العودة إلى نقطة الصفر

Spread the love

بقلم: تسفي برئيل – محلل سياسي إسرائيلي —

التوجيهات التي وزعتها لجنة التنسيق العليا لمسيرات العودة كان قاطعة وواضحة: “يجب الابتعاد عن مرمى النيران وعن الأماكن المفتوحة. الدخول يجري عبر نقاط محددة. التعاون مع المسؤولين عن المحافظة على الأمن. التركيز على التحركات غير العنيفة وإحياء التراث الوطني. إظهار إصرار شعبنا على التمسك بالحياة على الرغم من الحصار والهجمات. يجب عدم إحراق الإطارات والامتناع من استخدام الأدوات حادة، حتى لو كانت تُعتبر أدوات غير عنيفة”.
وُزعت هذه التوجيهات بعد الاتفاقات التي جرى التوصل إليها بين مصر وإسرائيل و”حماس” بشأن طريقة إدارة تظاهرات العودة وبعد أن تعهدت إسرائيل، بحسب زعماء “حماس”، بالعودة إلى الاتفاقات السابقة التي تضمنت تخفيف الحصار وتوسيع منطقة الصيد، وإعطاء العمال من الضفة أذونات دخول. من جهتها، تعهدت مصر أن يبقى ممر رفح مفتوحاً. والآن يأمل عشرات الآلاف من سكان غزة الذين شاركوا في التظاهرات ومليونا شخص بقوا في منازلهم بالعودة إلى نقطة الصفر التي يعودون إليها في كل مرة في جولات منتظمة.
يوم السبت، وفي الوقت الذي كان الفلسطينيون يخوضون مواجهات “صامتة” ضد إسرائيل، قُتل وجُرح فيها متظاهرون، وافق زعماء الدول العربية الذين اجتمعوا في تونس في قمة الجامعة العربية على تقديم مساعدة تقدَّر بـ 100 مليون دولار شهرياً إلى الفلسطينيين. ومن المفترض أن تأتي هذه المساعدة من صندوق المساعدات الخاصة الذي أُنشئ سنة 2010 من أجل السلطة الفلسطينية، ولم يُستخدم منذ تلك الفترة. هذه المرة أيضاً جاء إعلان المساعدة غامضاً. هل ستُحوَّل الأموال إلى السلطة؟ وهل سيتم تخصيصها لدفع الرواتب، وللدفع إلى المعامل، أو إلى سكان غزة؟ هل في استطاعة “حماس” الحصول على جزء منها؟ وهل ستُحسم المساعدة القطرية منها؟ بشأن كل هذه الأسئلة لم تقدّم قمة السبت جواباً، وثمة شك في أن تكون السلطة و”حماس” قادرتين فعلاً على الاعتماد على تحويل هذه الأموال.
منذ البداية لم تكن قمة الجامعة العربية التي غاب عنها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي (“لأسباب خارجة عن إرادته” بحسب الناطق بلسان الجامعة) تنوي البحث في الموضوع الفلسطيني. على رأس جدول الأعمال كان قرار الرئيس دونالد ترامب الاعتراف بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان، وقضية عودة سورية إلى الجامعة العربية، والوضع في ليبيا. صفقة القرن لدونالد ترامب ومعارضتها كانت الموضوع الفلسطيني الوحيد الذي أقلق الجامعة العربية، بينما لم تحظَ مسائل الوضع في غزة ومسيرات العودة والحصار الإسرائيلي باهتمام كبير.
قمة الجامعة العربية ليست وحدها التي تعاملت مع غزة بصفتها شأناً إسرائيلياً – مصرياً داخلياً لا علاقة له بسائر الدول العربية، أيضاً أغلبية وسائل الإعلام العربية الرسمية اكتفت بتقارير قصيرة بشأن التطورات في غزة. وفي مصر كان من الصعب العثور على مثل هذه التقارير في وسائل الإعلام الحكومية – لا عن التظاهرات ولا عن جهود الوساطة المصرية، في المقالات وفي التحليلات، كأن الوضع في غزة هو سر من أسرارالدولة. احتلت العناوين الأولى للصحف في مصر الخبر السار المتعلق بقرار الرئيس المصري رفع الحد الدنى للأجور إلى 114 دولاراً في الشهر وزيادة 7% على رواتب موظفي الدولة والمتقاعدين.
انضم الصمت الفلسطيني إلى الصمت العربي. حركة الاحتجاج “بدنا نعيش” في غزة، والتي أجّجت الأجواء قبل أسبوعين ورفعت مستوى الاهتمام بغزة، عندما خرجت الجماهير إلى الشوارع للاحتجاج ضد الضائقة المعيشية، جرى إسكاتها. الناشطون الذين أشعلوا وسائل التواصل الاجتماعي والشوارع بالانتقادات الحادة، وجدوا أنفسهم إمّا في المستشفيات وإمّا في السجون، بعد تعرضهم للضرب وإطلاق النار على يدي عناصر “حماس”. على صفحتهم في الفايسبوك بقيت عبارة تعود إلى 20 آذار/مارس تقول: “كسرنا حاجز الخوف، نريد أن نعيش بكرامة”.
طوال 12 عاماً من حكم “حماس” جرى إسكات “العامل المدني”. انبثاقه هذا الشهر، حتى لو جرى إخماده بسرعة، يدل على حجم اليأس والإحباط. المشكلة هي أن غزة تُعتبر كجزء من مشكلة اللاجئين، وتُعتبر الضائقة التي تعانيها “مسألة إنسانية”، وليست مكوناً من مكونات الحل السياسي للنزاع مع الفلسطينيين. زعامتها يعتبرها العالم تنظيماً إرهابياً، وأغلبية الدول العربية تربطها بالإخوان المسلمين الذين تحولوا إلى العدو الأكثر تهديداً لأنظمتهم. إن استعداد مصر للتوسط ولمساعدة “حماس” على السيطرة على القطاع لا ينبع من حب الغير بل لأنها تعتبر “حماس” عصابة فائدتها أنها قادرة على كبح عصابات إرهابية أُخرى تعمل ضد مصر.
في الأردن “حماس” محظورة، السعودية التي تعتبر الإخوان المسلمين تنظيماً إرهابياً لا تفرض حظراً على “حماس” لكنها لا تعتبرها محاوراً، لأنها واقعة تحت وصاية قطر. لكن “حماس” حية تنبض وتحتفظ بمليوني نسمة رهائن. وتجاهُل إسرائيل والدول العربية لها ونبذها لم يمس فعلاً بمكانتها. هي تسعى لأن تكون الممثل الوحيد للشعب الفلسطيني، ويبدو أنها تنجح في فرض جدول الأعمال الفلسطيني، في مواجهة إسرائيل والدول العربية.

المصدر: صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية، عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية