رغم انتصاراته الاستراتيجية، بوتين يفشل في رفع العقوبات الغربية

رغم انتصاراته الاستراتيجية، بوتين يفشل في رفع العقوبات الغربية
Spread the love

نيل ماكفاركوار — كتبت صحيفة نيويورك تايمز عن فشل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في رفع العقوبات الغربية عن بلاده، زاعمة أن التداعيات الاقتصادية لهذه العقوبات بدأت تؤثر في انخفاض شعبية بوتين في الداخل الروسي، مشيرة إلى حيرة الكرملين في التعاطي مع إدارة ترامب ذات الرأسين وتبدل موقفها فجأة وبسرعة تجاه موسكو. والآتي ترجمة نص المقالة:

موسكو ـ من موسكو إلى واشنطن إلى العواصم فيما بينهما، أظهرت الأيام القليلة الماضية الطريقة التي يستغل بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ببراعة الخلافات بين الولايات المتحدة وحلفائها.

غير أن الأحداث الأخيرة سلطت الضوء أيضاً على الجانب السلبي للمغامرات الجيوسياسية للسيد بوتين، وأبرزت أنه لا يفي بأمور ذات أهمية حيوية بالنسبة إلى نفسه، وللروس العاديين.

وكان الرئيس ترامب قد انتهى بالكاد من تغريدة أعلن فيها عن عقوبات جديدة على تركيا يوم الجمعة حتى اتصل بوتين هاتفياً بنظيره التركي رجب طيب أردوغان.

بوتين عتيق الطراز وهو يعرض الاستيلاء على أي فرصة لتقسيم الغرب. لكن في الوقت نفسه، فإن العقوبات الغربية التي كان يأمل في رفعها قد تم فقط تشديدها خلال الأسبوع الماضي، مما دفع الروبل إلى أدنى مستوياته منذ سنوات.

في الداخل، يعاني السيد بوتين من مكانته مع الروس نتيجة لذلك.

على الرغم من كل النجاح الاستراتيجي الذي حققه بوتين، بما في ذلك تضاؤل حلف ​​الناتو والاتحاد الأوروبي من خلال دعم الحكومات الشعبية في أوروبا وكذلك الحكام المستبدين في الشرق الأوسط، فقد فشل في إقناع الغرب أو الضغط عليه لرفع موجات متتالية من العقوبات الاقتصادية الأميركية والأوروبية المفروضة على روسيا منذ ضمها شبه جزيرة القرم في عام 2014.

في الواقع، هددت وزارة الخارجية الأميركية الأسبوع الماضي بتطبيق جولة أخرى من مثل هذه الإجراءات، بعد أيام قليلة من تهديد مجلس الشيوخ الأميركي بعقوباته الخاصة.

الاتحاد الأوروبي، الذي أشار بعض أعضائه خلال السنوات القليلة الماضية إلى أنهم مستعدون للنظر في منح موسكو بعض الراحة، قد شدد العقوبات على روسيا، وخاصة في أعقاب اكتشاف الحكومة البريطانية أن روسيا كانت مسؤولة عن محاولة اغتيال على الأراضي البريطانية باستخدام سلاح غاز أعصاب محظور.

يمكن أن يدعي بوتين بالتأكيد انتصاراً تكتيكياً بعد دعوته لتركيا. سرعان ما صاح السيد أردوغان، الذي بلاده عضو في منظمة حلف شمال الأطلسي، بأن العلاقات الاقتصادية والعسكرية المتنامية بين تركيا وروسيا “تجعلنا أقوى”، في حين أنه شجب “الحرب الاقتصادية” التي شنتها واشنطن ضد بلاده.

لكن الفشل في إحراز تقدم في تحرير الاقتصاد الروسي من العقوبات يشكل نكسة للسيد بوتين على المستويين المحلي والعالمي.

اعتقد بوتين والبعض في الكرملين أنهم عبر السيد ترامب ستكون لديهم بطاقة خالية من العقوبات. وعلى الرغم من عدم وجود اتفاقيات ملموسة، فإن أول اجتماع قمة بين الزعيمين الأميركي والروسي، في هلسنكي، في فنلندا، الشهر الماضي، قد عزز التوقعات الروسية بأن الرئيس الأميركي سوف يفي بوعده في حملته لإصلاح العلاقات.

وكتبت ماريا سكونغفايا، وهي محللة وكاتبة عمود في صحيفة “فيدوموستي” ومقرها الولايات المتحدة. في بريد الكتروني للصحيفة: “تأمل الكثيرون أن تؤدي قمة هلسنكي إلى إعادة العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا، وإذا لم تساعد في رفع العقوبات الحالية، فعلى الأقل تجنب جولات أخرى”.

ولكن مما يثير استياء الكرملين، أن إدارة ترامب قد تطورت إلى نوع من القيادة برأسين في العالم الدبلوماسي، مما جعلها تتعامل مع روسيا بشكل يشبه اللاما (الجمل) برأسين الشهيرة الدكتور دوليتل.

رأس، في شكل السيد ترامب الذي وعد مراراً بتحسين العلاقات مع موسكو، في حين أن الرأس الآخر، ممثلاً بكبار المسؤولين في إدارته الخاصة والمشاعر الحزبية في الكونغرس، يثور من أجل فرض عقوبات جديدة وإجراءات تأديبية أخرى.

في موسكو، دفعت سياسة التذبذب هذه إلى الحيرة والغضب على حد تعثر الكرملين بالرد.

وقال أندريه في. كورتونوف، المدير العام لمجلس الشؤون الدولية الروسية، وهي مجموعة بحث تقدم المشورة إلى الكرملين: “إن الناس محتارون لأنهم يظلون يتلقون إشارات متضاربة للغاية بشأن حالة العلاقات”.

وكان رد الكرملين الثابت منذ ضم شبه جزيرة القرم هو حشد الروس قومياً حول العلم، وتصوير البلاد كحصن محاصر. ولكن بعد أربع سنوات، وجد المواطنون الروس العاديون هذه الصيغة مملّة، ويمكن أن يعزى انخفاض شعبية بوتين جزئياً إلى عدم قدرته على إصلاح العلاقات مع الغرب، كما يقول المحللون.

وقال ليف د. جودكو، مدير مركز ليفادا، وهو منظمة مستقلة للاستطلاعات، “الناس يقولون: الرجاء الحفاظ على روسيا كقوة عظمى، ولكن ليس على حساب دخلنا. عندما بدأوا يشعرون أن سياسة بوتين الخارجية أصبحت باهظة الثمن، بدأ الموقف يتغير وبدأ الإحساس بالانزعاج ينمو”.

وبعد اجتماع قمة هلسنكي، قال 42٪ من الروس في استطلاع واحد إنهم يتمتعون برأي إيجابي تجاه كل من الولايات المتحدة وأوروبا. وهذا هو أعلى مستوى منذ ادعت موسكو سيادتها على القرم.

في الوقت نفسه، كان معدل قبول السيد بوتين، الذي لا يزال مرتفعاً بالمعايير الغربية، قد بدأ يهبط. وفي تموز يوليو الماضي، انخفض بنسبة 15 نقطة مئوية، من 79 في المائة إلى 64 في المائة، وفقاً لاستطلاع ليفادا. وكان الاستطلاع قد شمل 1600 شخص بهامش خطأ يبلغ حوالي ثلاث نقاط مئوية.

وأظهر استطلاع للرأي نشرته يوم الجمعةFOM ، مؤسسة الرأي العام، والتي تعمل في كثير من الأحيان للكرملين، أعداداً أقل. وقال 45 في المئة فقط ممن شملهم الاستطلاع أنهم سيصوتون لصالح بوتين في الانتخابات الرئاسية الآن، وهو أدنى مستوى له منذ خمس سنوات، في حين أن عدد الذين أعربوا عن عدم ثقتهم به قفزوا إلى 35 في المئة من 19 في المئة في أيار مايو 2018. الاستطلاع الذي أجري هذا الشهر، شمل 3000 مشارك مع هامش خطأ بـ2.5 نقطة مئوية.

أولاً ، تدفق مئات الآلاف من الأجانب النشطين على روسيا في حزيران – يونيو وتموز- يوليو من أجل كأس العالم. التلفزيون الرسمي، وهو احتكار فعلي، أسقط اعتداءاته المعتادة على كراهية الأجانب خلال تلك الأسابيع، والتي جاءت قبيل اجتماع القمة الذي عقد في 16 تموز – يوليو بين السيد بوتين والسيد ترامب.

والأهم من ذلك أن النظرة المتغيرة للغرب تعكس سخطاً عاماً نتيجة المشاكل الداخلية بما في ذلك خطط لإصلاح المعاشات وزيادة الضرائب وسنوات عدة من ارتفاع الأسعار بالتوازي مع انخفاض الدخل، حسبما قال جودكوف.

وقال جودكوف: “إنها طريقة ليقول الناس إن الوقت قد حان لإنهاء هذه المواجهة”.

في البداية، بدا أن محادثات هلسنكي قد فتحت الباب أمام دبلوماسيين ذوي المستوى الأدنى، والضباط العسكريين، وعملاء الاستخبارات، والخبراء الآخرين لبدء المناقشات حول التعاون بين روسيا والولايات المتحدة في عدد قليل على الأقل من القضايا، بما في ذلك الحربين في سوريا وأوكرانيا، والإرهاب الدولي والانتشار النووي.

وقال السيد كورتونوف: “سنبدأ ببطء في الخروج من هذه الحفرة التي حفرناها لأنفسنا”.

وبدلاً من ذلك، فإن موقف ترامب المريح تجاه السيد بوتين جاء بنتائج عكسية في الداخل الأميركي وتعمقت المواجهة. أولاً، ألقت الولايات المتحدة القبض على مواطنة روسية، هي ماريا بوتينا، بتهمة التصرف كعميلة أجنبية غير مسجلة. ثم أعلنت مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، استياءها من أن السيد ترامب لم يواجه الرئيس بوتين علانية بسبب تدخل روسيا في الانتخابات الأميركية، وأصدرت مسودة قانون من شأنه أن يحد من عمليات البنوك الروسية المملوكة للدولة في الولايات المتحدة ومن شأنه أن يعرقل استخدامها للدولار الأميركي. إن إقرار مثل هذا القانون سيفرض بعض العقوبات الأكثر ضرراً لروسيا حتى الآن.

وقالت وزارة الخارجية الأميركية يوم الأربعاء إنها ستفرض عقوبات جديدة بنهاية آب – أغسطس الجاري رداً على محاولة اغتيال في مارس آذار الماضي لجاسوس روسي سابق يعيش في بريطانيا هو سيرجي في. سكريبال وابنته يوليا سكريبال. يفرض القانون الأميركي عقوبات من هذا القبيل، مع مرحلة ثانية ممكنة في وقت لاحق من هذا العام، بعد أي هجوم باستخدام الأسلحة الكيميائية.

ومن المتوقع أن يكون لعقوبات آب – أغسطس، التي تستهدف السلع ذات الصلة بالأمن القومي، تأثير ضئيل لأن مثل هذه التجارة منخفضة للغاية على أي حال.

العقوبات المصرفية التي يهدد بها مجلس الشيوخ الأميركي أكثر جدية بكثير. ويرى بعض المحللين الروس أن العقوبات الأخف منبثقة عن وزارة الخارجية كمحاولة من جانب البيت الأبيض بقيادة ترامب للتخلص من جولة جديدة للعقوبات أكثر ضرراً، وجعل السيد ترامب يبدو قاسياً على روسيا قبل انتخابات الكونغرس النصفية في تشرين الثاني – نوفمبر المقبل.

وفي كلتا الحالتين، لا تملك روسيا سوى وسائل محدودة للرد من دون إضرار اقتصادها. فالعقوبات الحالية، بما فيها العقوبات التي تفرضها أوروبا، قد أضرت بالفعل بالنمو الاقتصادي.

يوم الخميس الماضي، ضربت العقوبات الجديدة الروبل، الذي انخفض إلى أدنى مستوى له في مقابل الدولار في عامين. وتراجعت أسعار الأسهم في موسكو أيضاً. وأشعل اضطراب السوق عناوين الأخبار المثيرة في وسائل الإعلام الروسية مثل مانشيت “غرق الروبل في موجة من العقوبات”.

التوقعات المفاجئة المتقطعة لتحسين العلاقات وعدم وجود خيارات للرد، تُغضب بوضوح كبار المسؤولين المحبطين، الذين صعدوا الخطاب المتنامي حول أن الولايات المتحدة لا تسعى فقط لمعاقبة روسيا، ولكن لتدميرها.

وعكس إيغور كوروتشينك ، رئيس تحرير المجلة الروسية “الدفاع الوطني”، موقف المتشددين في الكرملين الذين يشككون دائماً في الولايات المتحدة عندما رفض فكرة أن العقوبات كانت مجرد عرض من أعراض السياسة الأميركية الداخلية. وقال في برنامج حواري تلفزيوني ساخن “إنها محاولة لتدمير الدولة الروسية الحديثة.”

واقترح دميتري ميدفيديف، رئيس الوزراء الروسي الذي لا يحظى بشعبية، أن الحرب الاقتصادية تختمر وتهدد بالرد الانتقامي. وقال: “سيكون من الضروري الرد على هذه الحرب اقتصاديًا أو سياسيًا أو إذا لزم الأمر بوسائل أخرى”.

ورد الكرملين ووزارة الخارجية الروسية بنغمات محسوبة أكثر، قائلَين إن الإجراءات “غير الودية” الجديدة تتناقض على الأقل مع روح اجتماع هلسنكي. وقال ديمتري س. بيسكوف، المتحدث باسم بوتين: “يمكنك أن تتوقع أي شيء من واشنطن الآن ، إنه لاعب دولي لا يمكن التنبؤ بسلوكه”.

المشكلة المباشرة للكرملين هي كيفية الرد. وهو ينفي أي تورط في الإجراءات خارج حدود روسيا التي دفعت إلى هذه الخطوة، مثل قرصنة رسائل البريد الإلكتروني للحزب الديمقراطي أو تسميم سكريبالس.

لقد نجحت روسيا إلى حد كبير من النجاة من الآثار المترتبة على العقوبات السابقة، ولديها نموذج دول مثل إيران، التي نجت من مثل هذه الإجراءات لعقود.

لكن كل جولة جديدة تغذي القلق من أنه سيكون من الصعب الهروب، بحسب قول الكسندر موروزوف، المدير المشارك لمركز بوريس نيمتسوف الأكاديمي لدراسة روسيا في براغ. وقال موروزوف: “الآن هم في فراغ دبلوماسي. ليس من الواضح أين وكيف يمكن إجراء حتى الحد الأدنى من الاتصالات.”

ترجمة: الميادين نت

Optimized by Optimole