خطاب ترامب يشكل تحولاً في الموقف الأميركي إزاء العالم العربي

Spread the love

بقلم: حيمي شاليف – محلل سياسي إسرائيلي —

•أحدث دونالد ترامب بالأمس انقلاباً، قد يكون تاريخياً، في مكانة الولايات المتحدة من العالم العربي. فقد قام بتحول بمقدار نحو 180 درجة عن السياسة التي انتهجها الرئيس الذي سبقه باراك أوباما خلال السنوات الثماني الأخيرة. وقف ترامب إلى جانب السعودية والسنة ضد إيران والشيعة، وبسط وصايته على الممالك، والإمارات، والمستبدين، والأنظمة العسكرية، والجمهوريات الشعبية في العالم الإسلامي، وأعفاهم بجرة قلم من معاقبتهم على عدم احترامهم لحقوق الإنسان ومن كل الكلام عن الديمقراطية الذي كان أوباما يعذبهم به. ومثل بنيامين نتنياهو قبله، فإن ترامب حالياً هو سيد محاربة الإرهاب، ويعتبر هذه الحرب هي كل شيء.

•إن التعارض بين خطاب ترامب المكتوب بصورة جيدة، والذي قرأه من المنصة بدون تسجيل على غير عادته، وبين الحماسة المعادية للإسلام التي تميز بها في الماضي، كان من الصعب فهمه. إن الشخص الذي زعم أن المسلمين يكرهون الولايات المتحدة، واتهم السعودية بالمسؤولية عن هجمات 11 أيلول/سبتمبر ودعا إلى منع المسلمين من دخول بلاده منعاً مطلقاً، تحول بين ليلة وضحاها، إلى شخص في منتهى العذوبة. لقد أثبت ترامب أمام دهشة العالم كله، أن لا قيمة للمنطق ولا معنى للكلام. وعرض ثالوثه المقدس: الانتهازية هي الآب، والبراغماتية هي الإبن، والنزعة السينية المطلقة هي الروح القدس.

•لقد أراد ترامب أن يكون خطابه على النقيض التام مع خطاب أوباما في القاهرة سنة 2009. فهو لم يعبر عن أسفه لعلاقة الغرب السيئة بالإسلام، ولم يشدد على الجذور الإسلامية التي ليست لديه، وبصعوبة ذكر مساهمة الإسلام في الحضارة. وهو لم يذكر التزام بلاده بالحرية والديمقراطية، ولا وعظ سامعيه بالحاجة إلى تحرير النساء، ومحاربة عدم المساواة، والدفاع عن حقوق الأقليات. وهو بالطبع لم يخصص 20% من خطابه للحديث عن النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني كما فعل أوباما. بل اكتفى بذكر مقتضب بشأن احتمال تحقيق سلام، وحذف أيضاً اسم إسرائيل من بين الدول التي تعاني من الإرهاب.

•هل يتعين على إسرائيل أن تكون راضية عن الخطاب؟ الجواب يتعلق بالجهة التي نسألها. بالطبع الاستهداف الأميركي لطهران وحزب الله و”حماس” لاقى استحساناً في نظر نتنياهو وأتباعه. والوحدة السنية حول ترامب داخل جبهة معادية لإيران أمر إيجابي بالنسبة إلى من يعتبر الاتفاق النووي خطراً وجودياً. لكن يجب الانتباه إلى أن ترامب خصص الجزء الأكبر من الخطاب لمحاربة الإرهاب نفسه، بينما الفقرات المتفرقة ضد إيران بدا كأنها كُتبت بدافع من الواجب. وينطبق هذا على الإشارة القصيرة إلى الفلسطينيين التي بدا أنها على تعارض مطلق مع اللغة المتعاطفة التي أغدقها أوباما عليهم في خطاب القاهرة. وإذا كان الفلسطينيون غير راضين، فإن هذا يشكل سبباً للاحتفال بالنسبة إلى إسرائيل.

•لكن على الرغم من ذلك، فهناك علامات كثيرة مثيرة للقلق بالنسبة إلى نتنياهو ووزرائه، فرئيس يتمتع بحماسة مسيانية من أجل تحقيق السلام ليس جيداً بتاتاً بالنسبة إلى المقتنعين بعدم وجود فرصة للتوصل إلى تسوية بين إسرائيل والفلسطينيين. وإذا كان هذا ممكناً، فهم غير مستعدين للقيام بما هو مطلوب منهم من أجل تحقيقه. وعلى الرغم من أن إسرائيل دعمت وشجعت الولايات المتحدة على التقرب من السعودية والإمارات الخليجية واعتبرت ذلك فرصة ذهبية لاندماجها في جبهة معادية لإيران، فإن رضى ترامب الواضح على الاستقبال الملكي الذي أعده له السعوديون يوحي بأن الخطة العبقرية نجحت أكثر من اللازم. لقد كان العنوان البارز لخطاب ترامب دعوته الدول العربية إلى طرد الإرهاب خارج دولهم، وهو بذلك التزم بأن يقدم لهم تعويضاً وسيصغي إلى مطالبهم وسيفعل كل ما في وسعه من أجل حل القضية الفلسطينية في النهاية، وهي القضية التي تقلقهم منذ عدة عقود.

المصدر: صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية، ترجمة: نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية

Optimized by Optimole