الإضراب عن الطعام موجّه نحو السجن الذي في الخارج

Spread the love

بقلم: عميره هاس – محللة إسرائيلية لشؤون المناطق الفلسطينية المحتلة —

•إن الإضراب عن الطعام الذي دعا إليه الأسرى الفلسطينيون ويقوده مروان البرغوثي، ينطوي على إمكانية اندلاع تمرد منعش، وتحديداً ليس ضد حيال إدارة السجون. وكما قال بعض ممثلي الأسرى في الخارج، فإن هذا ليس إضراباً معادياً أو أيديولوجياً، بل هو إضراب موضوعه حقوق الإنسان الأساسية التي من حق الأسرى الحصول عليها حتى لو كانوا أسرى أبناء شعب آخر.

•أعطوهم هواتف عامة وضعوا حداً لتهريب حراس السجون للهواتف الخليوية مقابل مبالغ مالية كبيرة. دعوهم يجتمعون بعائلاتهم من دون تكليفهم المشقات المستمرة للحصول على موافقة مرة في السنة، وأعطوهم وقتاً أطول للقاء – وسوف ترون أي تأثير إيجابي سيكون لذلك على الأجواء. ما يحاول أن يقوله الأسرى لإدارة السجون في إسرائيل وللجمهور الإسرائيلي هو أن للطرفين مصلحة في محافظة السجون على مستوى من المنطق في العلاقات داخلها.

•إن التمرد الحقيقي موجّه تجاه الداخل الفلسطيني. يمكن أن نرى في الإضراب محاولة لإيقاظ الجمهور الفلسطيني من قدريته وسلبيته اليائسة إزاء ظلم إسرائيل المتمادي، وإيقاظ زعاماته المتخاصمة ودعوتها إلى عدم التكيف مع الحياة الراهنة وسيادتها المزعومة.

•وهذا ليس سهلاً في عصر الخصخصة. كيف نفسر الإضرابات الفردية عن الطعام سوى أنها خصخصة للصراع؟ وما هي هجمات السكاكين والدهس غير أنها خصخصة للثورة (أو استغلال لها من أجل الهرب من مشكلات شخصية وعائلية، ومن الإحباط وصولاً إلى حد الموت)؟ لقد كانت الإضرابات الفردية للأسرى الإداريين عن الطعام عبئاً على منظمات دعم الأسرى، لكن هذه المنظمات انجرت وراء القلق الطبيعي على حياة الأسرى وصحتهم، ووظفت في هذه الإضرابات الكثير من الوقت والكلام من دون أن تغيّر شيئاً. وأدى الاستخدام المتواصل للإضرابات الفردية عن الطعام، إلى تآكلها تماماً كأداة للتعبئة والتأثير والتغيير.

•إن اعتقال الفلسطينيين دليل على فقدان سياسة إسرائيلية. لكن بالإضافة إلى السجون العادية، أنشأت إسرائيل ولا تزال تنشئ أنواعاً مختلفة من معسكرات الاعتقال للفلسطينيين. وهذا في نهاية المطاف وصف يختصر عملية أوسلو الحقيقية. لقد بنينا مجموعات من السجون، وكلنا – الإسرائيليين واليهود – السجانون. وتجربة السجن – سواء في سجن رسمي أو غير رسمي- هي تجربة مشتركة لدى كل الفلسطينيين.

•لكن مع تفتيت الحيز الفلسطيني بواسطة حيل استعمارية مدروسة طورتها إسرائيل وجملتها وأضافت إليها أطناناً من الوقاحة، طوّرت إسرائيل عشرات الأوضاع المختلفة للاعتقال، وعشرات الوحدات الجيو- اجتماعية مع درجات مختلفة من انعدام الحرية. والذروة هي في غزة، المكان الذي يسجن فيه مليونا شخص سجناً مؤبداً.

•إن التفتيت إلى العشرات من وحدات الاعتقال خلّف داخل كل واحدة من هذه الوحدات وعياً خاصاً للمعتقلين يتلاءم مع درجة الحصار والاعتقال. فمَن كانت درجة اعتقاله منخفضة أكثر (يسافر إلى الخارج لكن لا يحق له الذهاب إلى القدس، نصف أرضه فقط نُهب، وتبعد الأسلاك الشائكة والقاعدة العسكرية كيلومتراً عن منزله بدلاً من نصف كيلومتر)، يعيش تجربة السجن الإسرائيلي بصورة تختلف عن تجربة مواطنة من تل رميضة في الخليل، المعزولة عن العالم الذي يبعد 300 متر عن منزلها. وينتج عن ذلك أن القيادة الرسمية [الفلسطينية] تعيش تجربة اعتقال مخففة. وهكذا، فإن الحاجة إلى التغيير تختلف من سجن إلى آخر.

•لكن حتى في سائر أنحاء البلد (بما فيها إسرائيل ذات السيادة) تتعدد الجدران التي يسجن خلفها الفلسطينيون: الإجراءات البيروقراطية المتغيرة طوال الوقت وبشأن كل شيء، المنطقة “ج”، التعالي، مستوطنون عنيفون، منع الخروج من معبر ألنبي، والإهانات في مطار بن غوريون وغيرها.

•إن الإضراب الحالي هو وسيلة للتحرر من التأثير المدمر للسجون المتعددة في الخارج. والتحدي المطروح هو بناء جماعة المعتقلين بصفتهم الهيئة التي تحدد جدول الأعمال الفلسطيني، والتي تنظر إلى الفلسطينيين في الخارج كمجموعة متفرقة ومفتتة يجب إعادة اللحمة إليها.

المصدر: صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية، ترجمة: نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية

Optimized by Optimole