“حماس” نجحت في قمع الاحتجاج، لكنها خسرت نقاطاً

“حماس” نجحت في قمع الاحتجاج، لكنها خسرت نقاطاً
Spread the love

بقلم: عميره هاس – محللة شؤون المناطق الفلسطينية المحتلة في صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية —

يبدو في هذه الأثناء أن الخوف فعل فعله. لقد نجحت سلطة “حماس” في غزة في قمع الاحتجاج، لكن القمع الفوري والوحشي نجح في صدم أيضاً من كانوا يميلون نحو دعمها في نزاعها مع السلطة الفلسطينية أو يرون أن زعامة رام الله هي المسؤولة الأساسية – بعد إسرائيل طبعاً – عن ضائقة سكان القطاع المرعبة. إدعاء “حماس” أن التظاهرات جرى تنظيمها ودعمها من الأجهزة الأمنية في السلطة الفلسطينية و”فتح” لم يرسخ وسط الناس.
في الأسبوع الماضي أثبتت “حماس” إلى أي حد تخاف من الانتقاد الشعبي الذي لم يكن بالضرورة سياسياً بصورة مباشرة في البداية. ثمة ميل إلى الاعتقاد أن زعامة “حماس” أكثر إصغاء للجمهور من زعامة “فتح”. وقد مُنحت فرصة لإثبات هذا الاعتقاد، ولأن تكسب نقاطاً لمصلحتها وسط الذين ليسوا من مؤيديها الأيديولوجيين، لكنها ضيعت هذه الفرصة.
بين الصحافيين، الذين جرى توقيفهم وما يزال ثلاثة قيد التوقيف، انتشرت الدعوة إلى مقاطعة مسيرات العودة يوم الجمعة المقبل، وعدم كتابة تقارير عنها، بعد قمع الاحتجاج. “سيكون ذلك اختباراً لحركة الشباب” قالت إحدى سكان القطاع لـ”هآرتس”. “إذا لم يشاركوا في التظاهرات وتركوها لأنصار ‘حماس’ فقط، فإن هذا سيشكل طريقة أُخرى لإظهار قوتهم وقوة احتجاجهم”.
على الرغم من الثمن الباهظ في الأرواح والصحة وفي عمل جهاز الصحة، تُعتبر مسيرات العودة من الأنشطة ذات الأهمية والمعنى للسكان المسجونين في القطاع، وكإنجاز سياسي لـ”حماس” التي قادت احتجاجاً وصل إلى أسماع العالم كله. الاستعداد لمقاطعة الاحتجاج – حتى لو المقصود مجرد كلام – يدل على أن “حماس” لا تستطيع أن تبني إلى ما لا نهاية على احتكارها بأنها قائدة “مقاومة” الاحتلال.
لقد أثبتت “حماس” أنها تتمسك بموقعها كحزب حاكم في غزة، مثل حركة “فتح” التي تتمسك بموقعها كحزب حاكم في جيوب في الضفة الغربية. وتماماً مثلما نظمت السلطة تظاهرات تأييد مصطنعة لمحمود عباس، كذلك فعلت “حماٍس” في الأيام الأخيرة في غزة، بمنعها التظاهرات الحقيقية. واستغلت الهجوم يوم الأحد على تقاطع أريئيل كي تُخرج مؤيديها إلى الشوارع. وما هو ممنوع لمعارضيها، هو مسموح لأنصارها.
حركة الشباب التي بادرت إلى التظاهرات تعهدت في يوم الأحد، أنها تنوي تجديدها، لكن هذا لم يحدث. مع ذلك لا يخاف الذين يتحاورون معي من التحدث علناً عمّا جرى ومشاركة آخرين في التقارير. في القليل من الأشرطة التي بُثت كان في الإمكان رؤية كيف ضرب عناصر الأمن من “حماس” المتظاهرين، على الرغم من مصادرة الهواتف الخليوية للصحافيين وآخرين. تذكّر هذه الأشرطة بتلك التي صُورت خلال احتجاجات إيران، مثلاً، بواسطة هواتف خُبئت تحت الملابس وفي الحقائب اليدوية.
العدد الإجمالي للموقوفين وعدد الموقوفين الذين أُطلق سراحهم غير معروف، وثمة شك في أن ينجح أحد في إحصائهم. وحتى ليل أمس ما يزال عدد الموقوفين في السجون وفي مراكز الشرطة غير معروف.
عندما يكون الصحافيون غير أحرار ولا يجرؤون على تقصّي الأحداث كما هي، تبرز أهمية منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان الفلسطينية العاملة في قطاع غزة، وخصوصاً الهيئة الفلسطينية المستقلة لحقوق الإنسان (التي تعمل كديوان مظالم في السلطة الفلسطينية وسلطة الأمر الواقع في غزة). المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، ومركز الميزان لحقوق الإنسان. ينتقدان عند الضرورة حكم السلطة الفلسطينية، ويوثّقان بصورة دائمة الخروقات الإسرائيلية للقانون الدولي ولحقوق الإنسان.
خلال أيام الحروب والهجمات العسكرية الإسرائيلية، خاطر المحققون الميدانيون لهذه المنظمات وجمعوا شهادات ووثّقوا الأحداث الأكثر قساوة. بعد مرور ساعة في يوم الخميس على التفريق العنيف للتظاهرات، نشرت هذه المنظمات تقارير وإدانات باللغتين العربية والإنكليزية. وزودوا المنظمات الموازية لهم في رام الله بالمعلومات الجارية، وعادوا وأرسلوا عناصرهم لمواصلة جمع الشهادات.
يبدو أن القمع كسر هذا الأسبوع، ولو وقتاً قصيراً، الحاجز العاطفي والأيديولوجي الذي فصل في الثمانينيات بين تنظيمات منظمة التحرير الوطنية وبين التنظيمات الإسلامية، في مرحلة ما قبل “حماس”. فقد اجتمع يوم الجمعة ممثلو تجمع “القوى الوطنية الإسلامية”، وطلبوا من “حماس” الاعتذار من الجمهور وإطلاق سراح الموقوفين. منذ وقت طويل ترفض “حماس” حضور مثل هذه الاجتماعات.
مع ذلك فإن أهمية هذا التجمع العام أنه يجمع في أوقات الأزمة ممثلين كباراً عن أحزاب وحركات، ولو لم تكن كلها. تحرص هذه التنظيمات على تبادل الآراء وتهدئة النفوس عند الضرورة. هذه المرة حضر الاجتماع جميع المنظمات الوطنية باستثناء “حماس” وحركة الجهاد الإسلامي. غياب الأخيرة مثير للاهتمام. في أوقات توتر سابقة بين “حماس” و”فتح” حرص هذا التنظيم الصغير على المحافظة على الحياد، وكان شريكاً في الجهود الخارجية لمصالحة الطرفين. هذه المرة يمكن تفسير غيابه عن الاجتماع بأنه تعبير عن تأييده “حماس” التي تقمع، أو تعبير عن ارتباطه بالتنظيم الديني الكبير.
بين موقّعي مطالبة “حماس” بالاعتذار يمكن أن نجد أيضاً الجبهة الشعبية، القريبة جداً من “حماس” في كل ما له علاقة بانتقادات اتفاق أوسلو والسلطة الفلسطينية. لكن الجبهة الشعبية تقلصت ولم يعد لديها زعماء وناشطون بارزون مثل الماضي، وهي ما تزال تتمتع بهالة من الماضي، لذلك فإن لموقفها الواضح قيمة رمزية. حتى لو خاف المتظاهرون من العودة إلى التظاهر وقتاً طويلاً، فإن حكم “حماس” تلقى ضربة قوية من صنع يديه.

المصدر: صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية، عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية

Optimized by Optimole