الضفة تنزلق إلى دوامة انتقام وتصعيد

Spread the love

بقلم عاموس هرئيل – محلل عسكري إسرائيلي —

خلال بضع ساعات، في ليل الأربعاء – الخميس، سجلت القوى الأمنية نجاحين في مطاردتها مرتكبي الهجمات في الضفة الغربية. لكن الرد الفلسطيني جاء هذه المرة بسرعة أكبر. بما يبدو أنه هجوم انتقامي، بحسب المنطقة والتوقيت، قُتل إسرائيليان وجُرح اثنان بإطلاق نار على محطة انتظار للباصات في تقاطع طرق أساف شمالي رام الله.
بالأمس قتلت قوات التدخل السريع شمالي رام الله العنصر من “حماس” المشتبه بالهجوم وإطلاق النار على محطة باصات في عوفرا في مطلع هذا الأسبوع، الذي قُتل فيه مولود وجُرح ستة مدنيين إسرائيليين. كما جرى اعتقال عدد من المتورطين الآخرين بالهجوم.
بعد مرور بضع ساعات، قتلت قوة أُخرى من قوات التدخل السريع في مخيم اللاجئين عسكر في نابلس المخرب الذي قتل مدنيين في هجوم في المنطقة الصناعية في بركان في مطلع تشرين الأول/أكتوبر.
المخربان اللذان قُتلا كانا مسلحين. وكان التقدير في الحالتين أنهما ينويان تنفيذ هجمات إضافية في وقت قريب، في محاولة يحاكيان فيها ما سبق ونجحا في القيام به. من أجل إلقاء القبض على الاثنين جرى إرسال وحدة من الأكثر خبرة بمثل هذه العمليات. ومع ذلك يمكن الافتراض أن القيادتين السياسية والأمنية لم تذرفا دمعة على ما بدأ كمحاولة اعتقال وانتهى بقتل المخربين.
بعد ساعات قليلة على ذلك، حدث هجوم آخر بإطلاق النار على محطة باصات، ويشبه هذا الهجوم في كثير من سماته الحادثة التي وقعت يوم الأحد بالقرب من عوفرا. وبالإضافة إلى احتمال أن ما حدث هو عملية انتقامية لمقتل عنصر من “حماس”، هناك أهمية أيضاً للتوقيت – قبل يوم من ذكرى تأسيس الحركة الذي يحل غداً.
تسلسل الحوادث الأخيرة هو صيغة للتصعيد، بسبب احتمال وقوع محاولات إضافية لمحاكاة نجاح المخربين ونشوء حلقة أحداث انتقامية. قرر الجيش الإسرائيلي زيادة عدد القوات في الضفة للمرة الثانية هذا الأسبوع. والفكرة هي أن تشكل هذه القوات نوعاً من غطاء يمنع تمدد النار في المنطقة. في الوقت عينه فُرض حصار على رام الله. والحساسية حول المدينة كبيرة لأنها عاصمة السلطة، والمكان الذي تتمركز فيه أغلبية أجهزة الأمن الفلسطينية.
التحقيق في إطلاق النار الأخير بدأ للتو. والشاباك لم ينشر بعد تفاصيل واسعة عن التحقيق في هجوميْ عوفرا وبركان، وهما من أقسى الهجمات التي حدثت مؤخراً في المناطق. في الأسابيع الماضية سُجل ارتفاع في عدد هجمات إطلاق النار على الطرق في الضفة. وفي المعدل الوسطي، وقع في الأشهر الأخيرة في الضفة ما بين 4 إلى 8 هجمات إطلاق نار وطعن ودهس. على الأقل في جزء من هذه الحوادث، يبدو أن هذه الهجمات تعكس استفحال ظاهرة مرحلية، من الصعب على القوى الأمنية مواجهتها.
لقد تعلم الجيش الإسرائيلي والشاباك في سنوات الانتفاضة الثانية أن يعالجا بصورة جيدة البنى الإرهابية المنظمة نسبياً، التابعة لمنظمات “حماس” وحركة الجهاد الإسلامي. سلسلة الاعتقالات التي لا تنتهي (وأحياناً، في سنوات الذروة، اشتباكات واغتيالات) هي التي ولدت الظاهرة المعروفة باسم “جزّ العشب” – هجوم منهجي على بنى تحتية لمنع تطورها واستعادة قوتها. في خريف 2015 ضربت الضفة الغربية ظاهرة أُخرى، بحجم غير مسبوق: موجة هجمات الأفراد. مئات الشبان والشابات الذين تحركوا من تلقاء أنفسهم من دون شبكة تنظيمية وراءهم، وقاموا بهجمات مسلحين بسكاكين المطبخ، أو بمقود السيارة العائلية. أيضاً في مواجهة هذه الموجة تعلمت إسرائيل كيف تتصرف – المراقبة الشديدة لشبكات التواصل الاجتماعي وسط الجمهور الفلسطيني، بالإضافة إلى التحذيرات الفعالة التي أجرتها أجهزة أمن السلطة، منعت في جزء كبير من الحالات مخربين محتملين من القيام بهجمات.
لكن الخطر الأساسي بشأن ما يحدث في الضفة في هذه الأيام يتعلق بسلوك “حماس”. البيان الذي أصدره الشاباك في أواخر الشهر الماضي بشأن اعتقال مواطن من سكان الخليل جرى تأهيله للعمل “كمهندس” عبوات متفجرة، حظي باهتمام قليل في إسرائيل. الجديد في الكشف هو الطريقة التي جرى فيها استخدام المهندس. في السنوات الأخيرة جرى إحباط مئات المحاولات من جانب قيادة “حماس” في القطاع وفي الخارج للمبادرة إلى القيام بهجمات في إسرائيل وفي الضفة الغربية بواسطة خلايا من الضفة. والهرمية في هذه الحالات كانت واضحة: صلاح العاروري، رئيس الذراع العسكرية يوزع وقته حالياً بين لبنان وتركيا، ويقود العمليات التي تعمل تحتها جهتان: قيادة الضفة وقطاع الضفة. جزء من العمليات يعتمد على مخربين من الضفة أُبعدوا إلى قطاع غزة في إطار صفقة شاليط.
لم تتنازل “حماس” عن الجهد، لكن يبدو أنها غيرت الأسلوب. المهندس الذي اعتُقل، أوس رجوب، جرى تشغيله مباشرة من القطاع، من دون علاقة بالعاروري وبالمبعَدين في صفقة شاليط. يبدو أن الحركة تسعى لتقليص الهرمية القيادية وتحسين نتائجها العملانية. وهذه الجهود مهمة جداً بالنسبة إليها كي تستمر فيها، في مقابل محاولات التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق نار بعيد الأمد مع إسرائيل في القطاع. غزة على حدة والضفة على حدة.
لقد بقيت مقاربة “حماس” على حالها. تجدُّد الهجمات الفتاكة من الضفة سيجعل الأمر صعباً على إسرائيل، وسيُلحق الضرر بالتنسيق الأمني بينها وبين أجهزة الأمن في السلطة، وسيقوض استقرار سلطة محمود عباس وسيضر بالتأكيد مستقبلاً بانتقال منظّم للسلطة إلى وريثه. في القطاع، وبحسب تقديرات الأجهزة الاستخباراتية الإسرائيلية، “حماس” تحاذر خوض حرب. مبدئياً استمرار تدفق الوقود والرواتب إلى القطاع بتمويل قطري، يمكن أن يساعدها في المحافظة على هدوء نسبي، لكن حالياً يتصاعد احتمال أن ينعكس التصعيد في الضفة أيضاً على ما يحدث في القطاع.
إنّما، لن تصل الحركة إلى اتفاق طويل الأمد من دون أن تضمن تحقيق الإنجازات التي وضعتها هدفاً لها: تخفيف الحصار المفروض على غزة بصورة كبيرة، تحسين واضح لوضع البنى التحتية المدنية هناك، ومعها – الاحتفاظ بقوتها العسكرية. لا تتعامل “حماس” مع الأسرى والمفقودين كجزء حتمي من العملية. بالنسبة إليها، هذه مسألة منفصلة يجب بحثها بصورة منفصلة عن اتصالات التوصل إلى وقف إطلاق نار مستمر.

المصدر: صحيفة هآرتس الإسرائيلية عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية

Optimized by Optimole