الحرب الرابعة ضد غزة تقترب

Spread the love

بقلم: يوسي ميلمان – محلل عسكري إسرائيلي —

في قصف سلاح الجو الأخير لقطاع غزة ثمة شيء جديد مقارنة بالماضي. لم يقتصر القصف على أهداف تقليدية تابعة للذراع العسكرية لـ”حماس”، بل جرت أيضاً محاولة اغتيال زعيم كبير في الحركة، أي العودة إلى الاغتيالات المركزة. وبالاستناد إلى تقارير من القطاع فقد هوجم مكتب رئيس “حماس” إسماعيل هنية، لكنه لم يكن موجوداً في داخله.
سبب الهجوم هو الصاروخ الذي أصاب منزلاً في موشاف مشميرت في الشارون وأدى إلى جرح سبعة أشخاص. هذا الهجوم وأيضاً رد الجيش الإسرائيلي الذي شمل تعبئة جزئية للاحتياطيين، ونشر بطاريات القبة الحديدية، ونقل لوائين من المدرعات ومن سلاح البر إلى غلاف غزة، وفتح الملاجىء وتحضير سكان الغلاف، كل ذلك يمكن أن يكون علامة على بدء حرب غزة الرابعة.
لكن هذه الحرب ليست حتمية. رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو سيعود اليوم من واشنطن وهو ليس معنياً بحرب شاملة ضد غزة، وبالتحديد ليس قبل أسبوعين من موعد الانتخابات. لكن الحرب يمكن أن تندلع لأن للتصعيد منطقه الخاص وليس لدى الطرفين سيطرة عليه. لمزيد من الدقة، هما يتخوفان من السيطرة على العملية خوفاً من أن يظهرا ضعيفين.
الافتراض الأساسي هو أن “حماس” وحتى حركة الجهاد الإسلامي لا يريدان مواجهة. حتى اليوم هما خاضا حرب استنزاف بواسطة البالونات الحارقة، والطائرات الورقية الناسفة، وإحراق الحقول، والمسيرات على السياج، ومن وقت إلى آخر إطلاق صاروخ وزرع عبوات ناسفة ضد الجنود الإسرائيليين. لكنهما يدركان أيضاً أن نتنياهو وإسرائيل لا يرغبان في مواجهة شاملة، وهما يستغلان فترة الانتخابات للذهاب حتى النهاية والقيام بخطوة تصعيدية صغيرة.
في الأسابيع الأخيرة أُطلقت ثلاث مرات صواريخ بعيدة المدى- نحو بئر السبع، وعلى غوش عتسيون، ومشميرت. في جميع هذه المرات كان التفسير أو الذريعة التي قدمتها “حماس” إلى الجيش أن إطلاق الصواريخ حدث عن طريق الخطا. حتى لو كان هذا صحيحاً ، فإن هناك علامات تساؤل كبيرة بشأن هذه المسألة، وفي المستوى السياسي يعلمون أنه من الصعب جعل الجمهور يصدق هذه الذريعة.
لذلك كل شيء يتعلق فعلاً بقيادة “حماس”. فإذا ردّت بعنف كبير على هجوم سلاح الجو الذي بدأ يوم أمس بإطلاق عشرات الصواريخ على غلاف غزة وعلى غوش عتسيون وشمالهما، فإن هذا معناه العودة إلى الحلقة المفرغة من الهجمات الجوية وإطلاق الصواريخ وهلم جراً. وطبعاً إذا وقعت إصابات في الجانب الإسرائيلي لن يكون هناك من مفر أمام نتنياهو سوى إعطاء الأوامر بالدخول البري إلى القطاع.
ماذا حدث في عملية الجرف الصامد؟ إسرائيل عثرت على معظم الأنفاق تحت الأرض ودمرتها، ونجحت في حرمان الحركة سلاحاً استراتيجياً. لكن على الرغم من الحصار المشترك الذي تفرضه إسرائيل ومصر على غزة، وعلى الرغم من تقليص تهريب الصواريخ والأسلحة الأُخرى إلى غزة، أثبتت “حماس” أن لديها قدرة صاروخية لا بأس بها.
جزء من هذه الصواريخ بعيد المدى، مثل الصاروخ الذي أصاب مشميرت، وهو من إنتاج محلي بمساعدة خبرة حزب الله وإيران. والتقدير أن لدى “حماس” والجهاد الإسلامي بضعة آلاف من الصواريخ، بعضها يصل إلى 40 كيلومتراً، وعشرات الصواريخ التي يصل مداها إلى 70-80 كيلومتراً، ومثلها صواريخ تصل إلى 100 كيلومتر أو أكثر. وهذه صواريخ غير دقيقة وصيانتها سيئة، لكن 20 أو 30 كيلوغراماً من الرؤوس الحربية يمكن أن تسبب ضرراً كبيراً، وخصوصاً لدى الإصابة المباشرة.
مع كل التقدير لتكنولوجيا القبة الحديدية يجب ألاّ ننسى نقاط ضعف هذه المنظومة. لا يملك الجيش الإسرائيلي عدداً كافياً من هذه البطاريات لتغطية كل المنطقة الممتدة من غزة حتى الخضيرة. بالإضافة إلى ذلك، فإن مدى الاعتراض للقبة الحديدية هو من 50 إلى 60 كيلومتراً، وهي لا تستطيع اعتراض قذائف راجمات من مسافة قصيرة لا تتجاوز 5-7 كيلومترات.
لقد كان في الإمكان الحؤول دون نشوب هذا التصعيد لو بلورت الحكومة الإسرائيلية استراتيجيا سياسية – أمنية شاملة تقوم على مبادىء تجدّد المفاوضات مع السلطة الفلسطينية لدعم الجمهور الفلسطيني في مواجهة “حماس”. لكن نتنياهو غير معني بذلك. ففي لقاء مع كتلة الليكود قبل أسبوعين قال علناً إن من يعارض قيام دولة فلسطينية عليه أن يؤيد توجّهه حيال غزة. لكن نتنياهو لم يقل حتى الآن علناً إنه تراجع عن تأييده فكرة دولتين لشعبين، وهو يريد تقسيم الشعب الفلسطيني إلى كيانين، واحد في الضفة وآخر في غزة، للقضاء عملياً على الدولة الفلسطينية الواحدة. من أجل تحقيق هدفه فإنه مستعد لمنع تحويل نصف مليار شيكل من العائدات التابعة للسلطة الفلسطينية، وفي الوقت عينه لا يتورع عن دفع أموال إلى “حماس” في مقابل الحصول على هدوء موقت.
لكن حتى لو لم نتدهور إلى حرب شاملة، كما يمكن التقدير من إعلان الجهاد الإسلامي أنه يقبل الوساطة المصرية، فإن المشكلات الأساسية لن تختفي. لكن نتنياهو ليس مستعداً للقيام بخطوة إضافية يمكن أن تؤدي إلى وقف إطلاق النار أو تسوية بعيدة المدى مع “حماس”. كل ما كان عليه أن يفعله هو اتخاذ قرار جريء أنه في مقابل مثل هذا الاتفاق مع الحركة، ستوافق إسرائيل على إعادة إعمار أساسية وشاملة لغزة لتحسين مستوى حياة سكان القطاع.
لكن الحكومة ترفض الموافقة على ذلك، ما دام لم يجرِ التوصل إلى صفقة تبادل جثامين قتلى وإطلاق سراح أسرى. ومثل هذه الصفقة ممكنة إذا استجابت إسرائيل لمطلب “حماس” بإطلاق سراح مئات المخربين. نتنياهو الذي سبق أن وافق على ذلك في صفقة شاليط (إذ أُطلق سراح أكثر من 1000 مخرب) لا يريد أن يرتكب الخطأ عينه، ولذلك كل شيء عالق.

المصدر: صحيفة “معاريف” الإسرائيلية – عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية

Optimized by Optimole