باحثان إسرائيليان: انهيار السلطة الفلسطينية مضر بأمننا

Spread the love

بقلم: عاموس غلعاد – رئيس معهد هرتسليا الإسرائيلي، وأودي أفنتال باحث في المعهد —

في العقود الأخيرة عرفت دولة إسرائيل كيف تتعرف على التهديدات التي تلوح في الأفق، واستخدمت استراتيجيا مشتركة سياسية وعسكرية أدت إلى إنجازات منعت هذه التهديدات أو عرقلتها. على سبيل المثال، العمل ضد التهديد النووي الإيراني، وضد تسلح حزب الله بقدرات عسكرية دقيقة، وضد جهود إيران في التمركز في سورية.
في مقابل ذلك، يبدو أنه في النزاع الجوهري مع الفلسطينيين ليس لدى إسرائيل استراتيجيا متعددة الأبعاد لمواجهة الواقع الناشىء، وسياستها في الأساس تقوم على ردة فعل. فهي تنظر إلى المدى القصير وتركز على بعد مركزي واحد – مهم بحد ذاته- منع الإرهاب والمحافظة على الهدوء.
التحدي المركزي الذي يمكن أن ينشأ في السنوات المقبلة هو انهيار، أو تدريجياً تفكك السلطة الفلسطينية التي يُعتبر وجودها هشاً أكثر بكثير مما يبدو. الفكرة التي قامت السلطة على أساسها والتي من دونها لا حق لها بالوجود هي تحقيق التطلعات الوطنية الفلسطينية بواسطة المفاوضات والتسوية السياسية مع إسرائيل، وهي فكرة أخذت تضعف في مواجهة طريق المقاومة المسلحة من مدرسة “حماس”. هذا التوجه يبرز جيداً في الاستطلاعات التي تُظهر انخفاضاً حاداً في ثقة الجمهور الفلسطيني بحل الدولتين.
ضعف فكرة التسوية يؤدي إلى زعزعة الاستقرار السياسي والجماهيري للسلطة الفلسطينية. المواجهات في غزة والهجمات في يهودا والسامرة [الضفة الغربية] تزيدان من شعبية “حماس” ومن البديل الذي تمثله. أجهزة السلطة التي تعمل لاحتواء المواجهات والمحافظة على تنسيق أمني رفيع المستوى مع قواتنا، تفقد شرعيتها وتُعتبر كمتعاملة مع العدو. إيضاً، فإن الدعم السياسي الداخلي الأساسي لعمل هذه الأجهزة لم يعد مضموناً في أواخر حكم أبو مازن ورحيله يمكن أن يبدأ حرب وراثة مدمرة وأن يسّرع عمليات التطرف وسط الزعامة الفلسطينية.
تعمل السلطة الفلسطينية تحت وطأة قيود مالية حادة، وتعاني جرّاء عدم يقين اقتصادي مزمن. وفي غياب أمل سياسي تقلصت بصورة كبيرة المساعدة الدولية التي تحصل عليها: الولايات المتحدة أضرت بالجزء المدني وبميزانية الأونروا التي تساعد الحكم؛ التشريع في الكونغرس يمكن أن يؤدي إلى وقف كامل للمساعدة الأميركية، بما فيها المساعدة المخصصة للأجهزة الأمنية؛ عدم دفع كامل أموال الضرائب التي تجبيها إسرائيل لمصلحة السلطة يحوم كتهديد دائم فوق رأسها.
بناء على ذلك، سيناريو انهيار السلطة ليس نظرياً ويمكن أن يتحقق. في غياب أفق سياسي، وتقلص قاعدة الشرعية، وعدم اليقين الاقتصادي، الضغوط السياسية تزداد، وكذلك اليأس. يشكل هذا كله خطراً حقيقياً على وجود السلطة طوال الوقت، ويمكن أن يزعزع المصلحة الاقتصادية والفردية لكبار مسؤوليها لاحقاً.
هذا السيناريو يشكل تهديداً استراتيجياً خطِراً ومتعدد الأبعاد لإسرائيل. على المستوى العملي المسؤولية عن مجمل نواحي الحياة اليومية لمليوني فلسطيني في يهودا والسامرة ستنتقل إلينا، من دون أن يكون لدى إسرائيل الآليات والأجهزة البيروقراطية المناسبة، أو الموارد المالية الهائلة المطلوبة- والتي تقدر بعشرات مليارات الشيكلات سنوياً.
على الأرض من المتوقع أن تتفاقم الاحتكاكات بين الجيش الإسرائيلي وبين السكان الفلسطينيين، وسيكون مطلوباً تكثيف عدد القوات بصورة مستمرة- وهو ما سيقصر عمل الجيش على مهمات الشرطة والأمن الجاري على حساب مواجهة التحديات في الحلقتين الثانية الثالثة [المحيطتين بإسرائيل].
على المستوى السياسي، ستزداد الضغوطات زيادة كبيرة، وستؤدي إلى تآكل شرعية إسرائيل وتلحق ضرراً كبيراً بمكانتها. على هذه الخلفية سيزداد أكثر فأكثر توجّه محكمة الجنايات الدولية لمناقشة أعمال إسرائيل في المناطق، وهو ما سيعرّض جنود الجيش الإسرائيلي والمدنيين لصدور أوامر اعتقال وملاحقات قانونية في الخارج.
ثمة دلالات لا تقل خطورة أيضاً من وجهات النظر المفهومية والنظرية. تفكك السلطة وتوسيع السيطرة الإسرائيلية إلى حدود الضم كأمر واقع (de facto) يمكن أن يؤديا إلى اختفاء فكرة الدولتين وتعاظم فكرة الدولة الواحدة التي تزداد قوة في الساحة الفلسطينية. أغلبية الجمهور الفلسطيني الذي يسعى لمنع المسّ بصورة كبيرة بنوعية الحياة، يمكن أن يفضل المطالبة بالمساواة في الحقوق المدنية. وهناك توقع نضوج مسارات ديموغرافية في العقود القادمة من شأنه أن يقلص الأغلبية اليهودية التي تعيش بين النهر والبحر.
في الخلاصة، سينشأ أمام أعيننا واقع يمكن أن تكون له انعكاسات تكبد إسرائيل أثماناً استراتيجية باهظة. لذلك يتعين على إسرائيل العمل وفق استراتيجيا بعيدة الأمد كي تعرقل منذ الآن التهديدات الخطِرة التي تتشكل في الأفق، وتمنع وقوع أخطاء لا يمكن إصلاحها في المستقبل.
عملياً، بالإضافة إلى المحافظة على وجود الجيش الإسرائيلي على الأرض لإحباط الإرهاب ومنع سيطرة “حماس” على أراضي يهودا والسامرة- وهذا شرط أساسي لأي خطوة إيجابية- يجب على إسرائيل تعزيز السلطة الفلسطينية بأي طريقة، وتشجيع اقتصادها، وتطوير بناها التحتية ومؤسساتها وتخليصها من الفساد. من جهة أُخرى يجب لجم الخطوات التي تُضعف السلطة، مثل خطوة التشريع في الكونغرس، ومنع تحويل الضرائب واتهام السلطة بالإرهاب- بينما أجهزتها الأمنية تحبط الإرهاب وتمنع سفك دم إسرائيل بكل معنى الكلمة.
على الرغم من الصعوبات، يجب على إسرائيل ألاّ تتخلى عن جهود إعادة إحياء العملية السياسية. وجود مفاوضات أمر مهم جداً من أجل وجود فكرة الدولتين وعرقلة بديلها الدولة الواحدة. تجدد المفاوضات يمنح إسرائيل شرعية ويحميها في وجه الخطوات القانونية، ويسرّع اتجاهات التطبيع مع الدول العربية، ويترك إرثاً وتوجهاً إيجابياً قبل رحيل أبو مازن. من أجل خلق فرص لاستئناف الاتصالات السياسية، يتعين على إسرائيل أن تبني من جديد صلة فعلية على مستوى القيادة بدلاً من شيطنة الزعامة الفلسطينية.
في الختام، المطلوب مبادرة واسعة لدفع الساحة الدولية إلى تحسين الظروف في غزة، مع مراعاة الحاجات الأمنية، وأيضاً من أجل إتاحة التركيز على تحديات الشمال وإيران.

المصدر: صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية، عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية

Optimized by Optimole