المنطق الأعوج السائد لدى قيادة الجيش الإسرائيلي وسلاح البحر حيال الحرب المقبلة مع حزب الله. فقد نشرت عدة وسائل إعلام تفاصيل بشأن سيناريوهات تتعلق باحتمال اندلاع حرب مع حزب الله في لبنان، أُعدّت في أروقة الجيش الإسرائيلي قبل نحو سنتين. وكانت هذه السيناريوهات عُرضت قبل أكثر من سنة من طرف ضباط كبار أمام مراسلين ومحللين عسكريين بهدف “درسها”، أي ليس بهدف نشرها على الملأ.
وقام الجيش الإسرائيلي أخيراً بعرض هذه السيناريوهات أمام أعضاء المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغّر للشؤون السياسية – الأمنية [الكابينت]، ووصلت إلى الجمهور العريض. ووفقاً لتقديرات الاستخبارات، ليس ثمة خطر لاندلاع حرب في المستقبل المنظور، لكن مع ذلك يظل من واجب الجيش تحديث الكابينت بآخر المستجدات.
بحسب هذه السيناريوهات، سيقوم حزب الله الذي يمتلك نحو 120.000 صاروخ وقذيفة صاروخية بإطلاقها بوتيرة نحو 700 صاروخ وقذيفة يومياً. ومعظمها صواريخ من طراز غراد (كاتيوشات) يصل مداها حتى 45 كيلومتراً، ويمكن لكل منها أن يحمل متفجرات بزنة 10- 15 كيلوغراماً. كذلك توجد بحيازته عدة آلاف من القذائف والصواريخ يصل مداها إلى أكثر من 45 كيلومتراً بينها مئات يصل مداها إلى 200 كيلومتر وأكثر، وذات رؤوس حربية يمكن أن يحمل كل رأس منها متفجرات بزنة 100-400 كيلوغرام، بينها عدة عشرات تُعتبر صواريخ دقيقة يمكنها أن تصيب أهدافها المحددة بانحراف لا يتجاوز بضعة أمتار فقط.
وتشير تقديرات الاستخبارات وكذلك تقديرات مستندة إلى ألعاب الحرب والمحاكاة إلى أنه حتى في حال تعرّض نصف الصواريخ الـ700 الذي سيطلقها حزب الله يومياً للتدمير جرّاء هجمات سلاح الجو، أو للسقوط نتيجة أعطال تقنية، فإن الحزب سيكون في إمكانه خوض حرب طوال عدة أسابيع.
ولا شك في أن منظومة “القبة الحديدية” ستواجه صعوبة في التصدي لهذه الكمية من الصواريخ، كما أن مخزون صواريخها المضادة سيكون محدوداً. ويصعب التكهن بكيفية أداء منظومة “مقلاع داود” (“العصا السحرية”) التي فشلت قبل نحو أسبوعين في اعتراض صاروخين سوريين متوسطيْ المدى وأثبتت أنها غير جاهزة من ناحية عملانية بعد.
في ظل مثل هذه الظروف يخطط الجيش الإسرائيلي لإجلاء عشرات آلاف من السكان من خط الحدود، ويتوقع أن يقوم مئات آلاف من السكان بمغادرة المنطقة من تلقاء أنفسهم نحو معسكرات خيام وأماكن تركيز أُخرى جرى تحديدها.
في أثناء الحرب مع حزب الله (حتى في حال الحفاظ على الهدوء في سائر الجبهات) سيواجه الاقتصاد الإسرائيلي صعوبات جمة في أداء مهماته بسبب توقف المصانع، وانقطاع التيار الكهربائي، ونقص المياه، وتشويشات أُخرى، بما في ذلك وقف جزئي أو كامل لحركة الطيران من إسرائيل وإليها.
انقطاع التيار الكهربائي لن يكون ناجماً بالضرورة عن مسّ محطات الطاقة ومنظومة تزويد الكهرباء، التي جرى تحصينها كي تكون جاهزة للحرب، وإنما لأن الجيش الإسرائيلي يقدّر أنه سيكون هناك حاجة لإيقاف عمل منصات استخراج الغاز الطبيعي من حقل “تمار” في البحر الأبيض المتوسط، خشية من أن تُصاب بضربة قاتلة تؤدي إلى تعطيلها بصورة مطلقة. فضلاً عن ذلك أوصى سلاح البحر أيضاً بإقامة منصات ومنشآت غاز أُخرى بالقرب من الشاطئ وليس في عرض البحر، وذلك بغية تسهيل الدفاع عنها. ومعروف أن منشآت حقل “تمار” تبعد مسافة 23 كيلومتراً عن الشاطئ، فيما تبعد منشآت حقلي “كريش” و”تنين” مسافة 40 كيلومتراً، وتبعد منشآت حقل “لفيتان” مسافة 10 كيلومترات عن الشاطئ.
إذا كان الوضع على هذا النحو، فماذا فعل حكماء سلاح البحر حتى الآن؟ لقد سبق أن طالبوا وحصلوا على مليارات الشيكلات كي يستطيعوا الدفاع عن المياه الإقليمية الإسرائيلية. وبهذه الأموال اقتنوا 4 سفن كبيرة من ألمانيا (بكلفة نحو ملياري شيكل) ضمن صفقة تثير عاصفة كبيرة وتخضع لتحقيقات الشرطة في الوقت الحالي، وقاموا بتطوير منظومة “قبة حديدية” بحرية بتكلفة مئات ملايين الشيكلات، وكل ذلك من أجل حماية منصات الغاز الطبيعيّ.
إن ما نكتشفه الآن هو أن كل هذه الأموال لن تفيد بشيء، وأنه في حال اندلاع حرب من الأفضل إيقاف عمل منصات الغاز الطبيعي ومنشآته. إن دافعي الضرائب على استعداد لتخصيص ميزانيات طائلة للجيش كي يحميهم بصورة شبه مطلقة. وبحسب المنطق الأعوج الذي يتبناه الجيش في هذا الشأن ربما من الأفضل أن يوصي في الحرب المقبلة بإغلاق الدولة كلها كي يقلص الأضرار المتوقعة.
تعقيباً على كل ما ورد أعلاه قال الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي: “في إطار خطة حماية المياه الإقليمية الإسرائيلية التي صادقت عليها الحكومة، تم تسليم الجيش مسؤولية الدفاع عن هذه المياه. إن الجيش الإسرائيلي بواسطة سلاح البحر يعرف كيف يوفر الحماية في كل حيّز المياه الإقليمية. مع ذلك، فإن وجود موقع المنشآت بالقرب من الساحل، حتى مسافة 15 ميلاً، يحسّن مستوى الدفاع عنها. إلى جانب هذا لا بد من التشديد على أن القرار المتعلق بموقع منصات الغاز في المياه الإقليمية غير خاضع للاعتبارات الأمنية فقط، وهو ليس ضمن صلاحيات الجيش الإسرائيلي”.

المصدر: صحيفة “معاريف” الإسرائيلية، عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية.

Optimized by Optimole