استراتيجية “حماس” غير المنطقية

قادة حماس
Spread the love

بقلم: رون بن يشاي – محلل عسكري إسرائيلي —

من الصعب جداً فهم الاستراتيجية التي تعمل بموجبها زعامة “حماس”. يحيى السنوار، زعيم الحركة في القطاع ومثله إسماعيل هنية، زعيم الذراع السياسية للحركة، ومحمد ضيف أيضاً، الذي يؤثر كثيراً على الذراع العسكرية، كلهم يعرفون (كما يعرف كل ولد في غزة) أن إسرائيل هي التي تحاول مساعدتهم، والتخفيف من الضائقة الإنسانية من خلال عبور شاحنات محملة بالغذاء والدواء، ومن خلال نقل الوقود بتمويل قطري لزيادة ساعات التزود بالكهرباء في القطاع، وتوسيع منطقة الصيد من ستة ميل إلى تسعة كي يتمكن صيادو غزة من كسب رزقهم وإطعام المواطنين الآخرين.
لكن على الرغم من هذه الأعمال وأعمال أخرى تُبين أن إسرائيل تحاول بكل قواها مساعدتهم وحتى تعلن عن ذلك (مثلاً تضغط على أبو مازن كي لا يوقف كلياً تحويل الرواتب إلى القطاع)، فإن “حماس” تواصل إرسال عناصرها لقطع السياج الحدودي والدخول في مواجهة مع الجنود الإسرائيليين تقريباً في كل ليلة، وإطلاق البالونات الحارقة، وتلويث الجو بدخان الإطارات الأسود، كل ذلك تحت غطاء مواطنين شباب من سكان القطاع يقتلون كي تواصل الحركة حرب الإزعاج الغريبة، التي لا يبدو أن هناك منطقاً لها أو هدفاً حقيقياً يبرر عدد القتلى الذين يسقطون على السياج، ومعاناة سكان غزة، ومعاناة اليهود من سكان غلاف غزة.
لكن من يتابع عن كثب الأحداث في الفترة الأخيرة بما فيها المقابلة “التصالحية” الذي أجرتها “يديعوت أحرونوت” مع السنوار، يبدأ في فهم الصيغة الاستراتيجية الحماسية الجديدة التي تحاول تحقيق ثلاثة أهداف: هدفان سياسيان وهدف عسكري. الهدف السياسي الأول حدده السنوار في المقابلة معه بوضوح وبإيجاز: “نحن نعطي الهدوء مقابل الهدوء ورفع الحصار”.
قصد بذلك أنه مستعد لوقف حرب الاستنزاف على السياج والبالونات الحارقة، وكذلك وقف إطلاق الصواريخ وقذائف الهاون، مقابل فتح المعابر مع إسرائيل والسماح بعبور جميع أنواع البضائع من دون قيود إلى القطاع. المعابر اليوم مفتوحة، والغذاء والدواء والبضائع المدنية تُنقل من دون قيود؛ لكن هذا يجري من خلال تفتيش أمني صارم هدفه منع حصول “حماس” على قدرة تصنيع صواريخ وقذائف هاون جديدة، وشراء مواد من الخارج تهدف إلى تعاظم قوة الذراع العسكرية للحركة من دون القيود المفروضة اليوم، بما فيها تشديد الرقابة الصارمة على انتقال مواد البناء بهدف منع تحويلها إلى الأنفاق التي يحفرها عناصر “حماس” بدلاً من استخدامها في إعادة إعمار منازل المدنيين في القطاع.
يقول يحيى السنوار ببساطة: لا تزعجوا تعاظم قوتي، لا أزعجكم على السياج، ولا بالبالونات الحارقة. سيسيطر الهدوء عدة سنوات حتى أنجز بناء القوة العسكرية بواسطة البضائع، بما فيها الطائرات الصغيرة المسيرة والمعدات الإلكترونية التي ستنقلونها لي، حينها نبدأ من جديد المواجهة العنيفة. إن الهدف من أعمال الشغب على السياج والقتل اليومي هو الضغط على إسرائيل للموافقة على هذه الصيغة التي تلاقي صداها الإيجابي لدى الأسماع الدولية التي لا تعرف لغة “حماس” المزدوجة. في برلين، مثلاً، لا يعرفون أن كلمتي “رفع الحصار” معناها بالنسبة إلى “حماس” قبل كل شيء إفساح المجال للصناعة العسكرية الغزاوية كي تتعاظم من دون قيود.
الهدف السياسي الثاني لـ”حماس” هو دفع إسرائيل بواسطة حرب الاستنزاف اليومية إلى الضغط على أبو مازن لمنعه من تنفيذ تهديداته بالتوقف كلياً عن دفع الرواتب لموظفي السلطة و”فتح” في قطاع غزة. تتخوف “حماس” بشدة من أن ينفذ أبو مازن تهديداته، وإذا فعل ذلك ستتفاقم الضائقة عشرات المرات. تريد “حماس” أن تقوم إسرائيل بالمهمة من أجلها لأن موفد الأمم المتحدة ومصر فشلا فيها.
لكن الأكثر أهمية هو الهدف العسكري للاضطرابات على السياج واستمرار حفر الأنفاق. الاضطرابات على السياج في النهار والليل تتضمن قطع السياج تحت غطاء دخان الإطارات ودفع الثمن المتمثّل بخسارة أرواح بين أعضاء الحركة أو الأولاد الذين يحتمون بهم. ليس ما يجري هو تعبير بريء عن اليأس الفظيع، بل خطوات هدفها “تعويد” إسرائيل على هذا النمط من التحرك، إلى أن يأتي يوم تقرره “حماس” يخترق فيه عناصر الحركة من عشرات المواقع وتحت غطاء تظاهرات يشارك فيها آلاف المدنيين السياج إلى داخل إسرائيل، ويستولون على مواقع القناصة ويخطفون عدداً من الأشخاص المتواجدين فيها ويعودون أدراجهم إلى القطاع مع مخطوف أو اثنين (أو جثة)، وربما يحاولون أيضاً الحصول على “غنيمة” مشابهة في مستوطنة قريبة من السياج، ناحل عوز، مثلاً.
في الأسابيع والأيام الأخيرة يتدربون في “حماس” على عملية التسلل هذه في عدة أماكن، تقريباً من دون توقف، على افتراض أن الجيش سيصبح لامبالياً ولن يكتشف اليوم المحدد الذي سيجري فيه الهجوم الفعلي. تحاول زعامة “حماس” في الحقيقة تكرار سيناريو التضليل المصري الذي سبق حرب يوم الغفران: طوال أشهر قبل يوم عبور القناة، تدرب المصريون على “البر” بالقرب من خط المياه في القناة؛ رأيناهم يستخدمون خراطيم على المنحدرات التي بنوها، ولم نفهم لماذا.
رأينا المصريين يتنقلون في سيارات برمائية بالقرب من قناة السويس، وينطلقون بها نحو القناة ثم يعودون. وكنا نغرق في الضحك عليهم. وحتى الإعداد للعبور موّهه المصريون كمناورة واسعة النطاق في منطقة القناة، والبقية معروفة. “حماس” ليست الجيش المصري، لا في ذكائه ولا في قدراته، لكنها تقوم في هذه الأيام بالإعداد لعملية تسلل واسعة من عدة مواقع في السياج الحدودي بهدف خطف جنود ومدنيين والتسبب بأذى، إذا لم تنجح الوسائل التي تستخدمها. إن مواقع القناصة التي تقع على مسافة 20 متراً من السياج هي الهدف المباشر لعمليات التسلل، ويجدر من الآن أن نستعد لها. لكن ليس هذا كل الخطة العسكرية.
كما ذكرنا، في منتصف الأسبوع الماضي كشف الجيش عن نفق هجومي جديد تسلل الى داخل أراضينا. استخدم هذا النفق لهدفين: الأول اختبار ما إذا كان استخدام مواد بناء معينة في النفق سيجعل من الصعب على عناصر “المختبر التكنولوجي” في الجيش العثور عليه. تقدّر “حماس” أن الجيش يعثر على الأنفاق بواسطة مواد أو أدوات يجري استخدامها في بنائها، وهي تواصل بناء النفق كي تختبر، من بين أمور أخرى، إذا كان هناك وسيلة لاستخدام مواد من الصعب على الجيش الإسرائيلي اكتشافها.
لكن الهدف الثاني الذي من أجله تواصل “حماس” بناء أنفاق هجومية هو أن يكون لديها عدة أنفاق يمكن استخدامها إذا شن الجيش هجوماً ودخل إلى القطاع. هذه الأنفاق القتالية موصولة بأنفاق هجومية، وفي استطاعة مقاتل “حماس” دخل إلى نفق في وسط خان يونس الوصول إلى نفق هجومي، ومن خلاله التسلل إلى داخل إسرائيل ما وراء السياج.
النفق الذي اكتُشف هذا الأسبوع كان من هذا النوع تحديداً: فقد تسلل تحت الأرض مسافة 200 متر داخل أراضي إسرائيل، لكنه كان مربوطاً بشبكة أنفاق موصولة بأنفاق قتالية داخل القطاع بحيث تسمح لـ”حماس” بخلق وضع لن تجد فيه دبابات الجيش عندما تتقدم داخل القطاع سوى مدنيين وليس مقاتلين، لكن في هذا الوقت تحديداً، من وراءها وفي داخل أراضي إسرائيل – سيخرج عناصر “حماس” من الأنفاق الهجومية ويتحركون خلفها في مناطق الدخول [إلى القطاع] ضد المستوطنات وبطاريات القبة الحديدية.
هذه على ما يبدو الخطة، لذلك تواصل “حماس” حفر أنفاق هجومية على الرغم من معرفتها أنها ستخسر معظمها بعد وقت غير طويل. هي تريد أن تكون مستعدة للحرب هنا والآن ولذلك تواصل حفر أنفاق هجومية وربطها بشبكة أنفاق داخلية في القطاع من أجل خلق منظومة تحت الأرض تسمح لها بالالتفاف وراء قوات الجيش الإسرائيلي، إذا دخلت هذه القوات في عملية كبيرة أخرى ضد القطاع.
يواصلون في “حماس” الاستعداد لهجوم، كما يواصلون حرب استنزاف على السياج لأنهم واثقون بأن إسرائيل حالياً لن تدخل في حرب ضدهم في المرحلة الحالية. لقد نجح كبار المسؤولين في المجلس الوزاري المصغر والمؤسسة الأمنية في إقناعهم بأن إسرائيل لا ترغب في حرب، ويراهن يحيى السنوار على أن الجيش يتخوف من خسائر كبيرة إذا بدأ عملية كبيرة في غزة، وخصوصاً أن زعامة الحركة مقتنعة بأن إسرائيل متورطة حالياً في الشمال مع الروس والإيرانيين، وليست مستعدة للقتال على جبهتين.
يحاول وزير الدفاع أن يوضح لزعامة “حماس” أنها على خطأ؛ ويحاول أن يخلق معادلة مفادها أنهم إذا واصلوا استعداداتهم القتالية وحرب الإزعاج ضد غلاف غزة، فإنهم سيخسرون المساعدة الإنسانية التي نحن وحدنا نقدمها لهم. إذا لم يفهموا التلميح، فإن هذا سيؤدي إلى ضربة عسكرية قاسية. لكن بالاستناد إلى التجربة ستواصل “حماس” شد الحبل حتى يحدث شيء ما يدفع إسرائيل إلى تغيير سياسة ضبط النفس التي تنتهجها حالياً. وإذا حدث ذلك، فإن “حماس” ستتلقى ضربة قوية جداً، وليس بالطريقة التي تعتقدها.

المصدر: موقع Ynet الإسرائيلي، عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية

Optimized by Optimole