إسرائيل ستضطر إلى التعوّد على واقع تكون فيه سورية الجبهة الأمامية لإيران

Spread the love

بقلم: تسفي برئيل – معلق سياسي إسرائيلي —

•ثمة شك في أن يكون بنيامين نتنياهو عاد من موسكو مع خبر جيد، وثمة شك أكبر في أن يكون حصل على تعهد من الرئيس بوتين بإخراج القوات الإيرانية من سورية، أو تقييد وجودها هناك. ليس هذا لأن بوتين لا يريد ذلك، فهو بالتأكيد يريد طرد منافسه الذي يتحدث الفارسية، لكن ببساطة لأنه لا يقدر. ليس هناك بين إيران وروسيا علاقات انصياع كما تبدو العلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة. هاتان الدولتان، الأولى دولة عظمى فعلاً والثانية تسعى إلى أن تكون دولة عظمى إقليمية، وهما تتعاونان في سورية ليس حباً ولكن بالإكراه.
•إن الفجوة الاستراتيجية بينهما (كي لا نتحدث عن الفجوة الأيديولوجية)، كبيرة جداً. تسعى روسيا إلى التوصل إلى حل سياسي يتيح لها التأثير في سورية من بعيد، وإخراج قواتها من المنطقة، والحصول على حصة اقتصادية في إعادة إعمار الدولة. وتريد إيران الخروج من عزلتها الشرق أوسطية وترسيخ وجودها في المنطقة. ليس ترسيخ وجودها عبر تنظيمات تدور في فلكها كما فعلت في لبنان عندما ساعدت في اقامة حزب الله، أو في اليمن مع الحوثيين، أو بالطريقة التي حصلت فيها على نفوذ في غزة بواسطة “حماس”، فقد حصلت هذه المرة على رصيد سياسي وهي لا تنوي التنازل عنه. هذا لا يعني أنها ترى في سورية منصة لإطلاق الصواريخ في اتجاه إسرائيل، أو أن كل حساباتها تدور حول قدرتها على مهاجمة إسرائيل، بل هي تسعى إلى الحصول على مكانة شرعية في العالم وليس فقط في الشرق الأوسط. وهذا التطلع إلى اكتساب الشرعية لا يمكن أن يشمل هجوماً مباشراً على دولة، خاصة إذا كان اسمها إسرائيل.
•إذا كانت إيران في الماضي اكتفت بالوصول إلى دول لم ترغب في مصافحتها، فهي حالياً تريد نفوذاً. وهذه الاستراتيجية يمكن أن تضمن عدم خرق إيران للاتفاق النووي على الرغم من تهديدها بالخروج من الاتفاق إذا لم تف الولايات المتحدة بتعهداتها وفقاً للاتفاق كما تفسره إيران. إن هذا الاتفاق هو الذي منح إيران شهادة دولية بأنها دولة عقلانية يمكن التوقيع معها على اتفاقات دولية يستطيع الغرب أن يحصل بواسطتها على أرباح اقتصادية هائلة. ومن هنا فإن أي نزاع أميركي مع إيران سيجر نزاعاً بين الولايات المتحدة وبين أوروبا وروسيا والصين وسائر الدول التي تنتظر هي أيضاً فتح السوق الإيرانية أمامها.
•في سورية نفسها تمركزت إيران في العامين الأخيرين في خمس جبهات منحتها موقعاً في جميع المناطق الاستراتيجية، من درعا والسويداء في الجنوب، مروراً بمشارف دمشق وإدلب في الوسط، وحلب ومنطقة الحسكة في الشمال، وكذلك على طول الحدود بين سورية والعراق في منطقة دير الزور. ووفقاً لتقارير مصدرها منظمة “مجاهدي خلق” التي تبين أن تقاريرها بشأن الصناعة النووية الإيرانية كانت دقيقة للغاية، تحتفظ إيران بنحو 70 ألف مقاتل في سورية، بعضهم يشكل جزءاً من الوحدات النظامية للحرس الثوري والجيش الإيراني، وجزء آخر هو ميليشيات خاضعة للقيادة الإيرانية مثل حزب الله، والميليشيات الشيعية التي جاءت من العراق، ووحدات من متطوعين أفغان وباكستانيين من الذين يعيشون كلاجئين في إيران وأُرسلوا إلى الجبهة لمساعدة عائلاتهم اقتصادياً، وميليشيات محلية جنّدها الحرس الثوري.
•جميع هذه القوات كان يقودها الجنرال حسين همداني الذي قُتل في العام 2015، وحل مكانه الجنرال جعفر أسدي الذي كان قائداً للقاعدة اللوجستية الإيرانية في سورية بالقرب من مطار دمشق، وهي قاعدة مركزية لقيادة القوات الإيرانية. وقد حصلت القوات الإيرانية وتلك المتفرعة عنها على قواعد كانت للجيش السوري أو منشآت مدنية، مثل الجامعة التي تقع على بعد نحو 60 كيلومتراً بين دمشق والسويداء، والتي حولها الإيرانيون إلى منصة لإطلاق صواريخ سام -1 المضادة للطائرات. وتحتفط إيران بالقرب من الحدود التركية بقاعدة للقوات المدرعة، وفي منطقة الشيباني بالقرب من دمشق، تعمل قوات النخبة في الحرس الثوري مهمتها الدفاع عن القصر الرئاسي إذا ما وقع هجوم عليه.
•هذه التقارير صحيحة حتى نهاية العام 2016، ومنذ ذلك الحين قرر المرشد الأعلى في إيران، علي خامنئي، زيادة القوات وإرسال قادة كبار إضافيين لترسيخ البنية التحتية العسكرية في سورية. قبل عامين طالب محسن رضائي، الذي كان قائداً للحرس الثوري خلال فترة حرب إيران – العراق (1980- 1988) بالعودة إلى صفوف الحرس. ورضائي الذي ترشح أكثر من مرة للرئاسة وخسر، عُين مؤخراً مستشاراً لقاسم سليماني (قائد فيلق القدس في الحرس الثوري) لشؤون سورية، والهدف من هذا التعيين تقوية مكانته السياسية في إيران أكثر من القيام بعملية عسكرية ما، لكن هذا يشير إلى مكانة سورية كجزء من صياغة الاستراتيجية العسكرية لإيران، إلى حد أن سياسياً كبيراً مثل رضائي يعطي أهمية كبيرة للمشاركة في تخطيط المعركة في سورية.
•لقد كبد هذا الانتشار المكثف للقوات إيران خسائر كبيرة يمكن معرفتها بصورة أساسية مما ينشر عن الجنازات أو من خلال الأخبار التي يجري تناقلها على ألسن الناس. وفي غياب أرقام رسمية، التقدير هو أن ما لا يقل عن 500 مقاتل إيراني، لا ينتمون إلى حزب الله أو الميليشيات الأخرى، قُتلوا حتى الآن في سورية. لكن إيران لم تتكبد فقط خسائر في الأرواح. لقد اضطرت قواتها في بعض الجبهات إلى الانسحاب بضغط روسي، وأيضاً تقلص ثقلها في جزء من المناطق الأمنية التي تقام بمبادرة روسية وبالتنسيق مع الولايات المتحدة، وخاصة في الجبهة الجنوبية التي تهم إسرائيل والأردن. لن تشرف إيران على المنطقة الأمنية في الجنوب، فالذي سيقوم بهذه المهمة رجال شرطة عسكرية روس، وأيضاً في المناطق الكثيفة سكانياً ستضطر إلى تقديم تنازلات، خاصة إلى تركيا التي تطالب بالمشاركة في الرقابة بسبب قرب هذه الأماكن من المناطق الكردية. لكن هذه التحركات التكتيكية لا تغير استراتيجياً جوهر الوجود الإيراني على الأرض.
•إذا دارت المعركة العسكرية والسياسية في سورية بطريقة تسمح بمواصلة إعطاء روسيا مكانة مركزية في توجيه العمليات السياسية، وفي وقف إطلاق نار محلي، وفي إقامة مناطق أمنية خاضعة للسيطرة الروسية (أيضاً بتنسيق أميركي غير فاعل)، فإن إيران تستطيع أن تضمن لنفسها من خلال تمركزها في سورية وضعاً مؤثراً في الشرق الأوسط العربي. ليست الحرب في سورية هي وحدها التي تدفع قدماً بمكانة إيران، بل إن إيران تحسن أيضاً الاستفادة من الأزمات الأخرى. مثلاً قبل أول من أمس قررت قطر إعادة سفيرها إلى طهران، والاستئناف الكامل لشبكة العلاقات الدبلوماسية معها. وإعادة السفير هي خطوة تظاهرية لأن العلاقات بين الدولتين لم تنقطع فعلاً، والتعاون الاقتصادي والعسكري بين قطر وإيران بقي على حاله. علاوة على ذلك، خلال الـ80 يوماً من الحصار الذي فرضته السعودية ودول اتحاد الإمارات والبحرين ومصر على قطر، كانت إيران هي التي منحت قطر حق العبور الجوي ونقلت إليها شحنات غذاء ومواد أخرى. وبذلك أوضحت إيران للسعودية وسائر دول الخليج أنهم إذا اعتقدوا أن العقوبات الاقتصادية ستؤدي إلى قطيعة مع إيران (وكذلك مع تركيا)، فإن ما حدث هو العكس.
•لقد كان من الصعب منذ البداية افتراض أن مثل هذه العقوبات ستجدي، لأن إيران وقطر شريكتان في أكبر حقل للغاز في الشرق الأوسط، ويكفي هذا لتعزيز العلاقات بينهما. وحتى موفدو ترامب الذين أرادوا التوسط بين دول الخليج وقطر، فهموا أن مطالب السعودية مستحيلة. وما لم تتخلّ دول الخليج عن مطالبها التعجيزية، ستواصل قطر التصرف بصورة مستقلة. وما يثير الاهتمام بصورة خاصة هو عدم تدخل روسيا في أزمات تعترف فيها بضعفها. لا تستطيع روسيا التأثير على السعودية في مسائل عربية داخلية، وقطر ليست واقعة تحت تأثير موسكو. ومن هنا أيضاً استنتاج مدى قدرة روسيا على التأثير في سلوك إيران في المنطقة، سواء في ما يتعلق بالحرب في اليمن أو في سورية، خاصة أن لروسيا مصالح استراتيجية واقتصادية تدفعها إلى عدم الاختلاف مع إيران، أو الدخول في مواجهة مع طهران بشأن موضوع يهم إسرائيل والولايات المتحدة.
•ما تستطيع روسيا أن تفعله هو مطالبة إيران بالامتناع عن القيام بأي عمل يمكن أن يعرض بشار الأسد ونظامه للخطر، أو تصرف يلحق الضرر بالعملية السياسية التي تعمل روسيا على دفعها قدماً، أو فتح جبهة إضافية في مواجهة إسرائيل في الأراضي السورية. ويمكن أن تتضمن هذه المطالبة، مثلاً، اتفاق على نوع السلاح – خاصة الصواريخ – الذي تستطيع إيران نشره في سورية، أو محاولة تقييد مناطق انتشارها هناك. ونظراً إلى أنه من مصلحة الدولتين المحافظة على نظام الأسد، فإن هذه الحجة يمكن أن تساعد روسيا في إقناع إيران.
•لقد امتنعت إسرائيل حتى الآن عن إعلان أنها تعتبر نظام الأسد مسؤولاً عن انتشار قوات إيران والسلاح المتطور على أرض سورية كما درجت على ذلك بشأن لبنان، وهي بذلك تضعف من التهديد الذي يمكن أن يؤثر على إيران. لكن حتى لو هددت إسرائيل الأسد علناً، فثمة شك في أن يكفي هذا التهديد لردع إيران، ولا سيما أن هذه الأخيرة تسعى إلى إقامة توازن ردع في مواجهة إسرائيل مثلما فعلت في لبنان. ويبدو أن إسرائيل ستضطر إلى التعايش مع واقع تحول سورية إلى الجبهة الأمامية لإيران، والاعتماد على وعود (وليس التزامات) روسية، وكل هذا من دون دعم الإدارة الأميركية، التي تقطع بخطوات سريعة علاقتها مع الجبهة السورية.

المصدر: صحيفة هآرتس الإسرائيلية، عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية