في مديح الطريق الثالث

"صفقة القرن"
Spread the love

بقلم: يوسي بيلين – عضو كنيست إسرائيلي سابق —

•لو شارك عضو من طاقم ترامب الذي يعمل على ايجاد حل للنزاع الإسرائيلي – الفلسطيني في الندوة المغلقة التي جرت مؤخراً في معهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب، لكان سيفاجأ عندما يرى أن فكرة الكونفدرالية الإسرائيلية – الفلسطينية مقبولة لدى مجموعة مهمة من شخصيات ذات وجهات نظر مختلفة، وذلك كجزء من رؤيا حل النزاع.
•الخلاف الذي اندلع في الندوة كان يتعلق بصورة خاصة بمسألة هل هذه الكونفدرالية يجب أن تكون جزءاً من أفق سياسي على المدى البعيد، أم أن المقصود منها هو فكرة يمكن أن تسّهل منذ الآن تحقيق حل الدولتين؟ وهل في إمكان هذا الحل المساعدة على التغلب على مشكلات صعبة، مثل إخلاء مستوطنين سيجدون أنفسهم شرقي الحدود التي سيجري الاتفاق عليها بين إسرائيل والفلسطينيين، ومشكلة اللاجئين الفلسطينيين، واصرار إسرائيل على وجود الجيش الإسرائيلي على نهر الأردن.
•في النقاش الذي أداره نائب مدير المعهد العميد (في الاحتياط) أودي ديكل، شارك مفاوضون من العقدين الأخيرين، وقادة كبار سابقون في الجيش الإسرائيلي، وأكاديميون وباحثون في معاهد أبحاث، وباحثان سويسريان خبيران في مواضيع الفدرالية والكونفدرالية، وشخصية رفيعة المستوى من الجانب الفلسطيني.
•عرض الباحثان السويسريان أمام المشاركين قصة كيف تحول بلدهم من كونفدرالية، إطار مشترك لدول مختلفة، إلى فدرالية، حيث الحكم المركزي ضعيف، ويحصل فقط على ربع الضرائب التي يدفعها المواطنون، بينما تحصل الكانتونات الـ26 على معظم الميزانية وتتمتع بصلاحيات واسعة جداً. وُلد النظام السويسري الحالي بعد حرب انتهت في 1848. وتضم الحكومة 7 وزراء، ويتم تداول منصب الرئاسة في كل سنة، وحتى النواب في البرلمان يقومون بأعمالهم الخاصة ولا يشاركون في نقاشات البرلمان سوى أيام قليلة في السنة، وفي المقابل هم لا يتقاضون راتباً.
•هذا الحل الفريد من نوعه منع استمرار النزاع الطائفي الذي أشتعل بين الدول التي تتألف منها سويسرا. وهناك عنصر يمكن أن يكون مهماً بالنسبة لنا، هو أن ربع سكان سويسرا ليسوا من مواطنيها، وإنما هم مواطنو دول أصلهم مواطنون من دول أخرى، جيلاً بعد جيل. والرسالة الأساسية للباحثَين كانت أنه إذا تقرر اقامة اطار مشترك بين إسرائيل وفلسطين، كدولتين مستقلتين وذاتي سيادة، يستطيع الطرفان تقرير مجموعة موضوعات يعالجانها بصورة مشتركة، مع اختيار المكونات التي تناسبهم انطلاقاً من تجربة اتحادات فدرالية قائمة (مثل النظام الخاص لبروكسل عاصمة لبلجيكا)، أو من ضمن الكونفدارلية الوحيدة في العالم، الإتحاد الأوروبي. وأهم أمر في تسوية كونفدرالية هو المرونة. في البداية منع الإتحاد الأوروبي حرية التنقل لمواطني الدول الأعضاء من بلد إلى آخر. بعد ذلك سمح بانتقال عمال – مهاجرين. وفي وقت متأخر فتحت الإمكانية أمام الطلاب وغيرهم، وحالياً التوجه أصبح على العكس من ذلك.
•مؤيدو اقتراح استخدام صيغة الكونفدرالية من أجل تسهيل التوصل إلى حل الدولتين عندنا طرحوا الأفكار التالية:
1- لا يشمل التعاون بين الدولتين مؤسسات حكم مشتركة، مثل الحكومة أو البرلمان، والقرارات بشأن حجم هذا التعاون تكون تدريجية، من خلال المحافظة على إمكانية الغاء التعاون في مجال معين، من خلال إخطار من طرف واحد.
2-يتضمن الإطار الكونفدارلي تعاوناً في المجال الأمني ويكون الطرف الفلسطيني مسؤولاً عن أمن مواطنيه، ولا يكون لإسرائيل حرية العمل بالدخول إلى الأراضي الفلسطينية، للبحث عن مطلوبين والقيام بعمليات عسكرية، لكن الطرف الإسرائيلي، بالتنسيق والتعاون مع الطرف الفلسطيني سيكون هو المسؤول عن الأمن الشامل، ويكون له تواجد في نقاط استراتيجية.
3-المستوطنون الذين يرغبون في البقاء في مستوطناتهم بعد انسحاب إسرائيل إلى حدود جديدة تحدد في الضفة الغربية، يمكنهم أن يفعلوا ذلك، كمواطنين إسرائيليين وسكان في الدولة الفلسطينية. وهذا الأمر سيمنع المواجهة مع المستوطنين، ويتيح لهم الاختيار بين الانتقال إلى السيادة الإسرائيلية ضمن حدودها الجديدة، مع الحصول على تعوضيات مناسبة، وإمكانية بناء منازلهم من جديد، وبين التمسك بمنازلهم والعيش تحت السيادة الفلسطينية.
4-عدد مشابه من الفلسطينيين، من مواطني الدولة الفلسطينية الجديدة، إذا أرادوا الانتقال إلى إسرائيل والعيش كسكان هناك يستطيعون فعل ذلك، مع الاحتفاظ بهويتهم الأخرى. وقرار اعطاء اقامة دائمة لهم سيكون من صلاحية إسرائيل، وعندما تنشأ الدولة الفلسطينية فهي التي ستعطي الاقامة الدائمة للإسرائيليين الموجودين داخل تخومها.
5-بالاضافة إلى الموضوعات المركزية هذه، فإن السلطات التي ستُقام لمعالجة موضوعات مشتركة(مثل المياة، ومشكلات المجارير، ومسألة تخطيط بناء البنى التحتية، ومحاربة أمراض الزراعة وغيرها) يجب أن تتمركز في المدينة القديمة في القدس، وأن يؤدي ذلك إلى قيام نظام خاص في هذا المكان الحساس.
6- إن القرار المسبق المتخذ في اطار كونفدرالية والذي يسمح ببقاء قسم من المستوطنين في مستوطناتهم، يمكنه أن يمنع الحاجة إلى خلق حدود طويلة بين الدولتين، والحاجة إلى اقتطاع أراض موجودة داخل إسرائيل اليوم من أجل اعطائها كتعويض للفلسطينيين بدلاً من الأراضي التي ستضمها إسرائيل إليها من الضفة الغربية. والمستوطنات التي ستُضم إلى إسرائيل هي تلك المحاذية للخط الأخضر، وما تبقى فإن إطار الكونفدرالية سيتيح الوصول اليها على مستوى عال.
7-من بين المعارضين لاقتراح اقامة كونفدرالية في مرحلة أولى (التي يمكن أن تكون أيضاً تسوية جزئية، وفق “خطة الطريق ” العائدة إلى 2003، أي دولة فلسطينية ضمن حدود موقتة في الضفة الغربية) هناك من يعتقدون أن الرأي العام الإسرائيلي، وربما الفلسطيني أيضاً، معنيان بالانفصال، وليس بالتعاون، وأن اقتراح حل كونفدرالي من شأنه فقط أن يبعد الناس عن فكرة الدولتين.
هناك من اعتقد أن خيار إبقاء مستوطنين خارج حدود إسرائيل هو مسألة إشكالية جداً، لكن نظراً للصعوبة التي ينطوي عليها إخلاء آلاف الإسرائيليين من منازلهم، يبدو هذا الأمر أكثر مسؤولية وممكن تنفيذه. وهناك من قال أن مثل هذه الكونفدرالية يجب أن تشمل الأردن، وأنه من الخطأ الاكتفاء بإطار إسرائيلي- فلسطيني فقط. الطرف الفلسطيني الذي شارك في النقاش لم يؤيد على الفور معارضي الكونفدرالية.
•كاتب هذه السطور غير مقتنع بأن الكونفدرالية هي حل معجزة. ودعمي للفكرة لا ينبع من رغبة جامحة في قيام إطار مشترك، بل من رغبة في السماح بتحقيق حل الدولتين، وعدم تركه كإمكانية بعيدة ومستحيلة. إن الكونفدرالية لن تتيح منع إخلاء الكثير من المستوطنين، ولن تتيح حل مشكلة اللاجئين، أو حل تحدي الدفاع عن الضفة الغربية. لكن إذا اتضح أن هذه الأمور ممكنة ويوجد طرف فلسطيني قابل لها، فإنني اقترح بشدة الدفع بها قدماً. وتفحص هذا الأمر يستطيع أن يقوم به طاقم ترامب في مواجهة الطرفين.

المصدر: صحيفة “يسرائيل هيوم” الإسرائيلية، عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية

Optimized by Optimole