إذا نجحت صفقة القرن مع إيران، فإن هذا مدعاة للسرور في تل أبيب ودمشق

Spread the love

بقلم تسفي برئيل – محلل سياسي إسرائيلي —

•يحتل علي أكبر ولايتي مكانة خاصة في إيران. فهو الموفد السري لعلي خامنئي في كل مرة يحتاج فيها المرشد الأعلى إلى شخص يثق به، ويكتم السر، حكيم، محافظ، ويعرفه جيداً. لقد شغل ولايتي (73 عاماً) منصب وزير الخارجية طوال أكثر من 16 عاماً خلال ولاية رؤساء محافظين وأقل محافظة، ويعرف جيداً أغلبية رؤساء العالم.

•هذا هو الرجل الذي أرسله خامنئي هذا الأسبوع إلى موسكو خلال زيارة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو. وقد أشار البيان الرسمي الصادر عن إيران إلى أن زيارة ولايتي إلى روسيا هي من أجل التحاور مع الرئيس فلاديمير بوتين بشأن “مشكلات المنطقة والتعاون بين روسيا وإيران”. في ظروف أُخرى أقل حساسية كانت المهمة ستُلقى على عاتق وزير الخارجية محمد جواد ظريف، لكن ظريف الذي أدار مفاوضات الاتفاق النووي بحرفية كبيرة، ليس هو من يحدد استراتيجيا ولا من يفرض سياسة إيران. بالإضافة إلى ذلك هو وروحاني ينتميان إلى التيار الإصلاحي. والآن، في الوقت الذي تقف إيران على مفترق قرارات أساسية حاسمة تتعلق بمستقبل دولة إيران، دخل ولايتي إلى الصورة.

•بحث ولايتي موضوعين أساسيين في اجتماعه مع القيادة الروسية. الأول المطالبة الإسرائيلية بانسحاب جميع قوات إيران من سورية أو على الأقل انسحابها إلى عمق سورية، وابتعادها عن الحدود الإسرائيلية. والثاني، العقوبات التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترامب على إيران. الموضوعان ليسا منفصلين عن بعضهما البعض. وإذا كان ترامب يعتبر خطة حل النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني “صفقة القرن”، فإن مكانة إيران هي “الصفقة الإقليمية” الأهم.

•تؤثر العقوبات الأميركية بصورة دراماتيكية في وضع الاقتصاد الإيراني. فقد بدأت شركات أوروبية في تقليص نشاطاتها في إيران أو تجميدها، بينها شركات نقل بحري مثل مارسك الدانماركية التي انضمت إليها هذا الأسبوع الشركة الثالثة من حيث الحجم في النقل البحري، CGM CMA. وقد أعلنت الهند وكوريا الجنوبية واليابان تقليص شرائهم النفط من إيران. وحتى الآن لم تنجح دول الاتحاد الأوروبي، التي تحاول إنقاذ الاتفاق النووي، في بلورة سياسة موحدة ضد العقوبات الأميركية. وحتى لو نجحت هذه الدول في وضع خطة تضمن أموال الشركات الكبرى، فإن حكومات أوروبا لا تستطيع أن تبدد تخوف هذه الشركات من العقوبات الأميركية.

•تعتبر خسارة أسواق النفط في مطلع تشرين الثاني/نوفمبر القادم هي المشكلة الكبرى لإيران، وحتى إذا كانت تقدّر أن خروجها من السوق سيؤدي إلى ارتفاع كبير في أسعار النفط، إلاّ إنها تدرك أنها تقف في مواجهة ائتلاف لا يرحم تنشط فيه معاً السعودية وروسيا. الأولى تعهدت بزيادة إنتاج نفطها من أجل تعويض 2.5 مليون برميل، وهو ما تستخرجه إيران يومياً. وأعلنت روسيا التي وقّعت صفقة غاز مع السعودية أنها ستزيد كميات نفطها. لقد وجد ولايتي نفسه في موقف محرج كأنه يستجدي من أجل مصلحة بلاده الرئيس الروسي الذي يستعد للقمة التي ستُعقد بعد 3 أيام مع نظيره الأميركي، والتي سيطالب فيها برفع العقوبات التي فُرضت على روسيا بعد الحرب في أوكرانيا واحتلال شبه جزيرة القرم.

•في جولة اللقاءات هذه لا توجد هدايا مجانية. ليس من الواضح إذا ما كان ترامب سيوافق على رفع العقوبات عن روسيا، الأمر الذي يشجعه عليه كل من السعودية وإسرائيل ودولة الإمارات العربية المتحدة، بحسب التقرير الذي نشرته مجلة النيويوركر. وإذا تحرك ترامب في هذا الاتجاه كما يلمح مؤخراً في بعض تصريحاته، فإنه سيطلب من روسيا العمل على انسحاب القوات الإيرانية من سورية أو على الأقل إلى مسافة 80 كيلومتراً عن الحدود مع إسرائيل.

•تشير التقارير التي وصلت من موسكو بعد اجتماع بوتين مع نتنياهو إلى أن روسيا تنوي فعلاً العمل عن انسحاب القوات الإيرانية في مقابل تعهد إسرائيلي بعدم المس بالأسد وبنظامه. بيد أن الموافقة الإسرائيلية على الشرط الروسي ليست دراما كبيرة. إذ أنه على الرغم من تصريحات وزراء في إسرائيل هددوا بالمس بالنظام السوري، فإن لإسرائيل مصلحة في استمرار بقاء الأسد، وسيطرته الكاملة على سورية، وعودة تطبيق الاتفاقات التي وقّعها والده سنة 1974. صحيح أن إسرائيل تعارض دخول قوات الأسد إلى الجولان السوري للسيطرة على ما تبقى من الميليشيات التي تنشط هناك، لكنها ستوافق على أن تقوم قوات شرطة روسية بالعمل في الجولان حتى نشوء الظروف التي تسمح بعودة مراقبي الأمم المتحدة إلى المنطقة.

•هذا التعهد الذي لا يكلف إسرائيل شيئاً ربما يمكن أن يضع بين يدي بوتين ذخيرة سياسية عندما سيسعى إلى إقناع إيران بالانسحاب. مع ذلك، إسرائيل تطالب بالمزيد. وبحسب مصادر دبلوماسية غربية، فهي تطلب من روسيا وضع خطة سياسية لما بعد الحرب، يمنع تحوّل سورية إلى دولة لانتقال السلاح من إيران إلى حزب الله. المقابل الإسرائيلي الفعلي الذي يمكن أن تحصل عليه روسيا من المتوقع أن يأتي من واشنطن التي يجب على إسرائيل أن تقنعها بالتحضير لمصالحة دولية مع روسيا، وربما بالبدء بإلغاء جزء من العقوبات.

•في مواجهة مثل هذا السيناريو، تملك إيران عدداً قليلاً من الأوراق. في إمكانها إعلان انسحابها من الاتفاق النووي ومعاودة تخصيب اليورانيوم، الأمر الذي سيتسبب بخلاف علني مع روسيا ومع حليفتها المهمة الصين، وبمواجهة التهديد بهجوم عسكري مجدداً. احتمال آخر هو الموافقة على الانسحاب من الحدود الإسرائيلية وسحب جزء من قواتها من سورية، لكن هذه الخطوة ستبقيها تحت نظام العقوبات الأميركية والأزمة الاقتصادية التي ستزاداد عمقاً. الخيار الثالث هو الذي يتحدث عن موافقة إيران على إبعاد قواتها عن الحدود، مقابل أن تجري مفاوضات بشأن اتفاق آخر يعالج مشروع الصواريخ الباليستية الذي لن يحل بالضرورة محل الاتفاق النووي. هذه الخطة قد تحظى بتأييد روسي وأوروبي ويمكن أن تلبي مطلب ترامب وإظهاره كبطل سياسي لم يركع أمام إيران، بل أجبرها على إحناء رأسها.

•المشكلة في هذه الاحتمالات أن ما يمكن أن يرضي ترامب ونتنياهو لا يزال بعيداً عما تريده إيران. وكما أن سياسة إسرائيل تفرضها الضغوط السياسية، كذلك الأمر أيضاً في إيران حيث ميزان القوى الداخلي هو الذي يحدد النتائج على الأرض.

•هذا هو مفترق الطرق الذي في إمكان مصالحة روسية – أميركية فيه تؤدي إلى تنسيق سياسي بينهما أن تحدد ما ستقدم عليه إيران من خطوات. عندما يصرح كبار المسؤولين في الإدارة الأميركية أنهم لا يسعون لإسقاط النظام في إيران، وعندما يدافع الروس عن الأسد، حليف إيران الذي يضمن نظامه استمرار نفوذها هناك، حتى من دون وجود عسكري لها في أراضيه، ثمة فرصة كبيرة لسيناريو يمكن أن تؤدي الخطوات الدبلوماسية فيه إلى نتائج ترغب فيها إيران والغرب وإسرائيل.

المصدر: صحيفة هآرتس الإسرائيلية، عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية

Optimized by Optimole