خطر يتربص بنا في الشمال: يجب على نتنياهو أن يضغط على ترامب

خطر يتربص بنا في الشمال: يجب على نتنياهو أن يضغط على ترامب
Spread the love

بقلم: رون بن يشاي – محلل عسكري إسرائيلي —

•الحرب الأهلية في سورية تخبو، لكن على ما يبدو لن ينتهي القتال في سنة 2018. والسبب أن روسيا أو الأمم المتحدة، اللتين تحاولان التوسط من أجل التوصل إلى تسوية سياسية تحقق التهدئة، لم تنجحا في إيجاد اتفاق يحظى بموافقة كل الأطراف والمصالح والمتورطين. وهما حتى غير قادرتين على جمع جميع الأطراف حول طاولة المفاوضات.

•لكن بدأت الصورة العسكرية على الأرض تتوضح، ويمكن القول منذ الآن إن الائتلاف العسكري المؤيد لنظام الأسد قد انتصر. لقد نجحت روسيا وإيران والتنظيمات التابعة لهما في إعادة سيطرة الرئيس الذي قتل مواطنيه على معظم أراضي سورية، أو على ما تبقى منها.

•يمكن القول أيضاً إن داعش تلقت ضربة قاصمة وخسرت أراضي الخلافة التي كانت واقعة تحت سيطرتها في سورية والعراق. لكن المفاجأة هي أن هذاالتنظيم الجهادي لا يزال موجوداً ويواصل القتال والتوطّن في قلوب المؤمنين.

•يمكن القول أيضاً إن مجموعات المتمردين الإسلاميين السنة وتنظيماتها التي أشعلت الحرب الأهلية، فقدت منذ وقت الأمل أو الفرصة لإزاحة بشار الأسد. وهي لا تزال تحاول الدفاع عن عدد من الجيوب التي بقيت تحت سيطرتها منذ بداية الحرب، كما تواصل التقاتل فيما بينها. وكل واحدة منها تحظى بدعم طرف إقليمي، تركيا، السعودية، وقطر ألخ، بصورة أساسية من أجل الدفع قدماً بمصالحهم.

•كما يمكن القول أيضاً إن المليشيات الكردية السورية YPG [وحدات حماية الشعب الكردية] أظهرت قدرة مذهلة على القتال بمساعدة مستشارين وقوات خاصة أميركية حولتها إلى طرف عسكري وسياسي مهم على الساحة السورية، وكانت الطرف الأساسي على الأرض الذي طرد داعش من معاقله الأساسية شرقي نهر الفرات (الأميركيون والأوروبيون قصفوا من الجو).

•لم تُخفِ الميلشيات الكردية رغبتها في إقامة دولة أو على الأقل حكماً ذاتياً في شمال سورية بعد ان سيطرت على جيبيْن كبيريْن متاخميْن للحدود مع تركيا، الأول شرق نهر الفرات والثاني غربه، لكنها تسببت لنفسها بغزو تركي وفاقمت الخلاف بين الدولتين العضوين في حلف شمال الأطلسي، الولايات المتحدة وتركيا.

مم يتخوف أردوغان؟

•يعتبر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الخطوات الكردية السورية تهديداً استراتيجياً مباشراً للأمن القومي لدولته، وبصورة أساسية بسبب التخوف من أن دولة أو حكماً ذاتياً كردياً في شمال سورية يمكن أن يشكل نموذجاً للمحاكاة، وأساساً لمطالب الأقلية الكردية الكبيرة التي تعيش جنوب شرق تركيا.

•بالإضافة إلى ذلك، يتذكر الأتراك جيداً التعاون الوثيق والمستمر منذ عشرات السنوات بين YPG التنظيم الكردي السوري، وبين PKK حزب العمال الكردستاني، وهو تنظيم المتمردين الأكراد الأتراك. وأكثر من مرة شن أعضاء في حزب العمال الكردستاني هجمات في تركيا انطلاقاً من قواعد في المناطق الكردية السورية وعادوا إليها فوراً بعد محاصرة القوات التركية لهم.

•لقد غض نظام الرئيس حافظ الأسد الأب النظر عنهم وأيّد هذا التعاون من على طرفي الحدود، ونتيجة ذلك وصلت تركيا وسورية إلى حافة الحرب قبل 20 عاماً. ويتذكر الشارع في تركيا والمعارضة السياسية في أنقرة أيضاً ذلك جيداً. لذلك حظي أردوغان بتأييد شعبي جارف تقريباً، عندما سخر من مناشدات وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون وأرسل قبل حوالي شهر الجيش التركي مع مجموعات متمردين سورية سنية موالية له من “الجيش السوري الحر” لغزو الجيب الكردي الواقع شمال غرب سورية.

•كان الهدف الأساسي للغزو منع قيام كيان كردي- سوري سياسي مستقل على الحدود السورية التركية (بالإضافة إلى منطقة الحكم الذاتي العراقية- الكردية القريبة من الحدود العراقية – التركية). وثمة هدف آخر هو إقامة “منطقة فاصلة” تضمن أمن المدن في جنوب تركيا في مواجهة جهات معادية ومجموعات إرهابية (مثل داعش) تتحرك ضدها من أراضي الدولة السورية الفاشلة.

•لقد كان الرد الكردي على الغزو التركي متوقعاً تقريباً. فقد توجهوا إلى بشار الأسد وطلبوا منه ومن القوات الموالية له الدخول إلى عفرين الواقعة وسط الجيب لمنع تركيا وحلفائها من احتلاله. وطبعاً، لدى الأكراد السوريين حساب خاص مع عائلة الأسد التي لم تعترف بهم كمواطنين متساوين في الحقوق، وأهملتهم، وأكثر من مرة أقدمت أيضاً على ذبحهم. لكن الأتراك أكثر سوءاً من العلويين الذين هم في نهاية الأمر أقلية ويحتاجون إلى تأييد أقليات أُخرى مثل المسيحيين والدروز وكذلك الأكراد.

المطلوب من نتنياهو تفكير جديد

•يمكن أن نختلف بشأن الغزو التركي لسورية إذا كان محقاً وأخلاقياً، وأيضاً إذا كان يتطابق مع قيم القانون الدولي. لكن من الواضح أن أردوغان قام بهذه الخطوة الجذرية لأن أنقرة تشعر بتخوف حقيقي من تسوية سياسية وعسكرية تتبلور في نهاية الحرب الأهلية في سورية وتشكل خطراً حقيقياً واستراتيجياً على أمن تركيا القومي.

•بهذا المعنى، فإن وضع إسرائيل لا يختلف كثيراً عن وضع أردوغان. ففي القدس أيضاً يتخوفون، عن حق، من أن تنشأ في الفترة المقبلة على الأراضي السورية حقائق تؤثر بصورة سلبية في أمن إسرائيل القومي وأمن مواطنيها.

•لا نقصد هنا التلميح أن على الجيش الإسرائيلي غزو هضبة الجولان السورية وحوض دمشق، لمنع تمركز ميليشيات تعمل بحماية إيران وتعمل لإقامة قواعد صواريخ للحرس الثوري (ضمن عملية تشبه عملية غصن الزيتون التي يقوم بها الجيش التركي، والدائرة حالياً في شمال غرب سورية ضد الأكراد).

•لكن الوضع الناشىء الآن في سورية وعلى الساحة الدولية يفرض على رئيس الحكومة وعلى مسؤولي الأمن في دولة إسرائيل تفكيراً جديداً، استراتيجياً وتكتياً، سياسياً وعسكرياً، بشأن الوسائل وأساليب العمل التي يجب القيام بها لمنع تحوّل سورية إلى دولة تحت حماية إيران، وإلى قاعدة لانطلاق الصواريخ المنحنية المسار والدقيقة، ولانطلاق كتائب كوماندوس شيعية مسلحة نحو أراضي إسرائيل.

•بالإضافة إلى ذلك، فإن تمركزاً إيرانياً في سورية سيزيد بصورة كبيرة تهديداً مصدره لبنان، وسيخلق تهديداً كبيراً لردع إسرائيل البحري والجوي، ولمنصات الغاز. أي أنه سيشكل خطراً على الازدهار الاقتصادي للدولة وعلى استقلالية الطاقة في السوق الإسرائيلية.

خطة التمركز لقاسم سليماني

•تضمّن المقال الذي نُشر هذا الأسبوع في “نيويورك تايمز” وتطرق إلى تمركز قوات أجنبية في سورية، خريطة تظهر أن الحرس الثوري الإيراني وحزب الله والميليشيات الشيعية (نحو 20.000 من عراقيين وأفغان وباكستانيين يعملون بتمويل وبقيادة إيرانية مباشرة) يسيطرون حالياً على بضعة عشرات من القواعد في شتى أنحاء سورية. وهذه القواعد ليست كبيرة، وأغلبها موجود بعيداً عن هضبة الجولان، وهي تُستخدم بصورة خاصة من أجل الانطلاق وجمع معلومات لوجستية لمحاربة المتمردين الذين ما يزالون يحاربون النظام.

•لكن إذا حقق قائد فيلق القدس في الحرس الثوري قاسم سليماني نواياه، فإن الإيرانيين سيوسعون هذه المنشآت لتصبح قواعد برية وجوية وبحرية واستخباراتية حقيقية. وسيقربون عدداً من هذه القواعد من الحدود مع إسرائيل، وعندها يصبح من الممكن الوصول الى الحدود في هضبة الجولان في ليلة واحدة والتسلل والإغارة على بلدات إسرائيلية.

•لن يحدث هذا غداً ودفعة واحدة. إذ يوجد لدى الإيرانيين جدول أعمال بشأن ما يريدون تحقيقه في سورية. أولاً يريدون أن يضمنوا أن زبونهم، بشار الأسد، سيسيطر على أكبر قدر ممكن من الأرض، وسيقوي حكمه بمساعدة الروس وبمساعدتهم. ويقدم الإيرانيون مع حزب الله والميليشيات وما تبقى من الجيش السوري للروس “الوجود على الأرض” الذي هم بحاجة إليه من أجل توسيع المساحة التي يسيطر عليها النظام عسكرياً من جديد.

•يتيح هذا لسليماني تأسيس ممر بري مفتوح من طهران إلى بيروت يمر بالعراق وسورية. وبذلك تتحول إيران إلى طرف عسكري استراتيجي في الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، وسيكون في إمكانها توسيع الجبهة الشمالية ضد إسرائيل ونقل مساعدة عسكرية للجهاد الإسلامي و”حماس” في غزة بحراً. وفي الواقع فإن هذا الممر البري موجود وشغال، لكن يوجد فيه عدة منافذ ضيّقة على الحدود العراقية –السورية، في إمكان الأميركيين وحلفائهم الأكراد إغلاقها في أي لحظة.

موسكو وطهران في سباق على المال

•في هذه الأيام، يحتل الموضوع الاقتصادي رأس سلم الأولويات الإيراني. لقد وظفت إيران في فترة الحرب الأهلية قرابة 15 مليار دولار في نظام الأسد، وفي جيشه، وفي الحاجات الأساسية لمواطنيه (الوقود على سبيل المثال). ونتيجة ضغط الرأي العام فالنظام مضطر إلى استعادة هذه الأموال.

•تطلب إيران من الأسد حقوقاً لشركات اقتصادية إيرانية (معظمها يملكه الحرس الثوري ) من أجل استخراج النفط، والغاز والفوسفات من الحقول الغنية الموجودة في عمق الفرات والصحارى في شرق سورية. ويطالب الإيرانيون أيضاً بجزء من مرفأ طرطوس من أجل تصدير ما يستخرجونه، وفي الوقت عينه، من أجل إقامة وجود بري عسكري استراتيجي.

•لكن الأسد ليس ساذجاً، وصناديق دولتة ترزح تحت ديون ضخمة، كما لديه عائلة اعتادت على كسب رزقها بصورة جيدة مما سمح لها بجمع مبالغ كبيرة مودعة في مصارف في سويسرا على حساب المواطن السوري والثراوت الطبيعية غير الكبيرة للدولة. لهذا لا يسارع الرئيس الأسد إلى إعطاء الإيرانيين ما يريدونه. بالإضافة إلى ذلك يطلب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين منه الحصول على حصته من الكعكة.

الجيش الإسرائيلي يتحرك لكن ليس بصورة كافية

•ليس بوتين والإيرانيون ونظام الأسد والأكراد والأتراك فقط يعملون بقوة من أجل بلورة “اليوم التالي” في سورية، فالأميركيون أيضاً موجودون هناك. وهم يتحركون بسرية ومن وراء الكواليس لمنع عودة تنظيم داعش إلى المناطق التي خسرها وعدم السماح بقيام الممر البري الإيراني. لهذه الغاية يخطط البنتاغون لتشكيل قوة تتألف من 30.000 مقاتل كردي- سوري لتعمل “كحرس حدود” في شمال شرق سورية على الحدود بينها وبين العراق. ويحتل هذا حالياً رأس جدول أولويات واشنطن.

•ينشط الجيش الإسرائيلي على قناتين: من خلال عمليات سرية (معركة بين الحروب)، وهو يقضم التمركز الإيراني في سورية وتسلُّح حزب الله بسلاح نوعي. ويمكن الافتراض أن المساعدة الإنسانية أيضاً المقدمة إلى “أطراف محلية” في هضبة الجولان السوري، بمن فيهم الدروز، تثمر فوائد استراتيجية في مجال الاستخبارات والأمن الجاري على الحدود.

•يضمن الضغط الذي يمارسه نتنياهو على الكرملين ألاّ تزعج القوات الروسية في سورية عمليات “المعركة بين الحروب” وألاّ يزود بوتين السوريين والإيرانيين بسلاح يقيد حرية عمل سلاح الجو الإسرائيلي. ويعمل الروس ونحن وفق مبدأ حرص كل طرف على عدم المسّ بمصالح الطرف الآخر الحيوية.

•بالنسبة إلى المستقبل، يبدو أن الضغط الذي يمارسه الأسد على الروس يقلص استعداد الكرملين لغض النظر عن العمليات التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي. وفي المقابل، لا يقدم لنا البيت الأبيض في الشأن السوري حتى شيئاً قليلاً. يسمح الأميركيون للروس بإدارة الخطوات العسكرية ووقف إطلاق النار وأيضاً قيادة جهود التسوية السياسية.

•ونتيجة ذلك، ليست إسرائيل غير موجودة فحسب، بل هي أيضاً لا تملك أداة تأثير دبلوماسية جدية في مفاوضات تسوية مستقبلية. والمعركة بين الحروب ومساعي نتنياهو في موسكو لن يمنعا الضرر الخطِر الذي يمكن أن يلحق بمصالحنا الحيوية في الشمال إذا تمركزت إيران هناك.

•الخلاصة هي أنه يجب على إسرائيل الآن أن تخبط على الطاولة في واشنطن، وأن تطالب الرئيس ترامب والولايات المتحدة التدخل دبلوماسياً، وربما أيضاً عسكرياً، فيما يحدث في سورية كلها، وليس فقط شرقي الفرات. إن هذا سيخدم المصالح الأمنية للأردن وأيضاَ مصالح سائر دول المعسكر العربي- السني المؤيد للغرب. وفي المقابل فإن التخلي عن الساحة السورية للروس سيسمح في نهاية الأمر للإيرانيين بتحقيق أهدافهم الاستراتيجية.

•مع كل الاحترام، لا يدفع افتتاح رسمي لمكتب إضافي للسفيرالأميركي في القدس المصالح الأمنية الوجودية لإسرائيل إلى الأمام ولا حتى سنتيمتراً واحداً. وإذا كان ترامب صديقاً حقيقياً لإسرائيل يجب أن يثبت ذلك في سورية، كما عليه أن يثبت ذلك الآن.

المصدر: موقع YNET الإسرائيلي، عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية

Optimized by Optimole