سورية: “خطوط حمراء” إسرائيلية في مواجهة مواقع إيرانية

Spread the love

بقلم: أودي ديكل وتسفي مَغِن – باحثان في معهد دراسات الأمن القومي الأإسرائيلي —
•في الأسبوع الماضي أُبرمت صفقة بين الولايات المتحدة وروسيا تتعلق بوقف اطلاق النار وإقامة مناطق تهدئة (خفض تصعيد، de-escalation) في جنوب سورية. وشملت التفاهمات بين الدولتين العظميين السماح بانتشار قوات إيرانية وميليشيات واقعة تحت سيطرة إيران في منطقة الحدود في هضبة الجولان التي أعلنت إسرائيل أنها لا توافق على أي وجود إيراني فيها. لقد كانت هذه هي المرة الثانية خلال نصف العام الأخير التي يجري فيها التوصل إلى صفقة بين الدولتين العظميين تتعلق بمستقبل سورية من وراء ظهر إسرائيل.
•على هامش قمة منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ الذي انعقد مؤخراً في فيتنام، أعلنت الولايات المتحدة وروسيا، أنهما توصلتا إلى تفاهمات سويّة مع الأردن بشأن إقامة مناطق تهدئة في جنوب سورية لمدة 6 أشهر، مع احتمال تمديد المدة. وأوضح موظف أميركي كبير أن التفاهمات شملت إبعاد القوات الإيرانية وحزب الله والميليشيات الشيعية عن الحدود مع إسرائيل في هضبة الجولان إلى مسافة 7 كيلومترات (عن سفوح جبل الشيخ في الطريق المؤدية إلى دمشق)، و20 كيلومتراً عن (وسط هضبة الجولان وجنوبها). كما شملت التفاهمات ترسيم خريطة مناطق فصل منزوعة السلاح مساحتها 5 كيلومترات بين قوات المتمردين السوريين والقوات الإيرانية وحزب الله. وأوضح وزير الإعلام الأردني محمد مومني أن مقاتلين سوريين وعناصر الميليشيات الإيرانية والشيعية الأخرى التي تعمل مع نظام بشار الأسد، لا تستطيع التحرك في جنوب سورية، وفي فترة لاحقة يجب عليها الانسحاب من سورية.
•خلال جولة المحادثات السابقة بين الولايات المتحدة وروسيا التي جرت في عمان في تموز/يوليو 2017، تحركت إسرائيل من وراء الكواليس وطالبت بإبعاد القوات الإيرانية والتي تدور في فلكها إلى مسافة 60 كيلومتراً من الحدود، وإنشاء منطقة فصل حتى السويداء (جبل الدروز) شرقاً وحتى دمشق في الشمال. وكانت الاستجابة للطلب الإسرائيلي جزئية، وجرى الحديث عن إبعاد القوات الإيرانية إلى مسافة تراوح بين 20 و30 كيلومتراً من حدود إسرائيل. وخلال الجولتين من المحادثات، لم يجر التطرق إلى مسائل تمركز إيران في سورية بصورة عامة، بما في ذلك إقامة قواعد برية وبحرية وجوية إيرانية، وبنية تحتية لإنتاج وتخزين سلاح متطور.
•لقد عبرّ مسؤولون إسرائيليون كبار عن استيائهم رداً على تقارير تتعلق بالتفاهمات بين روسيا والولايات المتحدة بشأن جنوب سورية. فبحسب قولهم، صياغة الاتفاق جرت بخطوط عامة جداً، وجرى التشديد على معارضة إسرائيل لأي وجود عسكري إيراني في سورية، من دون علاقة بمكانه. بالاضافة إلى ذلك، حذّر ناطقون بلسان إسرائيل من أنه على الرغم من أن الاتفاق يحسّن إلى حد ما تفاهمات سابقة بين الولايات المتحدة وروسيا، فإنه ما يزال لا يلبي المصلحة الأمنية الإسرائيلية في سورية. لذا، فإن إسرائيل غير ملزمة به، وستواصل الدفاع عن “الخطوط الحمراء” التي وضعتها.
•لم يتأخر الرد الروسي في الوصول، فقد أعلن وزير الخارجية الروسي أن الاتفاق لا يشمل تعهداً روسياً بانسحاب إيراني أو قوات تابعة لإيران من سورية، وأن وجود إيران في سورية شرعي لأنه جرى بطلب من النظام الرسمي والشرعي في سورية.
•لقد كان الهدف من الإعلان الروسي طمأنة حليفتها إيران وتوضيح حرص روسيا على مصالحها. وفي نظرة أوسع، في أساس السياسة الروسية هناك فهم بأن حكم الأسد غير ثابت ولن يستطع الصمود من دون دعم عسكري من إيران وحزب الله والميليشيات الشيعية التابعة للقيادة الإيرانية. فهؤلاء هم الذين يقومون “بالعمل القذر” على الأرض من أجل الأسد، وأيضاً من أجل روسيا. بالنسبة إلى إيران، فإن دورها المستقبلي في سورية، واضح: الأسد، أو أي زعيم علوي يأتي مكانه، ويسيطر على سورية سيكون تابعاً تبعية كاملة لها. في ما يتعلق بمسألة هوية الزعيم وتركيبة السلطة تختلف الآراء بين الحلفاء. تناضل إيران من أجل بقاء الأسد في السلطة، ولا يمكن أن نقول إن هذا هو موقف روسيا، التي كانت مستعدة لإزاحة الأسد من منصبه في حال توفر بديل مفضل من ناحيتها . في ما يتعلق بتركيبة الحكم، في تقدير موسكو إن التركيبة الفدرالية في سورية هي الأكثر امكانية للتحقق، بينما إيران معنية بحكم مركزي علوي قوي تابع لمشيئتها.
•تعنى السياسة الروسية في الشرق الأوسط أيضاً بالدفع قدماً بالعلاقات مع دول أخرى في المنطقة وعلى رأسها تركيا والسعودية ومصر والأردن وإسرائيل. وليس مفاجئاً عدم ارتياح هذه الدول لإعلان وزير الخارجية الروسي بشأن عدم الرغبة بإخراج القوات الإيرانية المدعومة من إيران من سورية. بالنسبة إلى موسكو، هذا الإعلان يهدف إلى خدمة هدف هو أكثر أهمية من الرغبة في طمأنة مخاوف عواصم عدة في الشرق الأوسط. ومن المحتمل أن تكون روسيا تريد أن تتحدى الولايات المتحدة من خلال مسألة مكانة إيران في سورية، من أجل ممارسة ضغوط سرية على واشنطن تتعلق بموضوعات أخرى مطروحة بينهما. ومن المحتمل أيضاً أن موسكو التي تميل إلى تبني نظرية المؤامرة، ترى في الاضطرابات التي تمر بها السعودية ولبنان عملية توجهها واشنطن هدفها المس بمكانة روسيا في الشرق الأوسط.
•صحيح أن الطريق نحو نهاية الحرب وتحقيق الاستقرار في سورية ما يزال طويلاً، لكن يتضح أن إيران هي المنتصر الأكبر، فقد قدمت لها روسيا والولايات المتحدة على طبق من ذهب السيطرة والنفوذ في سورية، وهما لا تنويان في هذه المرحلة الدخول في مواجهة معها.
•إسرائيل حرصت منذ 2011 على الوقوف “موقف المتفرج” وعدم التدخل في ما يحدث في سورية، وتحركت فقط عندما كانت تواجه تحدياً حقيقياً. وكانت النتجية انعدام التأثير الإسرائيلي في المعركة الدائرة حالياً من أجل بلورة مستقبل سورية، وترك الساحة لتعاظم النفوذ الإيراني وترسيخه في سورية. وفقط عندما فهمت إسرائيل أنها لم تكن يقظة بما فيه الكفاية، وضعت “خطوطاً حمراء” أي تجاوز لها يتطلب رداً عسكرياً.
•إن “الخطوط الحمراء” لا يعبر عنها فقط بحيز مادي جغرافي بعيداً عن الحدود، بل بجملة شروط ملموسة، وقدرات عسكرية متطورة ونوعية، وبظروف تمركز إيران، خصوصاً بواسطة التنظيمات الدائرة في فلكها في جنوب سورية، والتي تشكل تهديداً لإسرائيل يتطلب عملية عسكرية ضدها. لم تتحدث إسرائيل بإسهاب عن القدرات وحجم القوات وماهية وخطورة تهديد إيران والتنظيمات التابعة لها، وما هو الذي يستوجب رداً عسكرياً. لذا فإن الغموض في وضع “الخطوط الحمراء”، من دون تفاصيل، يمكن أن يتيح لإسرائيل مرونة معينة في الرد. وإسرائيل أمام خيارين: الأول: تقديم موقف واضح بشأن ما تتضمنه “الخطوط الحمراء”، مثلاً بُنى تحتية إيرانية لإنتاج وتركيب وتخزين السلاح في شتى أنحاء سورية، هذا معناه تهديد حقيقي لإسرائيل وسيطرة إيرانية على سورية من الصعب اقتلاعها لاحقاً؛ الخيار الثاني، المحافظة على الغموض ووضع “خطوط حمراء” من خلال الأفعال وليس الأقوال، أي استخدام قوة عسكرية تتلاءم مع حجم التهديد. في مثل هذا الوضع إسرائيل ليست ملزمة مسبقاً ببيان تحركاتها، وهي بذلك تتسبب بقدر كبير من عدم اليقين في الجانب الإيراني. في المقابل، فإن هذا الغموض يمكن أن يشجع إيران على محاولة معرفة رد إسرائيل من خلال القيام بخطوات تدريجية تراكمية هدفها التوصل إلى مسار ينطوي على قدرة تصعيدية سيكون من الصعب السيطرة عليها.
•يبدو أنه اقترب اليوم الذي سيكون على إسرائيل أن تشمر فيه عن أكمامها للمشاركة في ما يجري في سورية إذا كانت ترغب في كبح النفوذ والتمركز الإيرانيين في هذه الدولة. لدى إسرائيل القدرة على تدمير “مشروع” روسيا وإيران في سورية والمس بشدة بالأسس التي يستند إليها نظام الأسد. ويتعين عليها التلويح بهذه الورقة، ولكن الاحتفاظ بها إلى حين نشوء وضع تتعقد فيه الأمور، وإلاّ لن تُكبح السيطرة الإيرانية على سورية. ويتعين على إسرائيل أن تظهر إصرارها على المطالبة بإبعاد قوات إيران والميليشيات الشيعية الواقعة تحت سيطرتها من هضبة الجولان، وكذلك منع إقامة بنية تحتية عسكرية إيرانية في سورية تدعم تعاظم قوة نظام الأسد والميليشيات الشيعية وقوات الحزب التي تدعمه. ومن المهم أن نفهم أن معنى ذلك هو تزايد احتمال حدوث تصعيد في الجبهة الشمالية، وفي جبهة سورية وكذلك انزلاقها إلى جبهة لبنان. إن الولايات المتحدة، وبالتأكيد روسيا لن يقوما بالعمل بدلاً من إسرائيل. بالتأكيد، سيعطي الرئيس ترامب ضوءاً أخضر لإسرائيل للقيام بما تريد وبالقوة التي تختارها، لكن ما ليس أكيداً هو قيامه بمنحها مظلة أمان في حال حدوث تعقيدات. لذا يتعين على إسرائيل أن تكون مستعدة للتحرك في مواجهة تصعيد، وأن تتحضر بصورة صحيحة لمواجهة نتائج أفعالها.

المصدر: مجلة “مباط عال” الإسرائيلية، العدد 933، 21 تشرين الثاني/نوفمبر 2017، عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية