قرارات إيرلندا وتشيلي مقاطعة منتوجات المستوطنات: احتمال المس بمكانة إسرائيل

قرارات إيرلندا وتشيلي مقاطعة منتوجات المستوطنات:
Spread the love

بقلم: أمير براغر – باحث في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي —

في 24 كانون الثاني/يناير، وافق البرلمان الإيرلندي في اقتراع أولّي على اقتراح قانون يمنع المتاجرة بمنتوجات وخدمات من المستوطنات، بأغلبية 78 صوتاً مع الاقتراح في مقابل 45 صوتاً ضده. وبحسب هذا الاقتراح، يُعتبر جنحة كل استيراد وبيع لبضائع وتجهيزات من المستوطنات وتورطاً في استخراج موارد من أرض محتلة، ويمكن أن تؤدي أي محاولة للقيام بذلك أو المساعدة عليه وخرق للمنع إلى دفع غرامات وحتى إلى السجن.
وفي 28 تشرين الثاني/نوفمبر 2018 وافق مجلس النواب التشريعي في تشيلي على اقتراح قرار يدعو الحكومة إلى فحص الاتفاقات السابقة مع إسرائيل وإعطاء التعليمات بأن تتضمن الاتفاقات المستقبلية معها إشارة واضحة إلى حدودها حتى سنة 1967، وذلك بأغلبية 99 صوتاً في مقابل 7 أصوات ضد الاقتراح. بالإضافة إلى ذلك يدعو القرار الحكومة التشيلية إلى إعطاء تعليمات إلى مواطنيها الذين يزورون المنطقة بعدم مساعدة مشروع المستوطنات أو التعاون مع الخرق الكبير للقانون الإنساني الدولي. وأخيراً يطالب القرار بفحص آليات لمنع استيراد تشيلي منتوجات من المستوطنات الإسرائيلية.
منذ فترة طويلة تشكل إيرلندا وتشيلي ساحتين لنشاطات معادية لإسرائيل، بما فيها نشاطات تعود إلى حركة المقاطعة الـBDS. في تشرين الأول/أكتوبر الماضي دعا 50 مشرّعاً في إيرلندا، بينهم وزير صغير في الحكومة، إلى فرض الحظر على بيع سلاح لإسرائيل. وفي نيسان/أبريل الماضي أعرب مجلس الطلبة القطري في إيرلندا ومجلس مدينة دبلن عن تأييدهما لـBDS، ومؤخراً جرى تبنّي الحملة ضد شركة HP. رئيس إيرلندا ميخائيل هيغينز Michael Higgins اجتمع في تموز/يوليو 2017 مع أحد زعماء حركة الـBDS، عمر البرغوثي، وأعرب عن تأييده لنشاطها. وتُعتبر منظمة حملة التضامن الإيرلندية الفلسطينية Ireland Palestine Solidarity Campaign الأبرز بين منظمات نزع الشرعية عن إسرائيل على الساحة الدولية.
في تشيلي حيث تعيش أكبر جالية فلسطينية خارج الشرق الأوسط، أعلن مجلس محافظة لوس ريوس في جنوب البلاد في نيسان/أبريل 2018 أن إسرائيل مذنبة بارتكاب جرائم حرب وتمارس نظام الأبرتهايد، ودعت حكومة تشيلي إلى إدانة أفعالها وإعادة فحص اتفاقات التعاون مع الجيش الإسرائيلي.
على الرغم من أن القرارين يتطرقان فقط إلى النشاطات الإسرائيلية في يهودا والسامرة [الضفة الغربية]، وبذلك لا يقبلان الموقف المعلن لحركة الـBDS الذي يدعو إلى مقاطعة كاملة لإسرائيل، فإن الحركة أثنت عليهما وأدخلتهما ضمن قائمة الإنجازات البارزة لها في سنة 2018. إن مبادارت مقاطعة المستوطنات، والتي تقترن أحياناً بانتقادات للسياسة الإسرائيلية في الضفة الغربية، تعبّر عن التضامن مع النضال الفلسطيني، وهي مقبولة وسط جماهير كثيرة في أنحاء العالم، لكنها تسمح أيضاً لحركة الـBDS التي تحاول زعزعة جوهر شرعية دولة إسرائيل، بأن تدخل في النضال ضد إسرائيل أولئك الذين ينتقدون سياستها. في هذا الواقع الغامض، أيضاً إسرائيل لا تفرّق في أحيان كثيرة عن قصد أو غير قصد، بين الذين ينتقدون سياستها، وبين أولئك الذين يرفضون وجودها ويعملون على زعزعة شرعيتها.
في هذه المرحلة تأثير القرارين ليس كبيراً. مع ذلك على المديين المتوسط والبعيد من الممكن أن يكون تأثيرهما مهماً. يُظهر هذان الاقتراحان عدم الشرعية التي تعزوها دول متعددة إلى النشاطات الإسرائيلية في الضفة الغربية، وتؤكد ازدياد الاستعداد لاتخاذ خطوات فعلية وحادة ضدها، بل وحتى تقدم دعماً للأطراف التي تدفع قدماً بنزع الشرعية عن دولة إسرائيل. الموافقة على الاقتراحين، على خلفية التقارير التي تتحدث عن قرب نشر “قائمة سوداء” للشركات التي تعمل في المستوطنات من قبل مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة يمكن أن يمنح النشطاء والمنظمات المعادية لإسرائيل حافزاً للقيام بحملات مشابهة في دول أخرى وفي منتديات متعددة، بينها دول ذات أهمية كبيرة لإسرائيل ويمكن أن يؤديا إلى تبني قرارات أخرى أكثر خطورة. إلى جانب ذلك يزداد التخوف أيضاً من أن يؤدي قرار رسمي بمقاطعة منتوجات المستوطنات إلى تشجيع مقاطعة أخرى رسمية أو غير رسمية لشركات إسرائيلية لها علاقة بمشروع المستوطنات، مثلاً من خلال تقييد نشاط مصارف إسرائيلية أعطت قروضاً وقروضاً سكنية إلى سكان المستوطنات ورجال الأعمال هناك.
من أجل تحاشي التأثيرات السلبية المحتملة للاقتراحين في إيرلندا وفي تشيلي، وفي دول أخرى، يجب القيام بعدد من الخطوات.
على المستوى الواسع، عودة الاتصالات السياسية مع الفلسطينيين، أو على الأقل إظهار رغبة كبيرة في ذلك أمام المجتمع الدولي، يمكن أن تقلص من الدعوة إلى مقاطعة منتوجات المستوطنات والنشاطات المتعددة ضد إسرائيل، كما ستسمح لمتخذي القرارات في الدول وفي المنظمات الدولية التي تظهر فيها هذه الدعوات، بالامتناع من تحقيقها. طبعاً ردة فعل إسرائيل المستقبلية على “صفقة القرن” للرئيس ترامب، إذا نُشرت وعندما تُنشر، من المنتظر أن تؤثر على العلاقات الدولية مع إسرائيل في هذا السياق.
إن الدفع قدماً بنشاطات اقتصادية مشتركة بين الإسرائيليين والفلسطينيين يمكن أن يتيح لمختلف اللاعبين على الساحة الدولية قنوات تدخّل وتأثير وتعاون، كبديل جذاب من المقاطعة، وكوسيلة حماية ضدها في إطار الصراع الدبلوماسي والدعائي لمنعها.
أبعد من ذلك، تركيز الجهد للكشف عن أهداف وساحات النشاطات المقبلة لنشطاء منظمات نزع الشرعية سيسمح بمنع أو تخفيف اقتراحات أخرى في مراحل متقدمة لم تحظ بعد بتأييد أو لم تُنشر. في هذا السياق، ننصح بالتركيز على مؤسسات الاتحاد الأوروبي لمنع تغيير محتمل في سياسته باتجاه اتخاذ قرارات منسجمة مع روحية اقتراح القانون الإيرلندي، وذلك من خلال التحاور مع المفوضية الأوروبية ودفع الدول المؤيدة لإسرائيل إلى التأثير في سياسة الاتحاد الأوروبي في هذا السياق.

المصدر: مجلة “مباط عال” الإسرائيلية، العدد 1142، 26/2/2019 عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية

Optimized by Optimole