باراك: فصل انتهى، وفصل جديد يبدأ

Spread the love

بقلم: إيهود باراك – رئيس حكومة إسرائيلي سابق —

أخيراً جرى حسم. اليوم كان يوماً حزيناً، ومهماً، يوم أسئلة صعبة، وفيه ما يستوجب “ملاحظة تحذير”.
أولاً، هذا يوم حزين، لأنه لأول مرة في تاريخنا يحال رئيس حكومة على المحاكمة، مع مراعاة خضوعه لجلسة مساءلة [بعد الانتخابات] في مجموعة جرائم فساد خطرة تضمن رشى واحتيال وخيانة الأمانة، والتي من شأنها تفكيك أسس المجتمع الصحيح، وذلك كله على حسابنا كمواطنين إسرائيليين. هذا يوم حزين بالنسبة إلى الدولة، وإلى المعسكر السياسي الذي يتزعمه نتنياهو، وإلى شخص نتنياهو وعائلته، وهو شخص له أيضاً حقوق، لكنه اختبر أمس الخطوة الأولى في المسار المؤلم لنزوله النهائي عن المنصة.
ثانياً، هذا يوم مهم، لأن سلطة القانون انتصرت، حتى لو بصورة واهية جداً ومع كثير من العيوب ومن علامات الاستفهام، لكن القانون في هذه المرحلة انتصر. هذا يوم مهم، لأن المعيار العام لما هو مسموح القيام به ومبدأ المساواة أمام القانون لا يتبلوران في وعي الناس إلاّ نتيجة أحداث محزنة ومؤلمة تبقى محفورة في الذاكرة الجماعية وترسم حدود المسموح والممنوع للأجيال المقبلة.
ثالثاً، هذا يوم أسئلة صعبة، من جهة، لأن عشرات الأشخاص المهنيين – محققي الشرطة والمفوض العام روني ألشيخ والمدعين العامين وعلى رأسهم ليئات بن آري بالإضافة إلى شاي نيتسان – أظهروا جميعاً نزاهة وصلابة مهنية، ولم يتراجعوا أمام الضغوط، وأوصوا على أساس المادة الموجودة، وبشجاعة وتقريباً كرجل واحد، بتقديم ثلاث لوائح اتهام فساد ضد رئيس الحكومة. وهم يستحقون كل الثناء.
من جهة أُخرى، ألم يكرروا على آذاننا مرات لا تحصى في السنتين الأخيرتين أن لا داعي للقلق، وأن القرار سيتخذ فقط بالاستناد إلى الأدلة التي ستقدم إلى المستشار من دون خوف ومن دون تحيز؟ ماذا يمكن أن نفهم في هذه الحالة من حقيقة أن أفيحاي تقريباً وحده قلب الأمور رأساً على عقب؟
هل بن آري ونيتسان وعشرات المدعين العامين كانوا على خطأ؟ وهل فقط المستشار، الذي عُين في منصبه بعد أن رفضت القاضية التي توجهوا إليها التعهد بإغلاق ملفات، والذي كان في السنوات الثلاث التي سبقت التحقيقات سكرتيراً لحكومة نتنياهو والممثل السياسي الأقرب والأكثر ولاء له – مندلبليت، الذي قد يكون شخصياً متورطاً في اتخاذ القرارات التي يجري التحقيق فيها اليوم – هو الذي يتخذ قراراً مخالفاً: تخفيف التهمة من التورط في ملفي فساد كبيرين وتحويلها إلى جنحة خيانة أمانة؟
وأخيراً، في نهاية الأمر، سيتم توجيه لوائح اتهام، وأعتقد أنه ستجري محاكمة. لكن هذه هي معركة واحدة في حرب لم تنته على صورة دولة إسرائيل. فالمستشار القانوني وأتباعه سيتعرضون للضغوط والتلاعب والتهديدات، وسيحتاجون إلى غطاء شعبي، إلى جانب مطالبة صارمة بألا ّيتراجعوا . مندلبليت الذي قرر أن يوجه إلى نتنياهو لائحة اتهام في الملف 2000 بالاحتيال وخيانة الأمانة فحسب، يخاطر بصورة كبيرة بإضعاف أو حتى تمييع ملف 4000.
في الخلاصة، هنا فصل انتهى، واليوم يبدأ فصل جديد. أنا أثق بجهاز القضاء لدينا وأثق بناخبي الليكود، الذين هم في معظمهم مواطنون مخلصون ووطنيون صادقون ومستقيمون يحترمون سلطة القانون. كما أثق بأن نتنياهو سيهزم في الانتخابات القريبة وأن القانون سيطبق. لكن سواء حدث ذلك أم لا، المطلوب منا جميعاً ألاّ نغفو مجدداً. وسيكون هذا طريقاً مؤلماً وطويلاً، لكن إسرائيل حبيبتنا ستخرج منه بحالة جيدة وسليمة وأكثر قوة.

المصدر: صحيفة هآرتس الإسرائيلية، عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية

Optimized by Optimole