فورين بوليسي: ينبغي على بايدن معاقبة السعودية لدعمها روسيا

Spread the love

كتب الطبيب السعودي المعارض خالد الجابري والباحثة في معهد كوينسي لفنون الحكم المسؤول أنيل شيلاين مقالة في مجلة “فورين بوليسي” الأميركية دعيا فيها الإدارة الأميركية إلى معاقبة المملكة العربية السعودية بسبب موقفها من العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، وعدم استجابتها للطلب واشنطن زيادة ضخ النفط لاستقرار الأسعار.

وقال الكاتبان إنه في الوقت الذي تقف فيه الولايات المتحدة وحلفاؤها موحدين ضد التدخل الروسي في أوكرانيا، تقف السعودية إلى جانب روسيا. فـ”من خلال عدم إدانة الغزو علانية وتأكيد التزامها باتفاقية أوبك +، كشفت الحكومة السعودية عن شقوق في شراكتها طويلة الأمد مع الولايات المتحدة”.

وأضافا الكاتبان: “على الرغم من المناشدات لزيادة إنتاج النفط، يُزعم أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان رفض التحدث مع الرئيس الأميركي جو بايدن بعد أسبوع من تحدثه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. من خلال رفض تعويض النفط الروسي، يسهّل ولي العهد عدوان بوتين من خلال السماح له بجعل الطاقة سلاحاً في مواجهة العقوبات التي يفرضها المجتمع الدولي، وجعل الدول الأوروبية المعتمدة على الطاقة رهينة النفط والغاز الروسيين”، بحسب زعمهما.

وحتى يوم الاثنين، ظلت الحكومة السعودية ترفض إدانة الإجراءات الروسية: وبدلاً من ذلك، تحدث وزير الخارجية السعودي مع نظيره الروسي، مؤكداً على ثبات العلاقات الثنائية بين البلدين و”سبل تقويتها وتوطيدها”.

وأضافت المقالة: على الرغم من التعنت السعودي، أرسلت إدارة بايدن أخيراً أنظمة باتريوت إضافية مضادة للصواريخ إلى المملكة حيث ضربت هجمات الحوثيين منشآت المياه والطاقة السعودية. وفي إعلان عن حاجتهم إلى الحماية الأميركية، أصدر السعوديون بياناً ينفي مسؤوليتهم عن أي نقص في إمدادات النفط بسبب هذه الهجمات. بينما أرسلت واشنطن أنظمة الدفاع من دون أي ضمانات معلن عنها بأن الرياض ستزيد الإنتاج، على الرغم من التزام شركة أرامكو بزيادة الاستثمار.

وتابعت: يمثّل عدم رغبة السعودية في زيادة إنتاج النفط استجابة لطلب بايدن أحدث علامة على تغيير الولاءات. فطوال سبعة عقود من الشراكة، عملت واشنطن كضامن الأمن الرئيسي للرياض، وفي المقابل، نسق معظم الملوك السعوديين عن كثب مع الولايات المتحدة بشأن قضايا الطاقة. ومع ذلك، منذ أن عزز محمد بن سلمان سلطته، توترت العلاقات الثنائية بشكل متزايد بسبب قرارات السياسة الخارجية السعودية المتهورة، بما في ذلك الحرب التي دامت سبع سنوات على اليمن، فضلاً عن سجل حقوق الإنسان المتدهور، والذي يتجلى بشكل صارخ في جريمة القتل الشنيعة التي تعرض لها الصحافي جمال خاشقجي.

وقال الكاتبان: على الرغم من العلاقة المعقدة، واصل العديد من مسؤولي إدارة بايدن التأكيد على التزام الولايات المتحدة بأمن السعودية. كانت هذه التصريحات مدعومة بالدعم الأميركي المستمر للحرب التي تقودها السعودية على اليمن، بما في ذلك بيع أسلحة بقيمة 650 مليون دولار للدفاع السعودي من صواريخ “الحوثيين” العابرة للحدود وضربات الطائرات بدون طيار.

وأضافا: كما أظهرت الولايات المتحدة التزامها بأمن شركاء الخليج الآخرين من خلال تصنيف قطر أخيراً كحليف رئيسي من خارج حلف الأطلسي (الناتو) وحشد أصول عسكرية إضافية للإمارات العربية المتحدة في أعقاب هجمات الحوثيين بطائرات بدون طيار على أبو ظبي في كانون الثاني / يناير الماضي. حتى مع هذه التطمينات، يحاول السعوديون ابتزاز المزيد من الدعم الأميركي لحربهم في اليمن في مقابل زيادة إنتاج النفط.

وتابعت المقالة: في الواقع، لا تشك السعودية في الضمان الأمني ​​للولايات المتحدة. ما يريده ولي العهد هو ضمان حكمه. أظهرت الولايات المتحدة أنها على الرغم من أنها ستعمل على دعم الأمن المادي لشركائها الخليجيين، فإن واشنطن لن تهاجم المدنيين، كما يفعل القادة العرب الاستبداديون، للدفاع عن نظامها المفضل. يرى حكام الخليج أن موقف أميركا المحايد خلال “الربيع العربي” قد سمح بالإطاحة بشريك واشنطن على المدى الطويل حسني مبارك في مصر.

واستفاض الكاتبان بالأمثلة قائلين: يشعر أفراد العائلة المالكة السعودية أن تدخلهم العسكري المباشر في البحرين في عام 2011 هو الوحيد الذي أنقذ عائلة آل خليفة المالكة، لا بفضل الأميركيين، على الرغم من وجود الأسطول الخامس للبحرية الأميركية في ميناء المنامة. منذ ذلك الحين، ازداد عدم ثقة السعودية في الولايات المتحدة وجنوب الارتياب بشأن المعارضة الداخلية. ففي ظل حكم الملك سلمان وولي العهد الأمير محمد بن سلمان، سارعت السعودية في تنمية العلاقات الوثيقة مع روسيا والصين.

وزعم الكاتبان أنه على غرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الصيني شي جين بينغ، يفضل الحكام السعوديون نموذجاً استبدادياً للرأسمالية بالإضافة إلى نظام عالمي بديل مبني على البقاء الاستبدادي واستبعاد حقوق الإنسان من العلاقات بين دولة وأخرى”.

وأضافا: إن لامبالاة السعودية والدول الإسلامية الكبرى الأخرى تجاه إساءة معاملة الصين وروسيا للأقلية المسلمة من جانبهما يدل على توافق معارضة هذه الحكومات لحقوق الإنسان. تشترك السعودية والإمارات العربية المتحدة في خوف الصين وروسيا المذعور من الحركات الإسلامية باعتبارها مصادر محتملة لعدم استقرار النظام. فقد سعى العاهل السعودي وولي العهد بنشاط إلى تهميش الإسلاميين، جزئياً من خلال إزاحة أهمية الإسلام في السردية الوطنية السعودية وتركيز دور العائلة المالكة. على سبيل المثال، في 22 شباط / فبراير الماضي، احتفلت المملكة بيوم التأسيس لأول مرة. يعود تاريخ العطلة الجديدة إلى الأصول الوطنية السعودية إلى عام 1727، عندما تولى محمد بن سعود زمام الأمور، بدلاً من عام 1744 الذي تم الاحتفال به سابقاً، عندما اشترك سعود مع محمد بن عبد الوهاب، مؤسس الوهابية، مما عزّز الشرعية الدينية لحكمه وأطلق التوسع الإقليمي.

وأشارت المقالة إلى أنه بينما رحب الكثيرون في الغرب بقرارات الحكومة السعودية بعدم تمكين الجهات الفاعلة مثل الشرطة الدينية والسماح بفصل أقل صرامة بين الجنسين، فإن هذه التغييرات تتزامن كذلك مع مستويات غير مسبوقة من القمع الداخلي. يكشف سجن نشطاء حقوق الإنسان، واستهداف المعارضين في الخارج، والإعدام الجماعي الأخير لـ81 سجيناً عن الطبيعة الحقيقية لنوايا محمد بن سلمان: إسكات جميع المعارضة، بمن في ذلك رجال الدين والنخب المحافظة الذين كانوا يتمتعون بصلاحيات الدولة سابقاً، خلف غطاء من الغلاف الخارجي للأعراف الاجتماعية الغربية.

وزعمت المقالة: ربما يكون الغضب المستمر والنفور السياسي بشأن مقتل خاشقجي قد أقنع ولي العهد بأن جهوده لإعادة تسويق المملكة في نظر الغرب قد باءت بالفشل. بدلاً من ذلك، تمثّل الصين وروسيا شريكين لن يعاقباه مطلقًا لقتله صحافياً… ومع ذلك، فإن الرهان على الضمانات الأمنية الصينية والروسية يمثّل مقامرة. على عكس الولايات المتحدة، ليس لروسيا والصين تاريخ في حماية السعودية، ولا أي وجود عسكري ذي مغزى في الخليج. إذا قررت السعودية نقل جيشها بعيداً عن المعدات الأميركية الصنع، فستستغرق العملية عقوداً ومئات المليارات من الدولارات. بل إن الصين وروسيا تتممتعان بعلاقات وثيقة ومتبادلة المنفعة مع إيران، والتي من غير المرجح أن تضحيا بها من أجل مشاعر السعوديين. عند التحدث إلى الأميركيين، أصر السعوديون منذ فترة طويلة على ضمانات أكبر من أي وقت مضى لحماية الولايات المتحدة ضد إيران والجماعات التي تدعمها في جميع أنحاء المنطقة. إذا كانت الرياض على استعداد للتغاضي عن مثل هذه المخاوف من أجل الشراكة مع بكين أو موسكو، فسيكون من الواضح أن هذا الموقف كان يهدف إلى حد كبير للعب على عدم ثقة واشنطن المستمر في طهران.

وأضاف الكاتبان: “حتى لو كان قلق ولي العهد بشأن إيران حقيقياً، فإن مخاوفه بشأن الاضطرابات الداخلية أكبر. لهذا السبب، فإنه يفضل شريكاً مثل بوتين، الذي أظهر التزامه بإبقاء الرئيس السوري بشار الأسد في السلطة حتى على حساب الخسائر الكبيرة في صفوف المدنيين. إنه يأمل بأنه بوقوفه إلى جانب روسيا اليوم، وسوف يأتي من أجله الكرملين في ساعة حاجته، في حال وقوع احتجاجات شعبية ضخمة من قبل المواطنين السعوديين”.

ورأت المقالة أن محمد بن سلمان “يفضّل الرهان على المدى الطويل على دعم بوتين بدلاً من المخاطرة باستعدائه للمسؤولين الغربيين المنتخبين لفترة محدودة. إن فشل المناشدات الشخصية الأخيرة من قبل رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون وكبار المسؤولين الأميركيين، بمن فيهم مستشار الأمن القومي جيك سوليفان ومنسق مجلس الأمن القومي للشرق الأوسط بريت ماكغورك، فضلاً عن رفض مقابلة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكين، تثبت أن ولي العهد السعودي قد اتخذ قراره. فهو لن يتبنى سياسة نفطية من شأنها أن تقوّض نفوذ بوتين في مجال الطاقة وتقطع شريان حياة روسيا من البترودولار: لقد اختار موسكو على واشنطن.

ودعا الكاتبان إدارة بايدن أن تقوم بالمثل بالتوقف عن استجداء السعوديين للحصول على النفط عندما تضغط على الحلفاء الأوروبيين للتخلي عن الوقود الأحفوري الروسي. أدى عدم التوافق بين الديمقراطية الأميركية والاستبداد السعودي إلى توتر العلاقة لفترة طويلة. لقد حان الوقت للولايات المتحدة للتوقف عن استجداء السعوديين للحصول على النفط. ليس هذا هو الوقت المناسب لإعادة قوة دكتاتورية هيدروكربونية وحشية أخرى.

ورأى الكاتبان أنه لمواجهة الاحتمال غير السار المتمثل في استبدال النفط الروسي بنفط سعودي أو إيراني أو فنزويلي، فإن “العودة إلى الاتفاق النووي الإيراني والسماح للوقود الأحفوري الإيراني بالعودة إلى السوق العالمية يمثلان أفضل الخيارات السيئة لمعالجة الزيادات الأخيرة في الأسعار. سيظل شراء النفط الإيراني مقيداً بشروط الاتفاق النووي المعاد التفاوض عليه، في حين أن الاستسلام للمطالب السعودية (أو الفنزويلية) لا يأتي مع أي ضمانات إضافية لمعالجة المجالات التي تثير قلق الولايات المتحدة. فعلى المدى الطويل، يجب أن يعمل بايدن على تقليل اعتماد الولايات المتحدة على الوقود الأحفوري، وبالتالي حماية الاقتصاد الأميركي من صدمات أسعار النفط التي لا مفر منها. عندها فقط يمكن للحكومة الأميركية أن تتخلى عن صفقات منافقة مع مستبدين أغنياء بالنفط”.

وخلص الكاتبان إلى أنه يبدو أن الرياض لا تزال تعتبر حماية واشنطن لها أمراً مفروغاً منه، على الرغم من فتور العلاقات أخيراً، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن بايدن لم ينفذ وعوده بمحاسبة ولي العهد على مقتل خاشقجي وتدمير اليمن. واعتبرا أن السياسة الأميركية الحالية المتمثلة في استرضاء السعودية تعزز فقط تصوّر محمد بن سلمان بأن بايدن يحتاج إليه أكثر مما تحتاج الرياض إلى واشنطن، وهي وجهة نظر ستشجّعه على إقامة شراكة أوثق مع روسيا والصين، معتقداً أن الحكومة الأميركية ليس لديها خيار سوى الاستمرار في دعمه. بدلاً من ذلك، يجب أن ينتهز بايدن الفرصة لإعادة التفكير بشكل أساسي في علاقة أميركا مع النظام الملكي السعودي، بما في ذلك إنهاء جميع مبيعات الأسلحة وتعليق عقود الصيانة للجيش السعودي. هذا فقط سيثبت الخطر الذي تتعرض له الرياض لفقدان شريكها الأمني ​​الوحيد المستقر. “فإذا ضاعف محمد بن سلمان دعمه لزملائه الديكتاتوريين، فلن تكون خسارة كبيرة للولايات المتحدة”.

*خالد الجابري رائد أعمال في مجال التكنولوجيا الصحية وطبيب قلب. تم نفيه من السعودية، حيث يوجد اثنان من إخوته سجينان سياسيان.

*أنيل شيلاين باحثة في معهد كوينسي لفنون الحكم المسؤول في الولايات المتحدة.

نقله إلى العربية بتصرف: الميادين نت

Optimized by Optimole