إسرائيل تتوقع فترة توتر مع لبنان

إسرائيل تتوقع فترة توتر مع لبنان
Spread the love

بقلم عاموس هرئيل – محلل عسكري إسرائيلي —

الحادثة التي وقعت في سماء سوريا مساء يوم الخميس وصوّرتها وسائل الإعلام العربية بصورة دراماتيكية، تبدو لاحقاً كحادثة صغيرة نسبياً. فقد اكتشفت منظومة الدفاع السورية ما اعتبرته حركة غريبة لطائرات إسرائيلية في جنوب سورية. فأطلق السوريون عشرات الصواريخ المضادرة للطائرات، وبخلاف ادعاءاتهم لم تُصَب أي طائرة إسرائيلية ولا أي صاروخ إسرائيلي. لم يصدر في سورية بيان ذو صدقية تحدث عن أضرار نتيجة الهجوم الإسرائيلي- وحتى روسيا لم تكلف نفسها عناء الإدانة، أو التطرق بصورة رسمية إلى الأحداث.
لقد سقطت شظايا أحد الصواريخ السورية المضادة للطائرات في هضبة الجولان، في الجانب الإسرائيلي من الحدود، من دون أن يؤدي إلى أضرار. ومثل عدد من المرات الأُخرى في الفترة الأخيرة، بدا ذلك كردّة فعل مبالغ فيها وغير مضبوطة من الجانب السوري أدت في مناسبة سابقة، في 17 أيلول/سبتمبر، إلى إسقاط طائرة استخبارات روسية عن طريق الخطأ.
وقعت الحادثة قبل ساعات قليلة من التصريح الاستثنائي لرئيس الاستخبارات العسكرية السابق، عاموس يادلين، الذي يرأس اليوم معهد دراسات الأمن القومي، إذ قال في مقابلة أجرتها معه إذاعة 103 FM إن تغييراً طرأ في الأسابيع الأخيرة على السلوك الإيراني في المنطقة. “بالإضافة إلى أن الروس غاضبون منا ويتجاهلوننا، أعتقد أنهم نقلوا رسائل شديدة اللهجة أيضاً إلى إيران، تقول إن تمركزهم العسكري ومصانع صواريخهم في سورية عوامل تضر بمحاولة إعادة الاستقرار إلى سوريا”. وتابع: “سوريا غير مستقرة لا تناسب روسيا. لقد انخفضت الهجمات الإسرائيلية إلى الصفر تقريباً، وفي تقديري ليس لأننا نريد ذلك ، بل لأن الإيرانيين غيروا التكتيك. وهم ينقلون كل شيء إلى لبنان”.
عبّر يادلين علناً عمّا سبق أن لمّح إليه عدد من كبار المسؤولين الإسرائيليين مؤخراً: بسبب التغييرات في سوريا، ينتقل أغلب الصراع بين إسرائيل وإيران إلى دولة أُخرى. وإسرائيل، كما قال رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو في خطابه في الأمم المتحدة في أيلول/سبتمبر الماضي، قلقة من جهود إيران وحزب الله في إقامة خط إنتاج سلاح دقيق في لبنان. وفي جزء من الرحلات القادمة من طهران إلى بيروت يجري تهريب هذه الوسائل جواً، بدلاً من نقلها براً عن طريق سوريا.
تتبدى في لبنان تغييرات تشغل بال متخذي القرارات في إسرائيل: محاولة إقامة مصانع سلاح دقيق؛ التدخل الروسي العميق فيما يحدث في لبنان، بعد استكمال المظلة الجوية لمنظومة الصواريخ المضادة للطائرات الروسية في سوريا؛ عودة قسم من مقاتلي حزب الله من سوريا إلى لبنان بعد اضمحلال الحرب الأهلية هناك وتغيير انتشارهم في لبنان؛ مواصلة تحسين العائق الإسرائيلي في أجزاء من الحدود مع لبنان، الذي سيصل قريباً إلى مناطق هي موضع خلاف بين الطرفين، بالقرب من رأس الناقورة. إسرائيل أعلنت أنها تنوي مواصلة بناء الجدار هناك على الرغم من التحذيرات اللبنانية. ثمة شك كبير في أن حزب الله يسعى الآن لحرب مع إسرائيل، لكن تعزيز القدرات الهجومية للحزب في الحرب الأهلية السورية، وعودة قسم من وحداته إلى لبنان، يقلقان الجيش الإسرائيلي.
في الوقت عينه، تزداد الشكوك في الجانب اللبناني بشأن الخطط الإسرائيلية التي تُترجم إلى تهديدات متبادلة. في نهاية الأسبوع بث حزب الله شريطاُ تهديدياً، ظهرت فيه صور جوية لمنشآت في إسرائيل، بينها منشأة الكرياه في تل أبيب. وقد أرفق الحزب الفيلم بكتابة بالعبرية تقول: “إذا تجرأتم على الهجوم – ستندمون”. رد الناطق بلسان الجيش بحدة باللغة العربية على وسائل التواصل الاجتماعي “من يقطن في بيت من زجاج – يجب ألاّ يرشق حجارة”.
كل هذه الأمور تجري بعد أقل من أسبوعين على خطاب نتنياهو الذي حذّر فيه من فترة أمنية عاصفة. كان لهذا الكلام خلفية سياسية، هي محاولة إبقاء وزراء البيت اليهودي في الحكومة بعد استقالة حزب إسرائيل بيتنا- لكن هذا الكلام أثار أيضاً تساؤلات بشأن نوايا هجومية محتملة لإسرائيل. ولأن موقف نتنياهو من غزة واضح للغاية – يريد الحؤول قدر الإمكان دون حدوث حرب مع “حماس”، فإن أغلبية الاهتمام تحوّل نحو حزب الله.
في هذه الأثناء، صادقت الحكومة على تمديد ولاية رئيس الأركان غادي أيزنكوت أسبوعين إضافيين أكثر مما كان مخططاً له، حتى منتصف كانون الثاني/ يناير. وبعد وقت قصير صدر بيان بشأن إلغاء زيارة رئيس الأركان إلى ألمانيا. يبدو أن الذين يربطون بخط مستقيم بين هذه النقاط يستبقون الأمور. تمديد مدة ولاية رئيس الأركان أسبوعين لم يجرِ بسبب حرب متوقعة، ومن المعقول أنه لو كان جرى التخطيط لمثل هذه الحرب، فإن الجيش لم يكن ليعلن شيئاً عن تمديد الولاية.
التفسير المعقول أكثر أنه من المتوقع فترة متوترة، على خلفية التغييرات في الشمال وجهود تعاظم تسلح حزب الله، لكن لسنا هنا إزاء مسار حتمي يؤدي بالضرورة إلى حرب. يجب أيضاً أن نتذكر أن إسرائيل وحزب الله اختبرا فترات توتر مشابهة في السنوات الأخيرة. ومع ذلك نجحا في المحافظة على 12 عاماً من الهدوء التام منذ انتهاء حرب لبنان الثانية [حرب تموز/يوليو 2006].

المصدر: صحيفة هآرتس الإسرائيلية، عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية

Optimized by Optimole