دبلوماسية ترامب مكوّنة من أربعة حروف

Spread the love

كتبت روبن رايت في “ذا نيويوركر” مقالة عن مدى استعداد الرئيس الأميركي دونالد ترامب وقدرته على التفاوض مع زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون خلال قمتهما المرتقبة في أيار – مايو المقبل. والآتي ترجمة المقالة:

لسنوات عديدة، تم تداول قصة في واشنطن حول محاولة دونالد ترامب الحصول على وظيفة تقود مفاوضات نووية مع الاتحاد السوفياتي في فترة ثمانينيات القرن العشرين. كان كتابه “فن الصفقة” “Art of the Deal” على قائمة أفضل الكتب مبيعاً في صحيفة نيويورك تايمز لمدة 48 أسبوعاً. يبدو أن ترامب كان يعتقد أن بإمكانه إبرام صفقة مع أي شخص – وأراد أن يثبت ذلك. لقد سعى إلى ذلك عبر ضغوط قوية، كما قيل لي، مع إدارة الرئيس جورج بوش (الأب). لكن البيت الأبيض قد عيّن بدلاً منه ريتشارد بيرت، السفير الأميركي في ألمانيا الغربية خلال الفترة التي سبقت سقوط جدار برلين وهو خبير متمرس في محادثات الأسلحة النووية.

بعد ذلك بفترة وجيزة، حضر ترامب وبيرت صدفة نفس حفل الزفاف في نيويورك. في حفل الاستقبال ، سار ترامب إلى بيرت – لم يكن يعرفه – وقال: “إذن أنت الرجل؟”.

أقر بيرت، الذي أكد القصة بالنسبة لي، بمنصبه الجديد. ثم قال ترامب له: “دعني أخبرك بما كنت سأفعله لو تم تعييني”. وشرح أنه كان سيرحب – بحرارة شديدة – بالوفد السوفياتي. وكان ذلك من شأنه أن يضمن أن مبعوثي البلد إلى المفاوضات سيكونون مرتاحين – مرتاحين جداً – على الطاولة. ثم قال ترامب لبيرت إنه كان سيقف ويصيح “اللعنة عليك!” ويغادر الغرفة. (لم يرد البيت الأبيض على طلب الكاتبة للتعليق على القصة).

تحدثت هذا الشهر مع بيرت حول دلالات تلك القصة وكيف أن ترامب، وهو قطب عقاري بعد 14 شهراً فقط من تولّيه منصبه الرئاسي، قد يتعامل مع (الزعيم الكوري الشمالي) كيم جونغ أون، الزعيم الثالث في سلالة عمرها سبعين عاماً، خلال خطوة الرئيس الأولى في الدبلوماسية النووية الحقيقية. تمتلك كوريا الشمالية ما لا يقل عن عشرين قنبلة نووية – ذرية وهيدروجينية – وكذلك صواريخ باليستية قادرة اليوم على ضرب أي جزء من الولايات المتحدة.

بيرت، وهو جمهوري ساهم في تقديم بعض الأفكار إلى ترامب خلال الأيام الأولى لترشيحه، قال لي: “لا أعرف ما إذا كان له انخراط في القضايا النووية على وجه الخصوص. إن تلك القصة تقول الكثير عن نهج الرجل في المفاوضات. يحب ترامب التشويش وإثارة الهلع والكلام المنفر وإفقاد الأشخاص توازنهم. إنه يريد زعزعة استقرارهم، وإخراجهم من حالة الراحة، ثم محاولة إملاء الشروط عليهم. من خلال القيام بذلك، يعتقد أنه يستطيع السيطرة. إنه انتصار الأسلوب على الجوهر “.

يتباهى الرئيس ترامب من الآن بنجاحه في التفاوض مع كوريا الشمالية، حتى قبل تحديد موعد للمحادثات. يوم الأربعاء، غرّد مجدداً عن ذلك: “على مدار سنوات عديدة ومن خلال العديد من الإدارات، قال الجميع إن السلام ونزع السلاح النووي في شبه الجزيرة الكورية لم يكن حتى إحتمالاً صغيراً. الآن هناك فرصة جيدة لأن يقوم كيم جونغ أون بما هو مناسب لشعبه وللإنسانية. نتطلع إلى اجتماعنا!”.

على الرغم من غرور ترامب، فإن قلقاً عميقاً يتغلغل في واشنطن حول ما إذا كان الرئيس يتمتع بالصبر أو التمرس السياسي للتوسط في واحدة من أكثر صفقات التسلح تعقيدًا – مع أحد خصوم الولايات المتحدة الأكثر غرابة – في التاريخ الحديث. قد يكون ترامب أكبر سناً ضعفين من زعيم كوريا الشمالية، لكنه فشل حتى الآن في إظهار أسلوب دبلوماسي كبير كرئيس.

لقد فشل أيضاً رؤساء آخرون أكثر خبرة في الاجتماعات المحورية حول القضايا النووية. ففي عام 1961، فشلت القمة بين الرئيس جون كنيدي ورئيس الوزراء السوفياتي نيكيتا خروشوف، في فيينا. وكان كنيدي قد اقترح القمة بعد فشل عملية “خليج الخنازير” في كوبا، “لتبادل وجهات النظر”. وفي محطة في باريس أولاً، حذر الرئيس الفرنسي شارل ديغول كنيدي من أنه قد لا يتمكن من مجاراة الذكاء مع الروس، وكان محقاً. وقال بيرت: “كان كينيدي يعتقد أنه يستطيع سحر الرجل، وقد فشل فشلاً ذريعاً. لم يكن مستعدًا بشكل كافٍ وكان يُظن أنه سيتظاهر بذلك وينجح – لكنه لم يفعل ذلك”.

كانت لخروشوف اليد العليا خلال المفاوضات التي استمرت يومين. في مرحلة ما، ألقى خطاباً مسهباً شهيراً. خلال نزهة وقت الغداء، كما سرد أحد مساعدي كينيدي لاحقاً، كان الزعيم الروسي المتأنق “ينهش بـ[كينيدي] مثل كلب صيد ويهز إصبعه”.

قال كينيدي لمجلة “تايم”: “لم ألتقِ برجل مثله. تحدثت عن الكيفية التي سيقتل بها تبادل إطلاق الأسلحة النووية سبعين مليون شخص في عشر دقائق، وقد نظر إلي فقط كما لو كان يقول: ماذا في ذلك؟”.

في عام 1986، كان يفترض للقمة بين الرئيس رونالد ريغان والزعيم السوفياتي ميخائيل غورباتشوف، في القصر الأبيض في ريكيافيك، في أيسلندا، في منتصف الطريق بين واشنطن وموسكو، أن تستكشف السبل التي يمكن بها للقوتين العظميين الحد من ترسانتيهما النوويتين. كانت المحادثات التي استمرت يومين مرهقة. فقد اقترب الزعيمان من التوصل إلى صفقة. ولكن في النهاية، فشلا في تحقيق أي تقدم ملموس، ويرجع ذلك أساساً إلى رفض ريغان للتوصل إلى تسوية بشأن نظام الدفاع الصاروخي في الفضاء المعروف باسم “مبادرة الدفاع الاستراتيجي”، أو “حرب النجوم” بالعامية.

شرح بيرت قائلاً: “لم تكن الولايات المتحدة مستعدة لهذا الاجتماع”. جاء ​​غورباتشوف مستعداً، لكن ريغان لم يكن كذلك”.

يرى بيرت بأن النموذج الأفضل لقمة ترامب-كيم هو الدبلوماسية المنهجية التي جرت بين الولايات المتحدة والصين في أوائل سبعينيات القرن العشرين، عندما وضع وزير الخارجية هنري كيسنجر ورئيس الوزراء تشو إن لاي الأسس لقمة بين الرئيس نيكسون والرئيس ماو تسي تونغ. وقد حدد البيان التفصيلي الصادر في قمة شنغهاي تفاصيل محددة لتطبيع العلاقات، تغطي العديد من القضايا لسنوات عديدة.

أبلغني بيرت بأن “العمل الحقيقي تم قبل ذلك”. وقال إن الدبلوماسية الجديدة بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية لديها الفرصة “لتكون كبيرة مثل ذلك الانفتاح على الصين”.

مع ذلك، سوف ترغب الولايات المتحدة، في أي صفقة مع كوريا الشمالية، في وضع برنامج تدقيق مفصل للتأكد من أنها “خالية من الأسلحة النووية” وأن الولايات المتحدة يمكنها تتبع برامج التسلح الأخرى. بالنسبة لكوريا الشمالية، فإن القضايا تمتد إلى ما هو أبعد من برنامجها النووي. لتسليم قنابلها وصواريخها الباليستية، تريد بيونغ يانغ – كحد أدنى – هدنة ومعاهدة سلام لإنهاء الحرب الكورية رسمياً، التي توقفت رسمياً في عام 1953، من خلال هدنة فقط. ومن شبه المؤكد أن تسعى بيونغ يانغ إلى تطبيع للعلاقات (مع كوريا الجنوبية)، وانسحاب القوات الأميركية من شبه الجزيرة الكورية، ووضع حد للتدريبات العسكرية الأميركية – الكورية الجنوبية، فضلاً عن الحصول على مساعدات اقتصادية وإنهاء العقوبات التي أعاقت اقتصادها.

قال بيرت: “هذا يتطلب قدراً هائلاً من الإبداع والإدراك التاريخي الكبير. لا يمتلك ترامب هذا النوع من الصبر. هذه هي الطريقة التي يمكن أن يفعلها هؤلاء الأشخاص. يعتقد ترامب أنه سيحصل على هذا الأمر من خلال الكلام الطنان والضغط بدلاً من إتقان التفاصيل. لا أعرف أي شيء عن كيم. لكنه ليس بأحمق وإذا أتقن أداء عمله، فقد يكون الأمر سيئًا للغاية بالنسبة إلى ترامب”.

وبينما يستعد ترامب للقمة، فإن شاغلي المقاعد الدبلوماسية في الإدارة سطحيون أيضاً، إذ أن المناصب الرئيسية – بما في ذلك منصب السفير إلى كوريا الجنوبية – لا تزال شاغرة وجوزيف يون، الممثل الأميركي الخاص بشأن سياسة كوريا الشمالية في وزارة الخارجية، قد استقال هذا الشهر.

عندما تم تعيين بيرت، في عام 1989، كمفاوض رئيسي مع السوفيات، كان يبني أسس تفاوضه على اقتراح قدمه الرئيس ريغان في عام 1982 وعلى فكرة تعود إلى الستينيات. قال لي: “في الوقت الذي بدأت فيه، كانت لدينا مفردات، وتخصص. وقفنا على أكتاف العمالقة الذين بدأوا ذلك في أواخر الستينيات. استغرق الأمر الكثير من الوقت والعناءة لإنشاء هذه العملية برّمتها. لقد اعتمدنا على جيل من الخبرة والتخصص”.

لقد احتاج فريق بيرت سنتين إضافيتين لإبرام معاهدة تخفيض الأسلحة الاستراتيجية (مع السوفيات)، المعروفة بمعاهدة “ستارت”، وهي واحدة من أكبر صفقات الحد من التسلح وأكثرها تعقيدًا في التاريخ.

لدى ترامب أقل من شهرين للتخطيط لقمته مع كيم.

روبن رايت هي كاتبة مساهمة في “نيويوركر” وقد كتبت للمجلة منذ عام 1988.

المصدر: ذا نيويوركر – ترجمة: الميادين نت

Optimized by Optimole