التعاون الصيني الروسي يمنح اليقين للعالم

التعاون الصيني الروسي يمنح اليقين للعالم
Spread the love

شؤون آسيوية- كتب الكاتب والإعلامي الصيني دينغ هنغ مقالة لموقع الميادين باللغة الإنجليزية تناول فيها القمة الأخيرة للرئيسين الصيني شي جين بينغ والروسي فلاديمير بوتين في موسكو، وخلفيات التعاون الروسي الصيني المتنامي.

وقال الكاتب إن المجتمع الدولي قد راقب زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ لروسيا عن كثب. وفي حين أن الكثير من الاهتمام، وخاصة بالنسبة للغرب، ينصب على موقف الصين من الصراع الروسي الأوكراني، فإن مهمة الرئيس شي الأساسية هي زيادة تعزيز علاقات الصين مع روسيا. بالنسبة للصين، من المرجح أن يظل هذا الاتجاه من دون تغيير في المستقبل المنظور بغض النظر عن كيفية حل الأزمة الأوكرانية.

وأوضح الكاتب أن العلاقة الوثيقة بين الصين وروسيا، على عكس التصوّر الغربي، لا تعني أن الصين تدعم روسيا في حرب أوكرانيا أو أن بكين وموسكو تشكلان تحالفاً مناهضاً للغرب يهدف إلى تحدي النظام الدولي القائم. بدلا من ذلك، فإن هذه العلاقة تمنح اليقين للمجتمع الدولي.

وأشار إلى أن التجارة بين الصين وروسيا قد سجّلت مستوىً قياسياً مرتفعاً بلغ 190 مليار دولار في عام 2022، بزيادة تقترب من 30٪ على أساس سنوي. وقد ارتفعت تجارة الصين مع بريمورسكي كراي، وهي جمهورية في التحاد الروسي وأكبر اقتصاد إقليمي في الشرق الأقصى الروسي، بنسبة 43٪. على الصعيد العالمي، لم تشهد تجارة السلع سوى نمو بنسبة أقل من 5٪ العام الماضي، وفقاً لتقديرات منظمة التجارة العالمية. من هنا، من الصعب الإنكار أن التجارة بين الصين وروسيا هي التي دفعت التجارة العالمية إلى الأمام بدلاً من سحبها إلى الخلف.

وأضاف الكاتب الصيني: يميل الغرب إلى النظر إلى التجارة المتبادلة المتزايدة على أنها إشارة إلى أن الصين تمنح، عن عمد، شريان حياة اقتصادياً لمساعدة روسيا في التغلب على العقوبات الغربية بشأن أزمة أوكرانيا. ومع ذلك، فإن هذا السيناريو في الواقع هو نتيجة طبيعية لسنوات من بناء الزخم في التعاون الاقتصادي الثنائي الذي بدأ قبل وقت طويل من اندلاع حرب أوكرانيا.

فعلى سبيل المثال، أولت الصين دائماً أهمية لمنتدى سانت بطرسبرغ الاقتصادي الدولي والمنتدى الاقتصادي الشرقي، وهما حدثان تجاريان رئيسيان يقامان في روسيا سنوياً. وقد حضر شي جين بينغ شخصياً المنتدى الأول في عام 2019 وحضر المنتدى الثاني في عام 2018. ولا شك في أن مثل هذه الفعاليات قد ساعدت في إقامة علاقات تجارية بين الدولتين. تُظهر البيانات التي جمعتها السلطات الروسية أن المستثمرين الصينيين يديرون حالياً أكثر من 1000 منشأة تصنيع في روسيا، مما خلق حوالى 24000 فرصة عمل للعمال الروس. وفي الوقت نفسه، تم تسهيل التجارة البينية من خلال ربط وثيق للبنية التحتية. على سبيل المثال، افتُتح العام الماضي أول جسر للطرق السريعة يربط بين الصين وروسيا، ويمكن أن يستوعب 630 شاحنة شحن و164 حافلة و68 مركبة أخرى يومياً. بدأ بناء هذا المشروع في عام 2016.

ورأى الكاتب أن التواصل بين الصين وروسيا لا يفيد البلدين فقط. ففي الحقيقة، تلعب روسيا دوراً رئيسياً في خط سكة حديد للشحن بين الصين وأوروبا، حيث تمر غالبية خطوط سكك الحديد الحالية عبر روسيا. يستغرق قطار الشحن الذي يغادر من مدينة ووهان بوسط الصين 16 يوماً ليعبر روسيا ويصل إلى مدينة دويسبورغ الألمانية. بالمقارنة، يمكن أن يستغرق الشحن البحري من آسيا إلى شمال أوروبا ضعف هذا الوقت. خلال وباء كوفيد-19، كانت خطوط سكك الحديد هذه بمثابة شريان تجاري بين الصين وأوروبا في وقت تسبب فيه الفيروس في اضطرابات خطيرة في الشحنين الجوي والبحري.

ارتفع إجمالي التجارة بين الصين والاتحاد الأوروبي بنسبة 2٪ فقط في عام 2020، لكن عدد حاويات سكك الحديد التي تعمل بين الصين وأوروبا عبر روسيا شهد زيادة بنسبة 34٪ في العام نفسه. ولربما كانت أوروبا لتشهد اضطرابات تجارية أكثر حدة أثناء الوباء من دون جهود الصين وروسيا المشتركة لضمان التشغيل المستقر لطرق سكك الحديد هذه.

وتابع الكاتب: بصرف النظر عن التجارة، فإن العلاقات الصينية الروسية مهمة للسلام والأمن الإقليميين كذلك. يمكن القول إن البلدين هما العضوان الأكثر نفوذاً في منظمة شنغهاي للتعاون، وقد لعب التنسيق بين بكين وموسكو دوراً أساسياً في ضمان جودة التعاون في إطار منظمة شنغهاي للتعاون. بين عامي 2013 و2017 فقط، تم تجنّب أكثر من 500 هجوم إرهابي محتمل وتم اعتقال أكثر من 2000 إرهابي بفضل التعاون الأمني على مستوى منظمة شنغهاي للتعاون. في الفترة الأخيرة، ساعد هذا التعاون في الحفاظ على بيئة آمنة نسبياً في آسيا الوسطى في أعقاب الانسحاب الأميركي الفوضوي من أفغانستان في عام 2021.

وأوضح الكاتب أن التعاون الأمني بين الصين وروسيا في إطار منظمة شنغهاي للتعاون أو ضمن الآليات الثنائية لا يمثل تحالفاً عسكرياً، وهناك القليل من الدلائل التي تشير إلى أن علاقاتهما الأمنية موجهة إلى أي دولة ثالثة. بالمقارنة، على الرغم من أن حلف شمال الأطلسي (الناتو) له طبيعة تركز على الأمن، فإن وجود التحالف العسكري لم يؤدِ بالضرورة إلى مزيد من الأمن الإقليمي، إذا فكرنا في السبب الجذري للحرب المستمرة في أوكرانيا.

على مدى العقد الماضي، ربما كان اليقين هو السمة الأبرز في العلاقات الصينية الروسية. التقى الرئيس شي جين بينغ والرئيس فلاديمير بوتين ببعضهما البعض شخصياً أو تقريباً لعشرات المرات، وتضاعفت التجارة الثنائية أكثر من الضعف.

وأضاف: في تناقض صارخ، شهد العقد الماضي انتقال الولايات المتحدة من “المشاركة” إلى “الاحتواء” في سياستها تجاه الصين. بعد خطوة الولايات المتحدة هذه، تحولت بريطانيا من الترويج لـ”العصر الذهبي” مع الصين إلى وصفها بأنها “تحدي العصر”. إن مثل هذا التقلّب، على الأقل من وجهة نظر الصين، هو مصدر العديد من الشكوك التي لن يستفيد منها أحد على المدى الطويل. أحد الأمثلة هو الحرب التجارية والتكنولوجية التي تشنها واشنطن ضد الصين، والتي تسبب اضطرابات هائلة في سلسلة التوريد العالمية، وهي ستؤدي بالتأكيد إلى وضع خاسر-خاسر.

وخلص الكاتب الصيني إلى القول إنه صحيح أن بكين وموسكو تتعاونان أحياناً على المسرح الدولي. لكنهما، بدلاً من محاولة تحدي النظام العالمي، فإنها تأملان أن تقولا بشكل مشترك: لا لعدم اليقين الذي ولد من عقلية تجد صعوبة في قبول انحدار الغرب وظهور التعددية القطبية.

نقله إلى العربية بتصرف: هيثم مزاحم
المصدر: الميادين نت

Optimized by Optimole