بعد جنوب لبنان، حزب الله يدير حالياً الحدود مع سورية أيضاً

بعد جنوب لبنان، حزب الله يدير حالياً الحدود مع سورية أيضاً
Spread the love

بقلم: تسفي برئيل – معلق سياسي إسرائيلي —

•قافلة الباصات التي وصلت بالأمس من سورية إلى البلدة المعزولة عرسال الواقعة في سهل البقاع اللبناني، بدأت في نقل آلاف اللاجئين السوريين من الأراضي اللبنانية إلى منطقة إدلب في سورية. ويبدو أن صفقات تبادل اللاجئين التي جرت في السنوات الأخيرة في مناطق مختلفة وصلت إلى نهاية ناجحة. لكن توجد لـ”صفقة عرسال” عدة مميزات خاصة تجعلها مختلفة عن الصفقات الأخرى مثل تلك التي جرت في مدينة حلب وفي الزبداني أو في الحدود الشمالية في سورية.

•شكلت عرسال ملجأ لأكثر من 100 ألف لاجئ سوري جاؤوا إليها خلال السنة الأولى من الحرب السورية، ومن هناك انتقل كثيرون منهم إلى بلدات أخرى في لبنان. إن وجود عرسال على مقربة من الحدود السورية ومن المنازل التي غادرها اللاجئون، حوّلها إلى مركز جذب خاص بالنسبة إليهم، خصوصاً بسبب أملهم بأن الحرب ستنتهي بسرعة وسيتمكنون من العودة إلى منازلهم عبر طريق قصيرة.

•لكن هذا الأمل ما لبث أن خاب واستمرت البلدة وضواحيها في استيعاب المزيد من اللاجئين، وبدلاً من أن يحظوا بحماية فإنهم تعرضوا إلى قصف عنيف على يد النظام السوري. وسيطر جيش الرئيس بشار الأسد على البلدة عدة مرات، وفي وقت لاحق قصفها بالمدفعية وتسبب بسقوط مئات القتلى والجرحى. وفي سنة 2014، وصل أيضاً إلى البلدة مقاتلو “جبهة النصرة” التابعة إلى تنظيم القاعدة، التي غيرت في وقت لاحق اسمها إلى “جبهة فتح الشام”. وكانت هذه المرة الأولى التي “تحتل” فيها ميليشيات سورية بلدة لبنانية، وتفتح جبهة داخلية عنيفة في لبنان.

•خلال السنوات الثلاث الأخيرة دخل الجيش اللبناني في مواجهات مع مقاتلي القاعدة السوريين، لكن هذه السنة قرر حزب الله أخذ زمام المبادرة وشن هجوماً واسعاً على البلدة وعلى اللاجئين فيها بهدف طردهم وطرد عناصر تنظيم القاعدة من لبنان. وفي غياب حسم عسكري، تحول حزب الله إلى إجراء مفاوضات مع قيادة التنظيم، وهذا الأسبوع فقط، انتهت المفاوضات المعقدة بتوقيع اتفاق شمل تبادل أسرى مختطفين وجثامين لمقاتلين من حزب الله والميليشيات، وإبعاد نحو عشرة آلاف من اللاجئين السوريين عن البلدة إلى سورية وإلى منطقة مدينة إدلب التي تستخدم كمركز لتجمع مقاتلي جميع الميليشيات، وفي الأساس، خروج عناصر القاعدة من الأراضي اللبنانية.
•الجديد في هذا الاتفاق هو أنه للمرة الأولى يوقع اتفاق بشأن تبادل لاجئين لا يكون النظام السوري شريكاً فيه.

فالمفاوضات بادر إليها حزب الله وأدارها، وهو الذي نفذ أغلبية الهجمات العسكرية ضد مقاتلي جبهة فتح الشام. وعلى الرغم من أن ما يجري كان على أراض لبنانية، فإن الدور الذي لعبه الجيش اللبناني كان دوراً ثانوياً. فهو استقبل أسرى وجثامين مقاتلي حزب الله، وهو القوة التي من المفترض أن تعمل منذ الآن لتأمين الحدود ومنع عودة مقاتلي القاعدة. والأمر الثاني المثير للاهتمام هو أن حزب الله مقابل حصوله على 8 أسرى وجثامين سمح لنحو 120 من عناصر القاعدة بالعودة إلى سورية (بالإضافة إلى آلاف اللاجئين).

•لكن مقابل ما يبدو “خسارة” في الأرقام، فإن المكسب الأكبر الذي حققه حزب الله هو على الصعيد السياسي الداخلي في لبنان. فالقرار المبدئي الذي اتخذته الحكومة اللبنانية بعدم التدخل بالمعارك في عرسال بحجة أن جزءاً من الأراضي ليست لبنانية بل سورية أو موضع خلاف، منح حزب الله حرية التصرف في المنطقة كما يشاء من خلال التنسيق مع سورية.

•ليس لخطوة حزب الله هذه انعكاسات استراتيجية بعيدة المدى من الناحية العسكرية، باستثناء إبعاد مقاتلي القاعدة عن الحدود اللبنانية. لكن الحزب سيعرف كيف يحصد مكسباً سياسياً عندما يحين وقت البحث في مصير المناطق الأمنية القريبة من لبنان.

•في المقابل، تواصل روسيا الدفع قدماً بتطبيق اتفاقات المناطق الأمنية التي وُقعت مبدئياً خلال أيار/مايو. تنشط في جنوب سورية قوات شرطة عسكرية روسية، والهدف التالي هو إنشاء منطقة أمنية في إدلب وحمص. ومن المتوقع أن تحدث هنا مواجهة دبلوماسية شرسة بين روسيا وتركيا لدى مطالبة مجموعة الميليشيات المتمركزة في منطقة إدلب بأن تكون تركيا شريكة في ضمان المناطق الأمنية وليس روسيا فقط. وهذا ما يعارضه الأكراد السوريون الذين يعتبرون تدخل تركيا التي نشرت هذا الأسبوع قوات لها في أراض سورية، جهداً للقضاء على القوات الكردية.

•في مواجهة الأكراد تقف قيادة الجيش السوري الحر الذي يحارب نيابةً عن تركيا في منطقة الحدود السورية- التركية ويتواجه مع قوات كردية.

•تحاول روسيا إنشاء منطقة أمنية على مراحل، في البداية ستحاول فرض وقف اطلاق النار في الأجزاء الشمالية من مدينة حمص التي يحاصرها جيش النظام، ومن بعدها ستقوم بتوسيع وقف إطلاق النار ليشمل مساحات أخرى في المنطقة. ووفقاً لتقارير من سورية، تخطط روسيا لإرسال قوات شيشانية لمراقبة وقف إطلاق النار، الذي إذا تحقق، سيزيد بصورة كبيرة من الوجود العسكري الروسي المباشر في سورية.

•إن الهدف الروسي هو الوصول إلى الجولة السادسة من المفاوضات التي ستجري في نهاية هذا الشهر في أستانة عاصمة كازاخستان، والتي تشارك فيها روسيا وإيران وتركيا، مع مسودة اتفاق مفصلة لإنشاء ثلاث مناطق أمنية اضافية (بعد المنطقة الجنوبية على الحدود مع الأردن وإسرائيل)، يمكن أن تتحول إلى اتفاق. وإذا نجحت روسيا في هذه الخطوة، فهي ستحاول مجدداً جمع الأطراف في لقاء إضافي في جنيف من أجل الدفع قدماً بحل سياسي، بعد اللقاء السابق الفاشل الذي عُقد في 10 تموز/يوليو.

•بعد مرور عامين على بدء التدخل الروسي العسكري المباشر في سورية، لم تنجح روسيا فقط في إحداث انقلاب استراتيجي في وضع الأسد، وفي تقليص حجم نفوذ إيران ودفع الولايات المتحدة إلى خارج المفاوضات السياسية، بل وأيضاً بنت لنفسها قاعدة سياسية وعسكرية في سورية يمكن أن تستخدمها في الشرق الأوسط كله.

المصدر: صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية، عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية

Optimized by Optimole