تحضيرات “حماس” لمسيرة النكبة، المعركة على الوعي

نكبة القرن
Spread the love

بقلم: كوبي ميخائيل، وغابي سيبوني – باحثان في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي —

•تقوم قيادة “حماس” في قطاع غزة بالإعداد لخطوة توعية شديدة التأثير – مسيرة العودة الكبرى، التي سيسير فيها آلاف المواطنين الفلسطينيين من القطاع في اتجاه السياج الأمني على الحدود مع إسرائيل وينصبون على طوله خيماً. الهدف من المسيرة التي من المفترض أن تجري في 14 أيار/مايو، بمناسبة مرور 70 عاماً على إعلان دولة إسرائيل، هو تجسيد مشكلة اللجوء الفلسطيني وتظهيرها وربطها في الوعي بالضائقة التي يعانيها قطاع غزة. كما تهدف هذه الخطوة إلى تقديم المساعدة لقيادة “حماس” في صراعها على الساحة الفلسطينية في ضوء تقديرها بأن هناك احتمالاً كبيراً لأن تفشل محادثات المصالحة بينها وبين السلطة الفلسطينية، وأن ينشأ وضع تقود فيه “حماس” النضال الوطني، كبديل ملائم من حركة “فتح”. ويمكن التقدير أيضاً بأن هدف الخطوة هو توجيه الإحباط الذي يعانيه سكان القطاع حيال “حماس” نحو النضال الوطني ضد إسرائيل، مع الأخذ في الاعتبار أن خطوة من هذا الحجم الكبير ستحشر إسرائيل في الزاوية وستضعها في مواجهة تهديد يتمثل في “وعي- سياسي” على الساحة الدولية سيكون من الصعب عليها مواجهته، بسبب كبر حجمه ولأنه يتعلق بمواطنين غير مسلحين يحتجون على ضائقتهم في مواجهة جنود مسلحين يمثلون مصدر هذه الضائقة. هذا هو الوعي الذي ترغب “حماس” في بلورته. علاوة على ذلك، من المفترض بهذه الخطوة، كما تقدر “حماس” وتأمل، أن تحرج القيادة الإسرائيلية في الداخل وفي الساحة الدولية، وأن تغير الرأي العام في الساحة الدولية، وأن يترجَم ذلك إلى تعبئة جارفة هدفها كبح التدهور الاقتصادي والبنى التحتية في القطاع.

•من المنشورات والبيانات التي وزعتها “حماس” في إطار الإعداد للحملة يمكن أن نلاحظ جهداً للربط بين القرار 194 الصادر عن الأمم المتحدة في كانون الأول/ ديسمبر 1948، الذي يمنح شرعية دولية لحق العودة الفلسطيني، وبين رموز رواية اللجوء (مثل حمل مفتاح المنزل الذي غادره سكانه الفلسطينيون أو طُردوا منه في أثناء حرب الاستقلال، والاحتفاظ به)، وبين الروحية الفلسطينية الوطنية بشأن فلسطين الكاملة. كما تبرز رغبة منظمي المسيرة في المقارنة بين النكبة وكارثة اللجوء وبين ضحايا المحرقة النازية، وذلك من خلال ارتداء المشاركين في المسيرة اللباس المخطط للمعتقلين في المعسكرات النازية.

•ينوي المنظمون الذين ينشطون أيضاً من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، تجنيد نحو 100.000 مشارك في المسيرة. قد يبدو العدد مبالغاً فيه، لكن يمكن التقدير بأنه إذا استمرت جهود الإعداد والتجنيد فإن في استطاعة المنظمين جمع آلاف كثيرة. يحرص المنظمون على وصف المسيرة بالتحرك اللاعنفي، وأن هدفها حشد تعاطف دولي وتأييد للموضوع الفلسطيني، لكن مناسبات من هذا النوع يمكن بسهولة نسبية أن تخرج عن السيطرة وأن تتصاعد وتصبح عنفية. وليس من المبالغ فيه الافتراض، من وجهة نظر المنظمين، بأن الانزلاق نحو العنف يخدم الرسالة التي يريدون تمريرها لأنها ستجر إسرائيل إلى الرد، وستشوه وجهها وستساعد على زيادة عملية التوعية المطلوبة في الساحة الدولية وكذلك في الساحة الداخلية الفلسطينية.

•وعلى الرغم من أن الحملة كلها تستهدف الوعي، إلاّ إنها تضع إسرائيل في مواجهة تحدٍّ يجمع، من جهة، بين التهديد الأمني المحسوس جرّاء محاولة اجتياز حدود القطاع، ومن جهة أُخرى، بين تهديد على صعيد الوعي يضع الرد الإسرائيلي تحت ضوء سلبي أمام الجماهير التي تستهدفها الحملة. في مواجهة هذه التهديدات يتعين على دولة إسرائيل الرد على عدة مستويات.

•لا تستطيع إسرائيل السماح لنفسها بالمسّ بصورة كبيرة بالبنية التحتية الأمنية ولا بالتساهل حيال محاولات المتظاهرين اجتياز العائق. وإذا حدث ذلك، سيستخدم الجيش الإسرائيلي القوة. وتدل تجربة الماضي على أنه سيستخدم وسائل تفريق التظاهرات، وفي الحالات القصوى قد يطلق نيران القناصة على الجزء الأسفل من أجساد المتظاهرين الذين يعرضون قوات الجيش للخطر. وهذه الصورة ستكون هي تماماً ما يبحث عنه المنظمون. في المعركة على الوعي يجب على إسرائيل أن توجّه خطواتها نحو أربعة جماهير مستهدفة في آن واحد: قيادة “حماس”، سكان القطاع، الساحة الدولية، والجمهور الإسرائيلي في الداخل.

•يجب بلورة الجهد من أجل محاربة هذا الوعي حول ثلاث رسائل أساسية: الأولى، فشل قيادة “حماس” في إدارة القطاع، وخيانة وظيفتها ومسؤوليتها حيال مواطنيها، ومنع هؤلاء السكان من الحصول على المساعدة المطلوبة من أجل التخفيف من الضائقة الإنسانية، والسعي للتخلي عن مسؤوليتها وتوجيه الإحباط نحو احتكاك مقصود مع القوى الأمنية الإسرائيلية على طول الحدود، من خلال الاستخدام الكلبي لمواطنيها وتعريضهم للخطر، مثل استخدامهم كدروع بشرية في معارك سابقة. الرسالة الثانية هي، على إسرائيل الدفاع عن حدودها وعن سيادتها ومنع مواطنين فلسطينيين من المسّ بالجدار الأمني أو اجتيازه نحو الأراضي الإسرائيلية، وذلك من خلال فرض القانون الدولي وبغطاء منه. الرسالة الأخيرة، دعوة إسرائيل قيادة “حماس” والمجتمع الدولي إلى الامتناع من تعريض حياة المدنيين الفلسطينيين إلى الخطر، وتحذير “حماس” من الثمن الذي ستدفعه جرّاء مسؤوليتها المباشرة عن أحداث يمكن أن تقع، وتحذير سكان القطاع من تعريض حياتهم للخطر من أجل مصالح “حماس”.

•هذه الجهود يجب القيام بها قبل المسيرة وخلالها وبعدها. ويجب أن تجري في مواجهة كل جمهور مستهدف بصورة فعالة على جميع القنوات الموجودة سرية أوعلنية، مباشرة أو غير مباشرة. ويجب نقل الرسائل إلى المجتمع الدولي من كل منصة ممكنة بالتنسيق مع الولايات المتحدة. وفي المقابل، يجب على إسرائيل أن تنقل رسائل مباشرة إلى أهالي غزة، بواسطة المنشورات ووسائل التواصل الاجتماعي والسيطرة على برامج الإذاعة والتلفزيون والتشويش عليها في كل مرة تُستخدم فيها لتعبئة السكان للحملة المخطَّط لها. كما يجب على إسرائيل بذل جهد متواصل من خلال مصر وقطر وكل طرف إقليمي آخر على صلة بقيادة “حماٍس” أو لديه تأثير فيها، بهدف تحذيرها من مغبة التحريض الذي يجري الإعداد له.

•جزء من الجهد الإسرائيلي يجب أن يتمثل في مبادرات مباشرة لاحتواء الضائقة في قطاع غزة: زيادة التزويد بالمياه والكهرباء وزيادة كبيرة في تزويد المستشفيات بالأدوية، وحتى لو كان ذلك يتعارض مع ما تفضله السلطة الفلسطينية، إذا اختارت مواصلة فرض العقوبات على غزة ورفضت دفع مقابل الوقود، والكهرباء والمياه والدواء. في مثل هذا الوضع يجب على إسرائيل أن تضع رفاه سكان القطاع قبل مصالح رئيس السلطة الفلسطينية في صراعه ضد “حماس”، وحسم كلفة المساعدة من أموال الضرائب التي تجبيها إسرائيل من أجل السلطة الفلسطينية.

•إن الإنجاز المطلوب هو عرقلة المسيرة التي تخطط لها “حماس” قبل تنفيذها، وتقليص حجمها بصورة كبيرة لدى حدوثها، وإظهار إصرار إسرائيل على إحباطها وإفشالها إذا حدثت. إن النجاح ولو الجزئي لهذه الحملة الذي قد يتمثل في التدهور نحو العنف، ووقوع مصابين فلسطينيين بحجم كبير نسبياً وبروز مشاعر وطنية تترجَم بالضغط على إسرائيل، يمكن أن تتحول إلى حافز لعمليات مشابهة سواء في قطاع غزة أو في يهودا والسامرة [الضفة الغربية].

•يتعين على إسرائيل أن تحبط هذا الجهد الفلسطيني لتنظيم نسخة إضافية للصراع ضدها. ومحاولة “حماس” من خلال المسيرة إلى حدود القطاع خلق مقارنة بين الواقع في القطاع وبين المحرقة تتطلب رداً إسرائيلياً حاداً من خلال تجنيد المجتمع الدولي لزيادة الضغط على قيادة “حماس”. يجب الاستعداد أيضاً لمواجهة معركة مستمرة ذات احتمالات تصعيد يمكن أن تتطور بالقرب من الجدار الأمني في القطاع.

•ما يجب أن تتطلع إليه إسرائيل هو منع المسيرة، لكن إذا لم تؤد الجهود المبذولة من أجل إفشال المسيرة المخطط لها إلى الغائها، سيكون من الصائب الإعداد لتشويش التحرك من دون استخدام السلاح الناري مع استخدام أعداد كبيرة من القوات والوسائل الدفاعية لتفريق التظاهرات بهدف منع المواطنين من الوصول إلى الجدار الأمني والمسّ به. إن الهدف الواضح في حال حدوث مسيرة جماهيرية هو منع المسّ بالجدار وليس بالمسيرة نفسها. بالإضافة إلى ذلك يجب على إسرائيل أن تنشط دبلوماسياً واقتصادياً وعسكرياً لمنع هذه المواجهة وتأهيل البنية التحتية للوعي لدى الجمهور المستهدَف بصورة مسبقة وقبل نشوب هذه المواجهة.

المصدر: صحيفة مباط عال الإسرائيلية، عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية

Optimized by Optimole