تعثُّر وقف النار في القطاع: الجيش الإسرائيلي و”حماس” يستعدان لمزيد من المواجهات

Spread the love

بقلم: عاموس هرئيل – محلل عسكري إسرائيلي —

وقف إطلاق النار غير الرسمي الذي حققه الوسطاء المصريون على حدود القطاع يتعثر. منذ ساعات الأمس (الثلاثاء) أُطلقت ثلاثة صواريخ من قطاع غزة على شمال النقب والنقب الجنوبي – اعترضت القبة الحديدية اثنين منها. وقد رد الجيش الإسرائيلي بهجوم جوي محدود نسبياً على رفح وخانيونس قبيل الفجر.
أُطلق الصاروخ الأول بعد وقت قصير من إعلان قيادة الجبهة الداخلية أن الأمور عادت إلى طبيعتها في مستوطنات غلاف غزة. في الجنوب استمرت حالة التأهب القصوى في الجيش، في الأساس على خلفية أن التظاهرات الكبيرة التي تعدّها “حماس” على طول السياج قد تتطور إلى مواجهات أكثر عنفاً من العادة. ومن المنتظر أن يعود وفد الاستخبارات المصري مجدداً إلى القطاع بهدف التوصل إلى تفاهم يمنع حدوث اشتباكات في نهاية الأسبوع، وربما أيضاً النجاح في التوصل إلى فترة هدوء أطول تستمر إلى ما بعد الانتخابات الإسرائيلية. العلاقة مع المصريين يقودها نيابة عن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو مستشار الأمن القومي مئير بن شبات.
يبدو التصعيد الأخير في هذه المرحلة كأنه يوشك أن ينتهي كما انتهت التصعيدات السابقة في العام الماضي. التطورات تتكرر بصورة مطلقة تقريباً: الفلسطينيون يطلقون الصواريخ، إسرائيل تدين الهجمات وتعلن أنها سترد بشدة، تهرع “حماس” إلى رجال الاستخبارات المصرية وتطلب منهم وقف إطلاق النار، تعلن التنظيمات في القطاع التوصل إلى وقف إطلاق النار، تدّعي إسرائيل أنها لا تعترف بمثل هذا الاتفاق، في النهاية يُخمد إطلاق النار من تلقاء نفسه، لكن الأمر يجري بالتدريج، وهو ومرتبط أيضاً بتعنّت تنظيمات فلسطينية “مارقة”.
هذه المرة بدا أن الأمور تجري بصورة مختلفة قليلاً: إطلاق الصاروخ على الشارون وصل إلى مسافة أبعد شمالاً من مدى إطلاق الصواريخ السابقة، وبصوة استثنائية أصاب منزلاً وجرح سبعة أشخاص. أيضاً التوقيت لم يكن مريحاً: قبل أسبوعين من انتخابات الكنيست، وفي ذروة زيارة نتنياهو الولايات المتحدة. رداً على ذلك انتهجت إسرائيل خطاباً حاداً، وبدا أنها ستعززه بخطوات أكثر تشدداً: أعلن نتنياهو قطع زيارته إلى واشنطن وإلغاء الخطاب الذي كان سيلقيه أمام الآلاف في لجنة أيباك؛ بادر الجيش إلى عملية تعبئة محدودة. لكن عملياً لم يتغير شيء كثير. سلاح الجو هاجم عشرات الأهداف التابعة لـ”حماس”، لكنه حرص كثيراً على القيام بعمليات قصف انتقائية. وتدل حقيقة عدم وقوع إصابات جرّاء القصف على غزة على استخدام الحذر. الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي وزع كالعادة صوراً جوية لمبانٍ مدمرة، ومصدر سياسي كبير أخبر الصحافيين العائدين على متن طائرة رئيس الحكومة إلى البلد أن “حماس” “تلقت ضربات هي الأقسى منذ عملية الجرف الصامد”، أي نفس الحجة التي نسمعها في كل جولة تبادُل ضربات. وبدا أن وقف إطلاق النار غير الرسمي قد دخل في حيز التنفيذ على الرغم من العودة الدراماتيكية لرئيس الحكومة إلى البلد.
يجب هنا أن نضيف تحفظاً: في الماضي، وخلال مناسبتين، إسرائيل هي التي خرقت وقف إطلاق النار، وخاضت عملية عسكرية واسعة في القطاع- في عملية الرصاص المسبوك سنة 2008، وعملية عمود سحاب في سنة 2012، والتي بدأت مع محاولة اغتيال أحمد الجعبري الذي كان آنذاك رئيساً للذراع العسكرية للحركة في القطاع.
فور عودته إلى إسرائيل أجرى نتنياهو مشاورات مع القيادة الأمنية، ولو قرر إيقاف العملية كان سيعرّض نفسه لمخاطرة سياسية. وكان خصومه قد بدأوا بمهاجمته لعدم تحركه وتحرك حكومته ضد إرهاب “حماس”. من جهة أُخرى لم يُخفِ رئيس الحكومة خلال الأشهر الأخيرة تحفظاته على عملية عسكرية واسعة في القطاع، يمكن أن تجر إلى عملية برية معقدة عشية الانتخابات.
ماذا تريد إسرائيل تحقيقه الآن إذا لم يتجدد إطلاق النار؟ صباح أمس قال وزير الأمن الداخلي غلعاد إردان، إن الهدف هو العودة إلى التفاهمات التي أنهت عملية الجرف الصامد. ومن المفترض أن يتضمن هذا وقف التظاهرات الأسبوعية على طول السياج، والتي يرافقها عنف شديد، ووقف التظاهرات الليلية خلال الأسبوع- التي ترسل فيها “حماس” خلايا لرشق العبوات وتخريب السياج. تشعر إسرائيل بالقلق بصورة خاصة من التظاهرة المنتظرة يوم السبت التي ستحتفل فيها “حماس” بمرور سنة على “مسيرات العودة”، ووصفتها بأنها ستكون “احتجاج المليون” وأن مليون غزاوي سيشارك فيها. لكن يكفي عشرات الآلاف من المدربين جيداً على يد “حماس” لخلق مواجهة واسعة وعنيفة على طول السياج.
هناك اعتبارات خاصة لـ”حماس” لم تتضح حتى اليوم. في الصحيفة الداخلية لرئيس الحكومة برزت يوم أمس ادعاءات تقول إن الصاروخ أُطلق “بتوجيهات من إيران ومحاولة لإسقاط نتنياهو”. وقال مصدر وُصف بأنه “رفيع المستوى” في “حماس” للصحيفة أن إطلاق الصاروخ جرى “من دون علم قيادة حماس في القطاع، وبالتنسيق مع إيران والجهاد الإسلامي”. هذه صيغة مثيرة للاهتمام، وطبعاً تخدم الحملة التي يقودها الليكود بأن إيران تعمل للدفع قدماً بمواقف غانتس.
احتمال آخر هو أن “حماس” ترى أنه توجد هنا فرصة لن تكرر. أكثر من 300 غزاوي قُتلوا السنة الماضية بنيران الجنود الإسرائيليين، في مواجهات وفي تظاهرات على طول السياج. وتحتاج الحركة حاجة ماسة إلى إنجاز يبرر الثمن الذي دُفع، في ظل الأزمة الاقتصادية في غزة، وتدهور البنى التحتية، وتصاعُد الاحتجاج الداخلي. أيضاً يدركون في “حماس” أنه بعد الانتخابات، وبغض النظر عن هوية الحكومة التي ستشكَّل في إسرائيل، سيكون هناك شرعية جماهيرية أكبر للقيام بعملية عسكرية واسعة، إذا كان هناك شعور بأن جميع الخيارات الأُخرى قد استُنفدت.
قريباً ستضطر إسرائيل إلى حسم المعضلة الغزاوية التي تواجهها: في هذه الأثناء اللواء المدرع السابع ولواء غولاني توجّها نحو الجنوب، وبالأمس تقرر تعزيزهما بلواء من المظليين النظاميين وبكتيبة مدفعية، بالإضافة إلى تعبئة إضافية محدودة للاحتياطيين، ولاحقاً تعبئة آلاف الاحتياطيين بالأمر رقم 8. يجري هذا كله في سياق التحضير لعملية محتملة في القطاع وأيضاً كرسالة تهديد موجهة إلى “حماس”، على الرغم من أنهم في غزة يعرفون أن احتلال القطاع يتطلب أكثر من ثلاثة ألوية.
هكذا يبدو أن الجيش الإسرائيلي يُبقي جميع الاحتمالات مفتوحة. حالة التأهب القصوى ستستمر قبيل التظاهرات الأسبوعية التي ستجري هذه المرة يوم السبت، من أجل إحياء ذكرى يوم الأرض. الوفد الأمني سيحاول تهدئة الأجواء، وقد وافقت “حماس” على إلغاء أسطول الاحتجاج والحد من التظاهرات الليلية على طول السياج. وإذا لم يجرِ التوصل إلى صيغة لكبح الاحتكاك على السياج، من المحتمل جداً أن تبدأ جولة تصعيد جديدة، سترد خلالها “حماس” بالصواريخ على مقتل سكان في مواجهات بالقرب من السياج.

المصدر: صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية

Optimized by Optimole