الخط الذي يربط خطة ترامب بتطبيق القانون الإسرائيلي في مناطق المستوطنات

Spread the love

بقلم: أودي ديكل – باحث في “معهد دراسات الأمن القومي” في جامعة تل أبيب —
تحتوي خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب للتسوية السياسية بين إسرائيل والفلسطينيين، والتي أُطلق عليها اسم “صفقة القرن”، على فصلين اثنين: الأول – اقتصادي، سيجري تدشينه في البحرين من خلال مؤتمر يُعقد في نهاية حزيران/يونيو الحالي؛ والثاني – سياسي، يشمل تطرقاً إلى القضايا الحساسة في الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، سيجري تأجيل تدشينه إلى ما بعد الانتخابات وتأليف الحكومة الجديدة في إسرائيل في أواخر 2019.
وتشير المعطيات التي سُربت عن تفاصيل هذه الخطة إلى أنها تأخذ في الاعتبار مواقف حكومة إسرائيل وحاجات دولة إسرائيل الأمنية، إلى جانب إقرارها بالواقع الذي نشأ في ساحة الصراع خلال العقود الخمسة الأخيرة. وهذا هو السبب الذي دفع الجهات الفلسطينية الرسمية إلى إصدار بيان يعلن رفضها قبول هذه الخطة. وفي الأثناء، صرح سفير الولايات المتحدة في إسرائيل ديفيد فريدمان، هذا الأسبوع، بأنه “في أوضاع معينة […]، لإسرائيل الحق في الاحتفاظ بسيطرتها على جزء من الضفة الغربية، لكن ليس عليها كلها”. ويمكن اعتبار هذا التصريح تلميحاً إلى أنه إذا ما قامت حكومة يمينية جديدة في إسرائيل (بعد الانتخابات العامة للكنيست، في 17 أيلول/سبتمبر المقبل) فستقرر، بصورة غير مسبوقة، الرد على رفض فلسطيني إضافي آخر لمقترح التسوية هذا بتطبيق القانون الإسرائيلي على مناطق المستوطنات. سيكون الضمّ معنى هذه الخطوة، ومن المتوقع أن تؤدي إلى سلسلة من التداعيات السلبية على إسرائيل.

مسألة التوقيت
يتواصل ترقُّب خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب للتسوية السياسية بين إسرائيل والفلسطينيين والعالم العربي، والمسماة “صفقة القرن”، منذ أشهر عديدة، بعد أن جرى تأجيل عرضها مرة تلو الأُخرى خلال السنة الماضية. قبل التأجيل الأخير (في إثر انتخابات نيسان/أبريل الماضي في إسرائيل)، كانت إدارة الرئيس ترامب تنوي عرض الخطة على مرحلتين، على أن تُخصص أولاهما للفصل الاقتصادي – خلال لقاء يُعقد في البحرين في نهاية حزيران/يونيو الجاري. غير أن دوامة التطورات السياسية – الحزبية المتسارعة في إسرائيل والاضطرار إلى جولة إضافية أُخرى من الانتخابات في أواخر 2019، في عقب فشل رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، في تأليف حكومة جديدة، أدت إلى تشويش الجدول الزمني الذي وضعه البيت الأبيض لعرض الفصل السياسي من الخطة.
لكن الرئيس ترامب ما يزال معنياً بالوفاء بتعهداته وعرض خطته، حتى لو لم تنضج الأوضاع المؤاتية لقبولها، ناهيك عن تطبيقها. وفي تقديره، ستبقى الخطة محتفظة بأهميتها وحيويتها حتى خلال دورته الرئاسية المقبلة الثانية، وستشكل نقطة الانطلاق لأي مبادرة سياسية مستقبلية بين إسرائيل والفلسطينيين، على غرار ما رسمه سلفاه – مقترح الرئيس كلينتون ورسالة الرئيس بوش إلى رئيس الحكومة أريئيل شارون. وفي المقابل، من المتوقع أن يدعم ترامب جميع الخطوات التي سوف يتخذها نتنياهو في سبيل المحافظة على منصبه كرئيس للحكومة الإسرائيلية. لكن ثمة تناقض صدامي بين هذين الهدفين، جرّاء الصعوبة المتوقعة في تمرير هذه الخطة لدى مؤيدي نتنياهو وحلفائه في اليمين (على الرغم من كونها مقترحاً سخياً بعيد الأثر بالنسبة إلى إسرائيل)، وهو ما يعني أن واشنطن سترغب في تجنب إحراج نتنياهو بنشرها هذه الخطة، لأن من شأن خطوة كهذه أن تمسّ بفرص انتخابه مجدداً و/أو بفرص بناء ائتلاف حكومي يميني. في هذه النقطة الزمنية الحاسمة، وبدلاً من عرض بوادر حسن نية ومغريات على الفلسطينيين بغية إقناعهم، على الرغم من كل شيء، بعدم رفض الخطة رفضاً قاطعاً ونهائياً، وكذلك من أجل الاستجابة إلى مناشدات الشركاء المركزيين في الدول العربية (وبصورة خاصة الرباعية المكونة من مصر، الأردن، السعودية والإمارات المتحدة) بتحسين شروط الخطة بالنسبة إلى الفلسطينيين، يجد الطاقم الأميركي نفسه تحت ضغوط كبيرة لتعديل الخطة لمصلحة إسرائيل أكثر فأكثر، من أجل مساعدة نتنياهو في الانتخابات المقبلة وتأليف حكومة جديدة.
بناء على هذا، يبدو أن المخرج المريح المتاح أمام البيت الأبيض الآن هو تأجيل عرض المركّب السياسي من خطة ترامب – والذي يعالج القضايا الأكثر حساسية في النزاع: الحدود، الأمن، مكانة القدس وحل قضية اللاجئين الفلسطينيين – إلى ما بعد الانتخابات في إسرائيل، المقرر إجراؤها في 17 أيلول/سبتمبر 2019. وقد صرح مسؤول كبير في الإدارة الأميركية بأن الخطة “ستُعرَض في الوقت المناسب”. لكن هذا الوقت يبتعد أكثر فأكثر، إذ لن تقوم حكومة جديدة في إسرائيل قبل تشرين الأول/أكتوبر، وهو ما يعني أن عرض الخطة سيؤجل حتى تشرين الثاني/نوفمبر على الأقل، وهو موعد يتزامن مع بدء المنافسة على انتخابات الرئاسة الأميركية 2020.

المبادئ والجوهر
صرّح مستشار الرئيس ترامب وصهره جاريد كوشنر بأن خطة ترامب لا تقترح حل الدولتين، لأن كلاً من الطرفين يفسر هذا المبدأ على نحو مختلف، ولذلك، لن تدعو الخطة إلى إقامة دولة فلسطينية. وبهذا تلغي إدارة ترامب عشرات السنين من السياسة الأميركية المثابرة في الدعوة إلى حل الدولتين للشعبين للنزاع الإسرائيلي ـ الفلسطيني. هذا هو السبب الذي جعل جميع التيارات الفلسطينية السياسية تتعهد، منذ البداية، رفض الخطة رفضاً مطلقاً واعتبارها مشروعاً لتكريس الاحتلال الإسرائيلي بوسائل وأشكال متعددة. وإضافة إلى ذلك، أشار سفير الولايات المتحدة في إسرائيل، ديفيد فريدمان، العضو في طاقم صوغ الخطة، إلى أنها ستحسّن حياة الفلسطينيين، على الرغم من أنها لن تؤدي سريعاً إلى عقد تسوية نهائية ثابتة بالضرورة.
يمكن أن نستنتج من هذا أن الإدارة الحالية تؤمن بأن تحسين الوضع الاقتصادي – الاجتماعي للسكان الفلسطينيين يجب أن يسبق تحقيق التطلعات الوطنية الفلسطينية بأكملها (دولة فلسطينية على أساس حدود الرابع من حزيران/يونيو 1967، تكون عاصمتها القدس، مع حق عودة اللاجئين الفلسطينيين).
إن الهدف الاستراتيجي من وراء خطة ترامب أوسع وأبعد بكثير من النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني. هذه الإدارة ترمي إلى وضع تصميم معماري جديد لمنطقة الشرق الأوسط، تشكيل تحالف عربي – أميركي – إسرائيلي، يجري بواسطته أيضاً تعميق وتعزيز التحالف المعادي لإيران وللحركات الجهادية، والذي يتطور الآن بين الدول الخليجية، وبصورة خاصة السعودية، وبين إسرائيل، ثم تجنيد الدول العربية لدعم عملية السلام. هذه الإدارة معنية، أيضاً، بتصميم الأوضاع التي يمكن أن تؤدي إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي، أو إلى إنهاء صورته السلبية على الأقل، بما يمنح الفلسطينيين السيطرة على الأغلبية الساحقة من الأراضي والسكان في الضفة الغربية وفي قطاع غزة. كما ترمي الخطة، في الوقت ذاته، إلى إعادة تعريف مقومات التسوية من جديد، على أن تستند إلى الواقع الذي نشأ في الميدان خلال السنوات الخمسين الأخيرة وتكون ذات صلة بالحاضر وبالمستقبل.

ماذا في الخطة؟
ليس من الواضح مدى إحكام هذه الخطة السياسية، ويبدو أن طاقم مستشاري الرئيس ترامب لا يزال يتخبط في بعض المسائل. مع ذلك، وبالبناء على التصريحات والتسريبات، يمكن تسجيل ما يلي:
على الرغم من “النجاة” من تصوير الوضع النهائي كأنه حل الدولتين، ثمة اقتراح في الخطة لإنشاء كيان فلسطيني مستقل ومتميز بأغلبية (نحو 90%) مناطق يهودا والسامرة وكل قطاع غزة.
عدم إخلاء مستوطنات، بما فيها المعزولة، بينما قد يُطبّق القانون الإسرائيلي على الجزء الأكبر منها، أي أنها ستكون تحت السيادة الإسرائيلية. إذا كان القصد بسط السيادة على مناطق نفوذ المستوطنات، فمعنى هذا ضم ما يزيد عن 10% من مساحة المنطقة إلى إسرائيل، بما في ذلك الجزء الأكبر من البؤر الاستيطانية غير المرخصة/ غير القانونية (التي تعهدت إسرائيل في الماضي، أمام الإدارات الأميركية السابقة، بإخلائها). أمّا إذا كان القصد ما يجري تعريفه بأنه المساحة المبني عليها ومنطقة المستوطنات، فمعنى ذلك هو ما يقل عن 5% من مساحة المنطقة. في مثل هذا الوضع، سيظهر عدد من المشكلات، من مثل: كيف سيتم تأمين محاور الحركة وكيف سيكون في الإمكان المحافظة على النسيج الحياتي في داخل المستوطنات؟ وثمة معضلة أكثر تعقيداً هي: أي نظام حدودي سيقام بين إسرائيل والكيان الفلسطيني المقترَح؟ في هذا السياق، لمّح كوشنير إلى إمكان الحدود المفتوحة التي تتيح حرية شبه تامة في الحركة في الاتجاهين.
توافق الإدارة الأميركية على المطلب الأساسي الذي قدمه رئيس الحكومة نتنياهو بشأن حرية العمل الأمني الإسرائيلي في كامل المنطقة الواقعة إلى الغرب من نهر الأردن، بما فيها المنطقة الفلسطينية، طبقاً لما تمليه الحاجات الأمنية الإسرائيلية، بغية منع حصول أي تردٍّ في وضعها الأمني مقارنة بالوضع الراهن. وفي هذا الإطار، من الممكن أن يتم الاحتفاظ بوجود أمني إسرائيلي في غور الأردن، إلى زمن غير محدد كما يبدو.
في مسألة اللاجئين الفلسطينيين، يبدو أنه لن تجري عودة لاجئين إلى داخل حدود إسرائيل، وإنما سيتم استيعاب عدد محدود من اللاجئين في حدود المناطق التابعة للكيان الفلسطيني. أمّا بقية اللاجئين، أي الأغلبية الساحقة منهم، فسيتم ترميم أوضاعها في أماكن وجودها الحالية (وهو ما يشكل مصدر تخوف حقيقي في كل من الأردن ولبنان).
ستكون القدس عاصمة للكيان الفلسطيني أيضاً، على الرغم من أن تعريف الحدود الجغرافية للعاصمة الفلسطينية ليس واضحاً تماماً: هل ستشمل مناطق في القدس الشرقية من العهد الأردني أيضاً (البلدة القديمة، مدينة داود، جبل الزيتون وحي الشيخ جراح) أم ستكون في أحد الأحياء العربية من القدس فقط؟ أمّا في الأماكن المقدسة، فستوضع على ما يبدو ترتيبات لضمان حرية العبادة يمكن لجميع الأطراف قبولها ضمن معادلة المحافظة (الظاهرية) على الوضع القائم (الستاتيكو). وستحتفظ الأردن بدورها في الأماكن المقدسة.
خطة اقتصادية واسعة تشمل رصد نحو 65 مليار دولار عشر سنوات. لكن الجهات المانحة، المتبرعة، ليست معروفة. الهدف هو استخدام الجانب الاقتصادي لبناء كيان فلسطيني مستقل وقادر على تأدية مهماته، وكذلك كـ”طعم” لجعل الخطة مرغوبة أكثر، وخصوصاً في نظر الجمهور الفلسطيني، لتخفيف حدة معارضتها، ولضمان التحرك بها قدماً. الرباعية العربية المذكورة أعلاه أصبحت خماسية بعد أن انضمت إليها البحرين التي ستستضيف عاصمتها المنامة المؤتمر الاقتصادي المزمع عقده في الخامس والعشرين من حزيران/يونيو الحالي، والذي من المتوقع أن يجري خلاله عرض الفوائد الاقتصادية التي ستجنيها الأطراف المتعددة والمنطقة برمتها من قبول الخطة وتطبيقها. من جانبهم، أعلن الفلسطينيون أنهم سيقاطعون هذا المؤتمر، بينما سيشارك، في المقابل، رجال أعمال إسرائيليون في ما يبدو أنه يؤسس لمرحلة جديدة وعلنية من توثيق العلاقات وتعميقها بين إسرائيل والدول والقادة السنّة في الخليج الفارسي. ستشارك في المؤتمر الدول الخمس العربية التي تعرّفها واشنطن بأنها دول التحالف من أجل المبادرة، والمستعدة لدعم الخطة اقتصادياً، كما ستنضم إليها المغرب أيضاً. هذه الخماسية العربية لن توفر لمحمود عباس غطاء في معارضته الخطة. ومع ذلك، هذه الدول مستعدة للاستثمار في القضية الفلسطينية وتقديم المساعدات، لكن شرط أن تكون العملية مقبولة من جميع الأطراف.

دلالات
إذا كانت هذه هي تفاصيل خطة ترامب حقاً، فمن الواضح للجميع إذاً أنها تقيم وزناً خاصاً لمواقف حكومة إسرائيل وحاجات إسرائيل الأمنية، كما أنها تعترف بالواقع الذي نشأ في ميدان النزاع خلال العقود الخمسة الأخيرة. هذا هو الموقف الأميركي الأقرب إلى المصالح الإسرائيلية في إطار اتفاق مع الفلسطينيين. في ذهابه إلى جولة انتخابات أُخرى، قد يخسر نتنياهو وقتاً ثميناً ويضيع فرصة ثمينة لتصميم واقع استراتيجي ينسجم مع وجهة نظره بشأن حل النزاع الإسرائيلي ـ الفلسطيني، بينما هو يحظى بدعم وصداقة غير مسبوقين من طرف رئيس أميركي.
أوضح السفير الأميركي في إسرائيل، ديفيد فريدمان، في المقابلة التي أجرتها معه صحيفة “نيويورك تايمز” في حزيران/يونيو الحالي أنه لن يتم عرض الخطة إذا ما رأت الإدارة الأميركية أنها ستسبب أضراراً تفوق فوائدها. كما أعلن السفير، أيضاً، أنه “في أوضاع معينة، أعتقد بأن لإسرائيل الحق في الاحتفاظ بجزء من الضفة الغربية، لكن ليس بها كلها”. وأوضح رد فوري صدر عن مسؤول في الإدارة الأميركية أن لا تغيير في موقف الولايات المتحدة بشأن المستوطنات. وكما هو متوقع، كان رد أمين سر منظمة التحرير الفلسطينية، صائب عريقات، نقدياً: “سفير الرئيس ترامب يوفر أسباباً وجيهة للجميع لعدم حضور المؤتمر في المنامة في البحرين. فهم يسعون لضم المناطق المحتلة، وهو ما يشكل جريمة حرب بموجب القانون الدولي”.
تشي تصريحات السفير هذه بإمكان حصول سيناريو محتمل آخر يتم في إطاره وضع “صفقة القرن” على الطاولة بالتزامن مع تأليف حكومة جديدة في إسرائيل، بافتراض أنها ستكون حكومة يمينية برئاسة بنيامين نتنياهو، حتى نهاية سنة 2019. الفلسطينيون، كما قد أعلنوا من قبل، سيرفضون هذه الخطة، بينما ستعلن حكومة إسرائيل في المقابل قبولها مع بعض التحفظات. اللحظة الحاسمة ستكون، كما يمكن التوقع، في حال قررت الحكومة الإسرائيلية، بصورة غير مسبوقة، وربما بالتنسيق والتفاهم المسبقين مع الرئيس الأميركي، الرد على رفض فلسطيني آخر لمقترح التسوية بإعلان تطبيق القانون الإسرائيلي على المستوطنات (كلها، أو بعضها، في الكتل الاستيطانية الكبيرة و/ أو خارجها)، مع أفضلية للمستوطنات التي تعتبرها خطة ترامب جزءاً من دولة إسرائيل، وربما يكون هذا بالذات هو ما لمّح إليه السفير فريدمان.
تطبيق القانون في مجال البنى التحتية والعقارات هو كلمة ملطفة لضم مناطق المستوطنات. فعلياً، هو ضم لتلك المناطق، حتى لو لم يجر تعريف الخطوة على هذا النحو (ضم) بصورة رسمية. المساحة التي سيتم ضمها ستصبح ذات مكانة مساوية، في كل شيء، لأي منطقة داخل حدود دولة إسرائيل (وتتوقف عن كونها، بالنسبة إلى إسرائيل، بمثابة منطقة مُدارة). جميع الصلاحيات في المنطقة التي يجري تطبيق القانون الإسرائيلي عليها ستكون في أيدي السلطات الإسرائيلية، لا في يديْ القائد العسكري في المنطقة، وأي دخول إلى المستوطنة سيكون بمثابة دخول إلى الأراضي/ الحدود الإسرائيلية.
فعلاً، من شأن خطوة كهذه، حتى لو جرى عرضها وتصويرها كأنها إقرار بوضع قائم (ذلك بأن القانون الإسرائيلي مطبق منذ زمن طويل على المستوطنين على الصعيد الفردي والآن يجري تطبيقه أيضاً على مناطق المستوطنات نفسها)، أن تشكل انتهاكاً للقانون الدولي، من دون أن تغير من مكانة المنطقة في منظور القانون الدولي الذي يقضي بمواصلة اعتبار المنطقة منطقة محتلة، بما يعني استمرار استحقاق السكان الفلسطينيين فيها الحماية الدولية الممنوحة، عادة، للسكان في مناطق خاضعة للاحتلال. وستشكل هذه الخطوة، أيضاً، خرقاً للاتفاق المرحلي الذي يحظر إجراء أي تغيير من طرف واحد في مكانة المنطقة، الأمر الذي قد يؤدي إلى إلغاء التسويات القائمة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية ـ الأمنية، الاقتصادية والمدنية. كلما كانت مساحة المنطقة المضمومة أكبر، بما يعني إغلاق الباب أمام إمكان إنشاء دولة فلسطينية، تزداد احتمالات تصاعُد المعارضة الفلسطينية إلى حد “إعادة مفاتيح” السلطة الفلسطينية إلى إسرائيل، تفكك السلطة الفلسطينية وإعادة المسؤولية إلى إسرائيل عن نحو 2,5 مليون فلسطيني، بكل ما في ذلك من تبعات أمنية واقتصادية. وعليه، من المرجح أن يكون الضم ـ إذا ما نُفّذ ـ بصورة محدودة ومقلصة، من أجل تمكين جميع اللاعبين الضالعين في الأمر ـ إسرائيل، الولايات المتحدة، الرباعية العربية وحتى السلطة الفلسطينية ـ من احتواء هذه الخطوة السيطرة عليها.
قد يبدو تطبيق القانون الإسرائيلي على كامل مناطق المستوطنات خياراً مغرياً، لكن من شأن هذه الخطوة أن تؤدي إلى زعزعة الاستقرار في مناطق الضفة الغربية، وهو المستمر بصورة محكمة وثابتة طوال السنوات الخمس عشرة الأخيرة، وإلى انفجارات عنيفة بل وإلى إلحاق ضرر جسيم بمكانة إسرائيل الدولية والإقليمية وبعلاقات السلام بينها وبين مصر والأردن، اللتين ستجدان صعوبة بالغة في مواجهة النقد الداخلي للضم الإسرائيلي الأحادي الجانب. في غياب القدرة على تطبيق خطة ترامب، وبدلاً من الضم الأحادي الجانب، يفضّل النظر في البديل العلمي الذي وضعه معهد دراسات الأمن القومي على أساس بحث أساسي معمق – “مخطط الانفصال السياسي، الديموغرافي والإقليمي عن الفلسطينيين”، إلى جانب العمل على تحسين أداء السلطة الفلسطينية والتنسيق معها. في الأوضاع الحالية، وبصورة خاصة إزاء الإشكاليات التي تنطوي عليها البدائل العملية الأُخرى، في الإمكان الشروع في تطبيق الخطوات المفصلة في “المخطط” المذكور.
____________

– ترجمة: سليم سلامة (حيفا) – المصدر: مجلة مباط عال الإسرائيلية – عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية

Optimized by Optimole